عاهل الأردن في حديث خلال زيارة داخلية أمس

نظرية المؤامرة هذه المرة في الداخل الأردني بعد حادث العقبة، لها ما يبررها خصوصًا في ظل معركة عض الأصابع الصامتة المستمرة منذ أشهر بلا إنقطاع بين عمان وتل أبيب، إذ تميل عمان الى اعتبار تل أبيب شريكتها في سلام بارد منذ العام 1994 مسؤولة بالمطلق عن الصواريخ اللقيطة التي أيقظت قاطني مدن العقبة الأردنية وسيناء المصرية وإيلات الإسرائيلية، وسط تحقيقات باردة جدًا انكبت عليها السلطات الأردنية لمعرفتها التامة بالأب الشرعي للصواريخ، وهو ما أفهمته للقاهرة على بساط القمة الأردنية - المصرية أمس.

عامر الحنتولي- إيلاف: فور إحاطة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني علمًا بحادث إطلاق صواريخ بدائية الإطلاق من مثلث العقبة الأردنية، وسنياء المصرية، وإيلات الإسرائيلية، فقد لوحظ أن المؤسسات الرسمية الأردنية قد ردت عمليًا بثلاث خطوات سياسية داخلية وخارجية. ولم ترتبك كما كان معهودًا في حوادث مماثلة وقعت خلال العقد الماضي، بل أبلغ الملك الأردني طاقم ديوانه الخاص بعدم الحاجة الى أي تأجيل لموعد رحلته الخارجية الى منتجع شرم الشيخ المصري للقاء الرئيس المصري حسني مبارك، وتهنئته بالسلامة بعد العملية الجراحية التي أجراها مطلع الشهر الماضي، بل وأبقى العاهل الأردني موعد زيارته الى أحد المحافظات الجنوبية الأردنية قائمًا، وظهر خلالها الملك الأردني في قمة سعادته وإنشراحه سياسيًا. فيما علمت quot;إيلافquot; بأن مرجعيات أردنية أوحت لرئيس الحكومة الأردنية سمير الرفاعي أن يصرح لمحطات التلفزة ووكالات الأنباء العالمية بأن الأردن متأكد بنسبة 100% بأن الصواريخ لم تنطلق من الأردن بإتجاه أي طرف خارجي، حيث لوحظ بأن النسبة المئوية التامة هي مفردة سياسية أردنية جديدة تستخدم للمرة الأولى في الخطاب الرسمي الأردني، وتظهر بأن المؤسسة الرسمية الأردنية على قناعة بأنها تعرف هوية الأب الشرعي للصواريخ اللقيطة أمس، وأن إسرائيل هي من افتعل الحادثة لتصدير أزمتها السياسية الداخلية، والضغوطات الدولية عليها، وأن لنظرية المؤامرة هذه المرة أسبابها القوية والواقعية كما أكد مسؤول أردني كبير لـquot;إيلافquot;.

وفي الداخل الأردني لوحظ أن أجهزة الأمن الأردنية تعاملت مع الموقف ببرود شديد، لأنها تدرك الفاعل جيدا، وأن أي تحقيقات أو حالات إستنفار أو تأهب من شأنها أن تفسد أجواء المدينة الساحلية الأردنية، المصدر الأهم للسياحة الداخلية الأردنية، بل وأنه سبق لأجهزة الأمن الأردنية أن توصلت الى الجهة المنفذة لحادث تفجير لغم على طريق موكب للسفارة الإسرائيلية في عمان، وهو ما عرف قبل نحو شهرين بحادث العدسية، إذ صدمت أجهزة الأمن الأردنية بأن المنفذ قد يكون أحد سيارات الموكب الإسرائيلي، في مهمة تهدف للضغط الدبلوماسي على الأردن، ودفعه الى القبول ببرنامج تسوية إسرائيلي أعد للشرق الأوسط، إلا أن الأردن وقتذاك سارع بذكاء دبلوماسي أزعج تل أبيب الى تبرئة خصوم تقليديين للأردن وإسرائيل معًا مثل حزب الله اللبناني، وحماس الفلسطينية، وتنظيم القاعدة، معتبرًا في غرف دبلوماسية مغلقة بأن الحادث برمته ليس سوى صناعة إسرائيلية رديئة، وهو الموقف الذي من الواضح أن عمان قررت سلوكه في حادث العقبة، إذ لم يلمح الأردن الى مسؤولية أي طرف تقليدي، كذلك لم تسارع أي جهة لتبني الحادث، كما حدث في التاسع عشر من آب (أغسطس) عام 2005 حين أطلقت 3 صواريخ من العقبة الى بارجة أميركية وأخرى الى منتجع في إيلات، إلا أن تنظيم القاعدة وقتها بادر الى تبني الحادث، قبل أن يشن بعد شهرين من ذلك الحادث هجمات دامية ضد 3 فنادق أردنية بتزامن واحد أوقعت نحو 60 قتيلاً.


