أولى محطات تاريخ الطموحات الإيرانية النووية مصنع الساعات تحول لمنشأة للطرد وواشنطن لم تأبه بمحاولات طهران
يقول المراقبون إن الاحتواء السياسي (أو الدبلوماسية بكلمة أخرى) هو السبيل الأفضل للتقليل من خطر النوايا الإيرانية. وفي هذا الشأن ثمة شيء مؤكد، وهو أنه منذ تسلم الرئيس اوباما مفاتيح البيت الأبيض أصبحت الولايات المتحدة حريصة على التفاوض بنفسها مع طهران بدلاً من ترك المهمة لأوروبا.إقرأ المزيد:
لندن: في هذا الفصل من الدراما النووية الإيرانية، يأتي السؤال: ما الذي يتوقعه العالم الآن؟ في وكالة الطاقة لا شيء تغير سوى أن لها الآن مديرًا جديدًا حل محل محمد البرادعي هو الياباني يوكيا أمانو (63 عامًا) الذي لم يتردّد في تمديد عقد اولي هاينونين نائبًا له.
ويقول هذا الأخير إن شكوكه في سعي إيران للقدرة النووية يتزايد بمرور الأيام. لكنه لا يملك بين يديه الدليل الدامغ 100% اللازم لإثبات ذلك. ويقول أيضًا إنه غير متأكد مما إن كانت طهران ستكتفي بالوضع النووي الافتراضي الراهن أم أنها ستكمل المشوار حتى إنتاج القنبلة نفسها. ويتذكر بعض أبطال المسرحية: السويسري اورس تينير صديق عبد القدير خان قضى 4 سنوات معتقلاً تحت التحقيق في بلاده، لكنه طليق السراح الآن. والروسي فياتشيسلاف د، بروفيسير التكنولوجيا الدقيقة يعيش في شقة بموسكو، ويبدو انه بصدد التقاعد بعد تعاونه مع الإيرانيين، بعلم على الأرجح ولكن ربما من دونه، هدفهم الحقيقي من الاستفادة بعلمه.
المشروع الإيراني وتحييد قدرات إسرائيل
عبد القدر خان نفسه بلغ 74 سنة من العمر ويقال إنه يعاني من السرطان الآن. وقد أدلى ببعض التصريحات اللافتة، مثل قوله العام الماضي: laquo;كانت إيران راغبة في امتلاك التكنولوجيا النووية. وباعتبارها دولة إسلامية مهمة، فقد كانت رغبتنا هي ان يتحقق لها هذا الأمل. الغرب ضغط علينا بلا إنصاف. وحصول إيران على مرادها سيجعل من دولتينا كتلة إسلامية قادرة على مواجهة تلك الضغوط، وسيحيّد المشروع الإيراني القدرات الإسرائيلية ولا شكraquo;.
.. وإسرائيل تتهيأ لضربة حاسمة
هذا هو الفصل الأخير - حتى الآن - في دراما مشروع إيران النووي. وفي هذا الفصل تعد حكومة بنيامين نتنياهو المتشددة العدة لضربة عسكرية. وكانت أقوى إشارة الى هذا هي تصريح نتنياهو الذي جاء فيه: laquo;العام 1938 وإيران هي المانياraquo;، مشيرا بذلك الى أن أحمدي نجاد هو هتلر والى خطر السعي لحوار مع نظامه الذي يشبه النازي.
ومعروف ان المقاتلات الاسرائيلية هاجمت أهدافا نووية مفترضة في السابق: المفاعل العراقي في بغداد في يونيو (حزيران) 1981، ومجمع الكبار على الفرات في سورية في سبتمبر (ايلول) 2007. على أن أمر المفاعلات الإيرانية مختلف تماما. فالخبراء يقدرون أن ضرب منشآتها النووية أو، على الأقل، تعطيل مشروعها بعض السنوات، يحتاج الى أسابيع من القصف الجوي وأكثر من ألف غارة على أكثر من عشرة مواقع عدة مشتتة في مختلف أنحاء البلاد. وحتى في هذه الحالة، فإن إسرائيل لن تنجح في إبادة المشروع الإيراني بأكمله لأن طهران خبأت العديد من معداتها في أنفاق جبلية وتحت أرضية.
