يعيش اللبنانيون هاجس الحرب مع إسرائيل، فهناك من يؤكد حصولها فيما يستبعدها آخرون،وهذا التخوف لم يكن ليحصل لولا الوقائع الكثيرة التي ساهمت في جعله أمراًواقعاً أبرزها التهديدات الإسرائيلية المتواصلة ضد بيروت.

بيروت: أثناء احتدام أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية بعد التكليف الأول والثاني لزعيم quot;تيار المستقبلquot; النائب سعد الحريري بهذه المهمة طلعت محطة quot;أن.بي.أنquot; التلفزيونية المدعومة من رئيس مجلس النواب نبيه بري بشريط إعلاني _ سياسي تظهر فيه إحدى الفتيات وهي تمسك بزهرة راحت تنزع أوراقها الواحدة تلو الأخرى وهي تردد quot;في حكومة .. ما في حكومة .. في حكومة .. ما في حكومةquot; للدلالة على التعثر الحاصل في ولادتها.

وإذا كانت أزمة التأليف هذه التي استمرت أكثر من ثلاثة أشهر انتهت على خير، وأثمرت حكومة وحدة وطنية فان الحاجة إلى quot;الزهرةquot; إياها ظلت قائمة، لكن لغرض آخر يتعلق بما يتردد عن احتمال قيام إسرائيل بشن عدوان جديد على لبنان من هنا تحول السؤال عند الإمساك بأوراقها ليصبح quot;في حرب .. ما في حربquot;.

هذه الصورة الكاريكاتورية تكاد تلخص الواقع اللبناني المعاش في الوقت الحاضر حيث هاجس الحرب يلازم غالبية الناس فلا يلتقي اثنان إلا ويكون حديث الحرب ثالثهما ومعه تكثر التكهنات . فهناك من يؤكد حصولها فيما يستبعدها آخرون وهذا ما أدى إلى إطلاق عنان الرهانات كما فعل موظفو أحد المصارف الذين راهنوا زملاء لهم بأن يدفع الواحد منهم للآخر مائة دولار إن لم تقع الحرب قبل نهاية الصيف . أما الشاب الذي عقد خطوبته حديثاً فآثر إرجاء تاريخ زواجه ريثما تنجلي الأمور، في وقت امتنع فيه صاحب محل لبيع الملبوسات النسائية عن تجديد منزله كما وعد زوجته بذلك بانتظار ما ستفعله إسرائيل.

هاجس اللبنانيين هذا لم يكن ليحصل لولا الوقائع الكثيرة التي ساهمت في جعله أمراً واقعاً أبرزها التهديدات الإسرائيلية المتواصلة ضد لبنان، وتوعد أكثر من مسؤول في quot;تل أبيبquot; بإعادة بلاد الأرز إلى العصر الحجري وضرب بنيته التحتية ومؤسساته الرسمية.

وقد ترافق ذلك مع قيام القوات الإسرائيلية بمناورات عسكرية على الحدود الشمالية مع لبنان وتدريب المستوطنين بصورة خاصة على كيفية التصرف في حال تساقطت عليهم صواريخ المقاومة. وبلغ التهديد الإسرائيلي ذروته مع الحديث عن تزويد سوريا لـ quot;حزب اللهquot; بصواريخ سكود واستدعى ذلك تحركاً دولياً وأوروبيا باتجاه دمشق وبيروت وquot;تل أبيبquot; للحؤول دون تدهور الوضع، وقام رئيس الحكومة سعد الحريري بزيارات إلى عواصم عربية وأوروبية رافعاً شعار quot;حماية لبنانquot; وطاوله التهديد الإسرائيلي هو الآخر لدى قوله من اسبانيا إنه يحق للمقاومة امتلاك السلاح الذي يمكنها من الدفاع عن لبنان لصد أي اعتداء يتعرض له.

في المقابل ورغم إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله استبعاده إقدام إسرائيل على القيام بحرب جديدة على لبنان فانه حذرها، بالتالي من أن صواريخ المقاومة ستصل إلى جميع المدن والمواقع الإسرائيلية مطلقاً عبارته الشهيرة بقوله للإسرائيليين quot;إذا قصفتم مطار الشهيد رفيق الحريري فإننا سنقصف مطار بن غوريونquot;، كما كشف عن تطور عسكري جديد في قدرة quot;حزب اللهquot; القتالية عندماتحدث عن امتلاك صواريخ جديدة متطورة قادرة على إصابة البوارج الحربية الإسرائيلية إذا ما اقتربت من الشواطئ اللبنانية أو قامت بمحاصرتها.

ورغم تصاعد الحديث عن السلاح وقرقعته في كلا الجانبين، اللبناني والإسرائيلي، لاحظ المراقبون خصوصاً بعد إطلاق نصر الله مواقفه الأخيرة تراجعاً إسرائيلياً في التلويح بالحرب، وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية الاسباني ميغيل انخل موراتينوس لدى زيارته الأخيرة إلى سوريا ولبنان قبل أقل من شهرين حيث ابلغ المسؤولين في البلدين بأنه لم يلمس في إسرائيل ما يدل على عزمها القيام بحرب في المنطقة.

كلام التهدئة هذا لم يعمر طويلاً إذ سرعانما عادت الأجواء السياسية والعسكريةإلى التلبد خصوصاً بعد الهجوم الإسرائيلي على quot;أسطول الحريةquot; وما خلفه من تدهور في العلاقة بين إسرائيل وتركيا، والإعلان في لبنان عن قرب انطلاق سفينتين لكسر الحصار عن غزة واحدة تضم نساء من مختلف الجنسيات والثانية تقل إعلاميين لبنانيين وعربا وأجانب.

وقد أبلغت الحكومة الإسرائيلية أكثر من جهة دولية قرارها بالتصدي لهاتين السفينتين ومهاجمتهما على غرار ما فعلته مع السفينة التركية التابعة لأسطول الحرية محملة الحكومة اللبنانية مسؤولية العواقب التي قد تنجم عن ذلك. وتنطلق إسرائيل من تهديدها الجديد هذا من اعتبار quot;سفينة مريمquot; التي تقل مجموعة السيدات الناشطات إحدى quot;خدعquot; حزب الله لإقحام نفسه في هذه القضية مستندة في ذلك إلى استقبال السيد نصر الله قبل مدة للسيدة سمر الحاج إحدى ابرز المشاركات في حملة السفينة quot;مريمquot;، علماً أن الاجتماع المذكور كان مخصصاً لاطلاع أمين عام حزب الله على وضع زوج السيدة الحاج اللواء علي الحاج، وهو احد الضباط اللبنانيين الأربعة الذين جرى توقيفهم من قبل المحكمة الدولية الناظرة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري العام 2005 وافرح عنهم قبل عام.

ومهما يكن من أمر ها هو هاجس الحرب الإسرائيليةعلى لبنان يطل برأسه من جديد ليقض مضاجع اللبنانيين رغم إكثار عدد من المسؤولين في توجيه الأنظار إلى الصيف السياحي الواعد والقول ان ملايين السياح باتوا على الأبواب ومعهم تكتظ الفنادق وتنطلق المهرجانات والحفلات لتعم أرجاء الوطن.