تأهّب لفك لغز الكاتيوشا الذي هزّ أمن العقبة

ووفقًا لمصادر أردنية رفيعة المستوى فإن القمة الأردنية - المصرية أمس قد تطرقت للحادث، حيث بادرت أطراف أردنية الى اعتبار إسرائيل هي الطرف الوحيد المستفيد من هجوم كهذا، فهي قد تستغله للتغطية على قرار سلطاتها العسكرية بتهجير أكثر من 70 ألف فلسطيني عن الصفة الغربية، وكذلك بحثًا عن ذرائع يمكن أن تشكل منصة لقرارات تعسفية أكثر تصلبًا، وقد تكون ndash; كما تورد المصادر الأردنية- للتخفيف من حدة الضغط الدولي عليها، ولاسيما الأميركي الذي أوصل العلاقات بين واشنطن وتل أبيب الى مستويات غير مسبوقة، وقد لا تتردد الدولة العبرية في إتهام أطراف كحزب الله وحماس على إستهداف أمنها، وهو ما يكون مبررها لشن هجمات في قطاع عزة وجنوب لبنان، إذ تشير المصادر الأردنية بأن إسرائيل ومنذ عقود تلجأ الى تصدير أزماتها الداخلية، ودفعها الى خارج الحدود على شكل تصعيد سياسي أو عسكري.

وعمليًّا تشتبك عمان وتل أبيب بصمت مطبق في معركة عض أصابع تتصاعد فصولا في ظل ما تراه عمان إنتاجًا وتسويقًا إسرائيليًا لمنتج الوطن الأردني البديل للفلسطينيين، وهو الأمر الذي يرفضه السواد الأعظم من الأردنيين، ومن ضمنهم الأردنيين من أصول فلسطينية، حيث رفض العاهل الأردني مرارًا تلك الفكرة بوصفها إنتحارًا سياسيًا لبلد مثل الأردن، إلا أن الماكينة السياسية والإعلامية لإسرائيل إستمرت في الترويج للمشروع، بل ويقال في الغرف السياسية الأردنية الرسمية المغلقة بأن تل أبيب نجحت في دفع الولايات المتحدة في تقليص مساعداتها المالية السنوية للأردن، وعلى العكس تمامًا ترى تل أبيب في الأردن كيانًا سياسيًا بدأ يعمل ضدها بشكل رسمي وعلني بعد أكثر من عقد ونصف العقد نجحت خلالها بإحتوائه سياسيًا من خلال إتفاقية سلام بارد، إضطرت إسرائيل تحت صقفه الى إيفاد نحو 5 سفراء إسرائيليين عانوا من موجات إكتئاب وإضطرابات نفسية بسبب العزلة التي عاشوها في الأردن.

وترى تل أبيب ndash; خلافًا للنفي الأردني- تحريضا دبلوماسيا واسع النطاق ضد إسرائيل في المحافل الدولية، وخصوصا في الملعب الأميركي، وكذلك فإن عمان ndash; وفقاً للإتهامات الإسرائيلية- قد باتت تحرض علنًا أطراف صديقة في الماضي القريب لإسرائيل مثل مصر وتركيا ودول أوروبية ضدها، وهو تحرك نشط للغاية، وتكتيكات مدروسة لقائد الدبلوماسية الأردنية الوزير ناصر جودة، الذي يتعرض لغضب إسرائيلي صامت، على الرغم من أن المفارقة السياسية المسجلة هنا بأن صحف الداخل الأردني تهاجم الوزير الأردني جودة بسبب صمته، وعجزه، وتناقض تصريحاته، إلا أن المخفي من الإنتقادات الإسرائيلية يظهر بأن الوزير الأردني هو وزير مزعج للغاية، وقد تعمد إسرائيل الى تظهير الحملة الإعلامية ضده خلال الأيام القليلة المقبلة.