وقعت إيران وتركيا والبرازيل اتفاقًا مشتركًا لمبادلة الوقود النووي الايراني بيورانيوم مخصب بنسبة عشرين في المئة في تركيا في محاولة لتسوية الازمة الناتجة من استمرار طهران في تخصيب اليورانيوم. وقد اجمع مراقبون على أن هذه التسوية تحرج الدول الغربية وتجعل من الصعب جدًّا عليها اتخاذ موقف قاطع برفضها.
باريس: يرى عدد من الخبراء ان الاتفاق بشأن تبادل اليورانيوم الذي أعلن الاثنين في طهران يحرج الغربيين، لأنه سيكون من الصعب عليهم رفض تسوية تفاوضت بشأنها دولتان حليفتان هما البرازيل وتركيا.
وقد استقبل الاوروبيون المشككون بصدق الايرانيين، بتحفظ اعلان الاتفاق الذي ابرم في وقت يسعون فيه مع الولايات المتحدة الى استصدار قرار في الامم المتحدة ينص على فرض عقوبات جديدة على ايران التي يشتبه في أنها تسعى الى امتلاك السلاح الذري.
ويعتبر خبراء ان تدخل البرازيل وتركيا في هذه التسوية يجعل من الصعب جدا على الدول الغربية اتخاذ موقف قاطع برفضها. فالدولتان المعنيتان هما عضوان غير دائمين في مجلس الامن الدولي وفي مجموعة العشرين ومن ابرز القوى الناشئة.
وقال باسكال بونيفاس مدير معهد الابحاث الدولية والاستراتيجية في باريس quot;ان المضي قدمًا كما لو ان شيئًا لم يحدث لن يكون من شأنه سوى عزل الغربيين، ليس ازاء روسيا والصين فحسب بل ازاء دول ناشئة في الجنوبquot;. واضاف quot;هذا يمكن ان يعطي الانطباع بتشنج وعزلة غربيةquot;.
ولفت فرنسوا هايسبورغ من مؤسسة الابحاث الاستراتيجية الى ان الخطوط العريضة للاتفاق تبدو قريبة جدًا من اقتراح تبادل اليورانيوم الذي عرضته الوكالة الدولية للطاقة الذرية على ايران في الخريف.
وقال quot;ان كانت تفاصيل الاتفاق مرضية -مهلة التبادل وشكل الوقود الذي سيتم تسليمه- فلن يكون بالامكان رفضه (...) وسنضع انفسنا في موضع حرج ازاء البرازيل وتركيا العضوين (غير الدائمين) في مجلس الامن الدوليquot;.
واضاف ان القوى الكبرى quot;تجد نفسها امام امر يصعب جدًا رفضهquot; في اشارة الى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن والمانيا التي تتفاوض بشأن الملف النووي الايراني.
في غضون ذلك، طلبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الاثنين من ايران ان تؤكد خطيا موافقتها على تبادل قسم من اليورانيوم الضعيف التخصيب الذي تملكه بوقود نووي.
وقالت المتحدثة باسم الوكالة جيل تودور ان quot;الوكالة الدولية للطاقة الذرية تسلمت نص الاعلان المشترك بين ايران وتركيا والبرازيل الذي وقع اليوم (امس) في طهرانquot;، واضافت quot;في اطار ما تم عرضه هناك، ننتظر الان من ايران مذكرة خطية تؤكد فيها موافقتها على البنود الواردة في الاعلانquot;.
بدوره، لفت مهدي مكدور الخبير في الشؤون الايرانية لدى مجموعة الابحاث والمعلومات حول السلام والامن في بروكسل quot;ان الدول الناشئة تكسب وزنًا اكثر فأكثر في الدبلوماسية الدوليةquot;، مضيفًا quot;ان البرازيليين والاتراك فعلوا في خلال يومين اكثر مما فعلته فرنسا والولايات المتحدة في خلال سنةquot; وتمكنتا من تحقيق تقدم.
