لا زال الغموض يلف الكثير من جوانب حادثة القتل الجماعي التي ارتكبها سائق تاكسيفي بريطانيا وقتلفيها 12 شخصا.

تعيش بريطانيا حالة من الصدمة بعد حادثة القتل الجماعي التي ارتكبها سائق تاكسي في عدد من مناطق مقاطعة ويست كمبريا بأقصى شمال غرب انجلترا، وقتل فيها 12 شخصا، بمن فيهم شقيقه التوأم، وجرح 11 آخرين قبل أن ينتحر الأربعاء. وقد أعلن رئيس الوزراء ديفيد كامرون أنه سيزور المنطقة مع وزيرة داخليته تيريزا ماي الجمعة.

وكان القاتل، الذى يدعى ديريك بيرد (52 عاما)، مسلحا ببندقيتين عُلم في ما بعد أنه يحمل ترخيصا لهما. ومع أن بعض التفاصيل بدأت تتضح رويدا رويدا، فلايزال الغموض يلف الكثير من جوانب هذا الفعل المروّع بما في ذلك الدافع اليه. وكان يعتقد بادئ ذي بدء أن بيرد اختار ضحاياه عشوائيا. لكن هذا الاعتقاد أفسح المجال لغيره لاحقا.

فثمة نظريتان ابتدائيتان عن الدافع إحداهما تقول إنه الغضب إثر جدال ساخن مع ثلاثة من زملائه سائقي تاكسي آخرين. وذكرت تقارير أن استخدم لاسلكي سيارته ليجر هؤلاء الى كمين نصبه لهم في أحد مواقف التاكسي في بلدته وايت هيفين وأطلق عليهم النار فقتل أحدهم وجرح الآخريْن. وقيل إن الأمر يتصل برابط بين عطلة أمضاها الضحايا سويا في تايلاند وأن بيرد نفسه وقع ضحية خداع من امرأة تايلاندية سلبته آلاف الجنيهات.

أما النظرية الأخرى، التي تكتسب بعض المصداقية الآن، فهي أنه دخل في مشاجرة عائلية حول الميراث تبعا لوصيّة والدته التي ترقد على فراش الموت. وتعزز هذا الاتجاه حقيقتان رفع عنهما النقاب الخميس. وأولاهما هي أن شقيقه التوأم، ديفيد، ومحامي الأسرة، كيفين كومونز، كانا بين أوائل ضحاياه القتلى. ويذكر أن بيرد بدأ سلسلته الدامية بقتل توأمه فجرا وهو ينام على سريره. ثم توجه الى منزل المحامي وكمن له حتى لحظة خروجه صباحا الى مكتبه فأرداه قتيلا أيضا، قبل أن يوجه بندقيتيه الى أبرياء كان يعتقد أن لا علاقة لهم بالمسألة.

لكن الاعتقاد إن بيرد اختار ضحاياه هؤلاء عشوائيا تبدد مع رفع النقاب بعيد ظهر الخميس عن أن قائمة بأسماء عدد من الناس - من بينهم القتلى والجرحى - وجدت بحوزته بعد إطلاقه النار على نفسه في إحدى غابات المقاطعة حين ضيّقت قوات الشرطة خناقها عليه.

وأصبح الافتراض الأقوى الآن هو أنه كان يشن حملة انتقامية لتسوية حسابات وخصومات قديمة. ويبدو أن هذا في حد ذاته يضعف نظرية المشاجرة على ميراث الأسرة رغم أنه لا يستبعدها. فربما كانت هي laquo;الشرارةraquo; التي أشعلت بارود الانتقام الدامي.

فبالإضافة الى توأمه ومحامي الأسرة، قتل بيرد أيضا رئيسه القديم في العمل الذي كان قد فصله من وظيفته السابقة، إضافة الى أشخاص يعتقد أنهم كانوا يعيّرونه بعدم الكفاءة ويرجعون أمر فقده وظيفته تلك الى ذلك.

وبغض النظر عن الدافع الحقيقي، فقد سادت أجواء الصدمة بريطانيا وغطت الحادثة على ما عداها في سائر وسائل إعلامها. وحتى أخبار مثل وصول المنتخب القومي الى جنوب افريقيا قبل منافسات كأس العالم، وأزمة مهاجمة إسرائيل اسطول المساعدات لغزة وعودة سجناء السفينة التركية الى بلادهم توارت الى الخلف.

وثمة أسباب عديدة لهذه الصدمة منها أن البلاد غير معتادة على هذا النوع من الحوادث الذي تشهده الولايات المتحدة بين الفينة والأخرى ولم تخل منه تماما بعض الدول الأوروبية الأخرى مثل المانيا العام الماضي على سبيل المثال.

ومن هذه أيضا أن مقاطعة كمبريا تعتبر من أجمل مناطق بريطانيا من حيث المناظر الطبيعية. وهي تضم أعلى جبل في البلاد إضافة الى سائر جبالها التي يزيد ارتفاعها على 3 آلاف قدم. كما تعتبر منطقة ليك ديستريكت، الواقعة فيها، أجمل بقعة في انجلترا عى الإطلاق وبين الأجمل في عموم المملكة المتحدة. وقد ارتبطت على مدى تاريخها بأنها laquo;ملهمة الشعراء والفنانينraquo; ولهذا فقد ارتبطت بمفهوم laquo;الأمن والطمأنينة والسلامraquo;.

ومنها أن المقاطعة تصدرت الأخبار خريف العام الماضي بعد أسوأ فيضانات تشهدها بريطانيا في السنوات الأخيرة. وكانت مدن كمبريا وبلداتها وقراها الضحية الأساسية لها. بل أن العديد من مناطقها لم يسترد عافيته حتى الآن من تلك الكارثة الطبيعية التي هدمت السواد الأعظم من جسورها وأزالت قرى بأكملها.

وكما هو متوقع، فقد فتحت حادثة القتل الجماعي الباب مجددا الى الجدل حول القوانين المتعلقة بترخيص الأسلحة النارية. وقال رئيس الوزراء ووزيرة الداخلية إن مناقشات برلمانية ستدور في هذا الشأن. وأشار كامرون الى أن بريطانيا تتمتع بأفضل القوانين في العالم بهذا الصدد. ويذكر أن الشرطة البريطانية بين القليلة في العالم التي لا تزود أفرادها بالأسلحة النارية. وقالت وزيرة الداخلية إن الحادثة يجب الا تستدعي قرارات تُتخذ وسط سخونة الموقف. وبينما سارع البعض للتنديد بالقوانين التي تتيح امتلاك البندقية، عاود المدافعون عنها مقولتهم القديمة وهي أن البندقية نفسها غير قاتلة، وإنما القاتل هو من يضغط على زنادها.