لم تستفق عمّان بعد من الصدمة السياسيّة التي انتجتها ظروف الفيتو الأميركيّ المستند الى رغبة إسرائيليّة ضدّ البرنامج النوويّ الأردنيّ، الذي تريده عمّان إتقاء لشرّ عوامل تهدّد سلامة الكيان الأردنيّ، وعلى الرّغم من التّوضيح والشّرح الأردني الواسع النطاق لا تزال واشنطن أذنًا من طين وأخرى من عجين.

تنتظر مستويات القرار الأعلى في الأردن المحادثات السياسية والدبلوماسية التي يجريها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في الولايات المتحدة الأميركية التي يزورها لإلقاء عدد من المحاضرات السياسية، كما سيجتمع في مقر إقامته مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، إذ ستركز الدبلوماسية الأردنية على ما بدا أنها محاولة أخيرة لتجنب رفض أميركي علني لمشروع البرنامج النووي الأردني السلمي بالطبع، الذي تريده المملكة الأردنية من أجل حاجات تتعلق بمستقبل الوجود السياسي للأردن، وإنقاذ الإقتصاد الأردني، وإخراج الأردن من ورطة الفقر المائي التي تزداد تعمقًا، ولا يرى الأردن سبيلاً للفرار منها، سوى بإنتاج طاقة رخيصة جدًّا عبر مفاعلات نووية لتحلية مياه البحار، وهي مبررات لم تجد حتى الآن، قناعات أميركية بوجاهتها، علمًا أن مستويات القرار في الأردن تهمس بأن الجارة إسرائيل هي التي تعطل هذا المشروع في الخفاء.

وأواخر الشهر الماضي تسلّمت عمان ردًّا شفهيًّا مفاده أن الولايات المتحدة غير موافقة على مشروع المفاعلات النووية الأردنية، وأن عليها إعادة النظر في هذا الموضوع، على الرغم من أن الحكومة الأردنية قامت قبل أكثر من عام بإنشاء هيئة مستقلة للطاقة النووية الأردنية، بالتزامن مع تحديد مناطق بعيدة عن الثقل السكاني لإنشاء المفاعلات النووية الأردنية، وقررت أيضًا إستثمار الكميات الضخمة التي تمتلكها من مادة اليورانيوم لبدء المشروع الذي سيوفر للأردن طاقة رخيصة جدًا، لإنتاج الكهرباء، وتحلية مياه البحر، وتخفيف الضغط على الموازنة المالية الأردنية، عبر خصم ما تهيئه الحكومة في الميزانية على توليد الكهرباء حاليًّا بالإعتماد على النفط المستورد بالكامل، خصوصًا أنّ أكثر من طرف مانح قد أبلغ الأردن بصعوبة تقديم مساعدات مالية هذا العام، ما جعل الأردن يصمم على الولوج الى المشروع النووي بإعتباره المشروع المنقذ.

وخلال الأشهر الفائتة لاحظت عمان أن الجار الإسرائيلي الذي تقيم معه سلاما باردا منذ تشرين أول/ أكتوبر 1994، يضمر نوايا غير مريحة البتة للمشروع النووي الأردني، على الرغم من مبادرة عمان الى وضع الإسرائيليين قبل الأميركيين في صورة وأبعاد اللهفة الأردنية نحو هكذا مشروع، إلا أن إسرائيل ndash;كما يتردد أردنيا- قد أوعزت الى اللوبي اليهودي المهيمن في الولايات المتحدة عرقلة المشروع، وإبراز سلبياته، لحاجة إسرائيل الى تفردها النووي في المنطقة، وضمان سيادتها في هذا الشأن، خصوصًا أنّ إسرائيل تعتبر أن الأردن فقير فنيًّا في ملف إحتواء الأخطار النووية، وأن هذا الأمر يدفعها الى إبراز مخاوفها من تملك الأردن لمفاعلات نووية تشكل خطرًا ذا أبعاد مختلفة على إسرائيل.

ويجابه الأردن الآن حلاً أميركيًّا وسط مفاده أن الأردن بإمكانه أن يشتري الوقود الذري من السوق العالمية، وأنه غير مقبول بصورة نهائية أن يتم تصنيع هذا الوقود في الداخل الأردني، وهو الأمر الذي يراه الأردن بأنه غير مجد البتة من الناحية الإقتصادية، وترى معه أيضًا أنها على الرغم من إعتدالها وتحالفها السياسيَّين مع الإدارة الأميركية، إلا أنها في نظر الأميركيين والإسرائيليين في لحظات ما تبدو دولة مارقة كإيران، وأن تحالفها مع الولايات المتحدة هو أمر لا يفيدها بشيء، إذ لا تخفي عمان منذ أسابيع خيبة أمل سياسية واسعة النطاق، على الرغم من أن أكثر من مسؤول أردني قد عبّر في الأوان الأخير عن الأمل بإنهاء هذا الملف بتفهم أميركي للحاجات الأردنية الملحة.

وفي صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية يقول الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي تسيفي بارئيل: quot;عند الأردن أسباب متعدّدة مقنعة تدعو الى الغضب على اسرائيل.. آخرها يتعلق بتحطيم الأمل الاردني في استغلال تراب اليورانيوم الذي استكشف داخلها وجعله ذهبًا، إذ يجري الأردن منذ بداية السنة مفاوضات مع الولايات المتحدة لنيل موافقتها على انتاج وقود ذري من اليورانيوم الموجود فيها من أجل ان يستعمل في المستقبل المفاعلات الذرية التي ستقام لانتاج الكهرباء، فعلى الرغم منأن الأردن لا يحتاج رسميًّا الى موافقة أميركية، لأنها وقعت ميثاق منع نشر السلاح الذري أن تنتج وقودًا ذريًّا لحاجات سلمية.

وبهذا تشبه ايران التي وقعت هي ايضًا الميثاق نفسه. مع ذلك، بينت التجربة الايرانية للاردن انه لا تكفي رخصة صوريّة، بفعل الميثاق، وانه يحسن نيل الموافقة الاميركية لتجنب ما حدث مع ايرانquot;.

حكاية الأردن مع الطاقة النووية بدأت في نهاية العام 2007 عندما أوعز عاهل الأردن بضرورة وضع استراتيجية جديدة للطاقة على أساس تنمية الموارد المحلية واللجوء إلى موارد محلية للطاقة وعلى رأسها الطاقة النووية والصخر الزيتي والطاقة المتجددة، بهدف خفض اعتماد البلاد على استيراد النفط والطاقة.

وتتضمن الاستراتيجية الأردنية للطاقة استخدام الطاقة النووية كبديل لتوليد الكهرباء وتحلية المياه، حيث يتوقع أن تبلغ مساهمته في خليط الطاقة في العام 2020 نحو 6% إلى جانب مساهمة الغاز الطبيعي المحلي 9% والطاقة المتجددة 10% والصخر الزيتي 14% ومصادر الطاقة الخارجية بنسبة 61% (نفط ومشتقاته 40%، الغاز المستورد 17% والكهرباء المستوردة 1%).