وينص الاتفاق على ان ترسل ايران الى تركيا 1200 كلغ من اليورانيوم الضعيف التخصيب (3,5%) لمبادلته في مهلة سنة كحد اقصى ب120 كلغ من الوقود المخصب بنسبة 20% الضروري لمفاعل ابحاث نووية في طهران بحسب ايران.
لكن فرنسا وبريطانيا تعتبران ان عملية السعي لفرض عقوبات جديدة على ايران يجب ان تتواصل في الامم المتحدة. حتى ان وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير اشار الى احراز تقدم quot;مهمquot; في هذا الصدد في الايام الاخيرة.
واشار الخبير فرنسوا هايسبورغ الى انه quot;لتبني عقوبات جديدة في مجلس الامن يجب الحصول على تأييد تسعة اصوات، والواقعية السياسية تقول انه هذا لن يحصل في حال رفضت البرازيل وتركيا قرار العقوباتquot;.
ويرى بعض الخبراء ان مسألة صدق النظام الايراني تطرح نفسها بكل وضوح، خصوصًا أنه متهم بانتظام بأنه يريد كسب الوقت.
وقالت سفينجا سينجن الخبيرة في المؤسسة الالمانية للسياسة الخارجية quot;اني اشكك جدًّا في الاتفاق. لا يتعلق الامر سوى بمفاعل ابحاث، وبقية البرنامج النووي ستتواصلquot;. واوضحت quot;ان ايران كانت دائمًا تقوم بجهد صغير تحت تهديد العقوبات قبل ان تتراجع. لا بد من التريث لرؤية كيف سيتطور كل ذلكquot;.
وقد سارع البيت الابيض الى القول مساء الاثنين انه لا يزال لدى الولايات المتحدة وحلفائها quot;مخاوف جديةquot; بشان الملف النووي الايراني، رغم اتفاق طهران الاثنين. وقال روبرت غيبس المتحدث باسم الرئيس باراك اوباما ان قيام ايران بنقل اليورانيوم المنخفض التخصيب الى خارج اراضيها سيكون quot;خطوة ايجابيةquot; الا انه اشار الى ان ايران اعلنت انها ستواصل تخصيب اليورانيوم.
واضاف غيبس quot;أخذنا علمًا بالجهود التي بذلتها تركيا والبرازيلquot;، الا انه اشار الى ان الاتفاق الذي اعلن عنه في طهران يجب quot;ان يعرض على الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل ان يتمكن المجتمع الدولي من تقييمهquot;.
واعتبر المتحدث باسم البيت الابيض انه انطلاقا من التصرفات السابقة لايران quot;فانه لا تزال لدى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مخاوف جديةquot; ازاء الملف النووي الايراني.
كما قالت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون الاثنين في مدريد ان الاتفاق الجديد يستجيب quot;جزئياquot; لمطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية. واعلنت اشتون في مؤتمر صحافي بمناسبة قمة الاتحاد الاوروبي واميركا اللاتينية ان quot;الاعلان الذي صدر اليوم هو رد على مطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومن وجهة نظري، فانه لا يستجيب الا جزئيا للمسائل التي اثارتها الوكالة الذريةquot;.
واشارت اشتون الى انها لا تزال تامل في اجراء quot;محادثات رسمية مع ايرانquot; في موضوع quot;نوايا طهران في مجال السلاح النوويquot;. واضافت ان quot;عرض الوكالة الدولية للطاقة الذرية كان بادرة حسن نية. لقد شكل اعترافًا بحق دولة في امتلاك الطاقة النووية المدنيةquot;.
وتابعت اشتون ان هذا العرض لم يشمل quot;الموضوع الذي اردنا دائما ان نناقشه في شكل رسمي مع ايران، اي ما يتصل بنياتها على صعيد امتلاك سلاح نوويquot;. وقالت ايضًا quot;لديهم رقم الهاتف الخاص بي. قلت بوضوح في كل الاتصالات غير الرسمية ان عليهم الاتصال بيquot;.
واضافت quot;انتظر لأرى ما اذا كانوا يريدون البحث معي. اذا كان الامر كذلك، سنتباحث. والا سنواصل ما نقوم به حاليًاquot;.
التعليقات