على أن الخبراء الإسرائيليين أنفسهم يعتقدون أن الحل العسكري ممكن حتى بدون مساعدة لهم من جانب laquo;الأخ الأكبرraquo; ممثلاً في الولايات المتحدة. ويشيرون الى أن العديد من جيران إسرائيل العرب يخشون امتلاك ايران القنبلة النووية بقدر خشيتهم من اسرائيل نفسها. وقد وردت تقارير أخيرًا أفادت ان المملكة العربية السعودية أعلنت لتل أبيب استعدادها لفتح مجالها الجوي أمام المقاتلات الإسرائيلية (وهو زعم نفته السعودية عبر laquo;إيلافraquo; قبل أيام).
.. لكن الثمن مكلف لإسرائيل والعالم
في حال مغامرة إسرائيلية من هذا النوع، فقد يكون الثمن فادحًا، لأن الخيارات المتوفرة لإيران تشمل أكثر من مجرد ضربة انتقامية بالصواريخ التقليدية. فبوسعها أيضًا إطلاق جماعات متعدّدة من عقالها في العراق، وتعبئة laquo;حزب اللهraquo; في لبنان وlaquo;حماسraquo; في غزة لشن هجمات إرهابية واسعة النطاق ومنتظمة ضد إسرائيل. ومن شأن هذا تأجيج اللهب في المنطقة وربما مناطق أخرى في العالم و/أو عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي.
ولهذا فإن المراقبين يقولون إن الاحتواء السياسي (أو الدبلوماسية بكلمة أخرى) هو السبيل الأفضل للتقليل من خطر النوايا الإيرانية. وفي هذا الشأن فثمة شيء مؤكد، وهو أنه منذ تسلم الرئيس اوباما مفاتيح البيت الأبيض أصبحت الولايات المتحدة حريصة على التفاوض بنفسها مع طهران بدلا من ترك المهمة لأوروبا والانزواء الى الكواليس رغم أن الأمر يهمها بالدرجة الأولى، كعادتها في كل شيء.
وربما كان ذلك عملاً بنصيحة وردت في كتاب مذكرات دبلوماسي أميركي وهي: laquo;ثمة أشياء في الحياة لا يمكنك ترك مهمة إنجازها للآخرين نيابة عنك. ومن هذه: الجنس، وتعاطي الكحول، والتفاوض مع ايرانraquo;. لكن مسؤولاً عسكريًا إسرائيليًا رفيع المستوى قال إن العبارة، على فكاهتها، يجب أن تكون كالآتي: laquo;laquo;ثمة أشياء في الحياة لا يمكنك ترك مهمة إنجازها للآخرين نيابة عنك. ومن هذه: تعاطي الكحول، والجنس، وقصف ايرانraquo;.
نظام الملالي هو الرابح
تتفق الأغلبية العظمى من الخبراء والمراقبين على أن قصفا إسرائيليا للمنشآت النووية الإيرانية سيأتي بعكس المراد منه. فالأرجح لهذا أن يوحّد الإيرانيين حول حكومة الملالي وبالتالي يضعف المعارضة laquo;الخضراءraquo; لحكومة الملالي الحالية أو يقضي عليها نهائيًا. ويقول بعضهم إن النظام الإيراني يتمنى في الواقع ذلك الهجوم الإسرائيلي. فعندها يستطيع الانسحاب من معاهدة حظر الاتنشار النووي والمضي في مشروعه لصنع القنبلة مستندا الى موجة التأييد الشعبي الكاسحة التي ستقف وراءه من دون مساءلة.
وفي حال قصف إسرائيلي - أو أميركي - فمن المؤكد أن يكون الهدف الرئيسي هو منشآت أصفهان، laquo;جوهرة فارسraquo; الجميلة التي يسميها الإيرانيون laquo;نصف جهانraquo; أو laquo;نصف العالمraquo;. وهذه هي بؤرة التعايش والتسامح الديني والثقافي. وفي هذه المدينة laquo;كنيسraquo; يقدم خدماته لنحو 1200 هم يهود المدينة من بين 25 ألفًا هم إجمالي اليهود في عامة البلاد. ومن المفارقات أن كنيسهم يقع في ساحة تسمى laquo;ميدان فلسطينraquo;. ويقول عجوز منهم: laquo;في حال هجوم خارجي، فسننسى الثيوقراطية ونحارب الدخلاء. لكننا لن نفعل هذا من أجل أحمدي نجاد وإنما من أجل الوطنraquo;.
التعليقات