يتهم أهالي قرية العراقيب في منطقة النقب الصحراوي السلطات الاسرائيلية بتنفيذ حملة تطهير عرقي ضد السكان، بعد أن دمرت إسرائيل القرية بشكل كامل بحجة البناء فيها دون ترخيص، وهي المرة الثانية التي يتم فيها تدمير القرية.

قضى المئات من سكان قرية العراقيب في النقب أيامهم الأولى في رمضان تحت عرائش مقبرة القرية بعد أن قامت إسرائيل، للمرة الثالثة منذ 27 تموز، بهدم القرية عن بركة أبيها وأزالت كافة المنازل والبيوت بحجة أن منازل القرية كلها غير مرخصة، وبدعوى أن الأراضي تعود للكيرين كاييمت ليسرائيل.

وقامت السلطات الإسرائيلية بهدم القرية عن بكرة أبيها للمرة الأولى في السابع والعشرين من الشهر الماضي، ولكن بعد أن قام الأهالي بإعادة بناء ونصب خيام في المكان، أعادت الجرافات والآليات الإسرائيلية، تحميها قوات معززة من الشرطة الإسرائيلية ووحدة خاصة، بهدم منازل القرية من جديد مرتين متتاليتين، دون أن ترعى حرمة النساء والشيوخ، بل إن إفراد الشرطة قاموا خلال عملية الهدم الثانية، في الرابع من الشهر الجاري بالاعتداء على عضو الكنيست طلب الصانع وطرحه أرضا، ما استدعى نقله للمستشفى، كما قامت قوات الشرطة باعتقال سكرتير عام الجبهة الديمقراطية، أيمن عودة، وعادت لتهدم القرية للمرة الثالثة من جديد عشية شهر رمضان المبارك، أمس الأول مخلفة مئات الأطفال والنساء والشيوخ في العراء.

رمضان في العراء وفي ظل المقبرة الإسلامية

ويكابد أهالي قرية العراقيب صوم رمضان في الحر الشديد ولا يتركون لأنفسهم مجالا لعدم اليقظة أو الإهمال. فالرجال في القرية متيقظون ويتهيأون لكل quot;غارةquot; من القوات الخاصة وآليات الحفر التي قد تعود في كل دقيقة لهدم العرائش والخيام التي نصبوها في العراء بعد الهدم المتكرر. ويخشى الأهالي من مداهمة السلطات لهم مرة أخرى ويبقون على مجموعات مراقبة في أطراف القرية، فيما يأخذ سكان قرى أخرى غير معترف بها في النقب حذرهم أيضا تحسبا من أن تنقل الشرطة الإسرائيلية قواتها إلى قرية أخرى لهدم منازلها وتشتيت وحدة السكان وإتعابهم وإرهاقهم في عمليات هدم متفرقة في مختلف القرى.

وقال يوسف أبوزايد، رئيس لجنة السكان في العراقيب لإيلاف: إن قوات الشرطة التي دهمت القرية، عشية رمضان لم تبق للأهالي شيئا وقامت بمصادرة المواد الغذائية والمؤن من السكان، ولم يقف الأمر عند ذلك بل صادرت أيضا حاويات المياه، وأتلفت ما لم تستطع نقله منها، لتترك النساء في يومهم الأول من رمضان من دون ماء أو كهرباء أو غذاء.

وأشار أبو زايد إلى أن أهل القرية صاموا يومهم الأول من رمضان، وأن أهالي النقب عامة توافدوا إلى القرية، وأخذ السكان ينقلون لأهالي القرية المواد الغذائية والماء لتوفير الإفطار في رمضان.
وكشف أبو زايد أن السكان بعد أن فقدوا بيوتهم، انتقلوا ليقيموا شوادر وخيام في قلب مقبرة القرية، علّ قدسيتها تردع الشرطة الإسرائيلية، مؤكدا أن الأطفال والنساء والمسنين لم يجدوا سوى عرائش من الزينكو منصوبة في المقبرة ليستظلوا فيها.

ولفت أبو زيد إلى أن السكان يدركون أن كل دعاوى السلطات الإسرائيلية باطلة وأن الهدف من عمليات الهدم المتتالية هو إرغام الناس على التنازل عن أراضيهم لتوطين مستوطنين يهود فيها، وتطهير النقب من العرب أو عزلهم في قرى صغيرة وبائسة.

تصعيد حكومي مقصود

وقال رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب، إبراهيم الوقيلي في حديث خاص مع إيلاف: إن الحكومة الإسرائيلية تقوم بتصعيد ممارساتها القمعية والعنصرية ضد الفلسطينيين في النقب لإجبارهم على التنازل عن أراضيهم وتسليمها للحكومة الإسرائيلية، وفي المقابل ستسمح لهم الدولة باستئجار الأرض التي يقيمون عليها من الكيرن كاييمت وبعدها تقوم بترخيص المباني لهم والاعتراف بقراهم.

وأكد الوقيلي لإيلاف، أن القرى العربية في النقب، التي لا تعترف بها إسرائيل هي 45 قرية قائمة في النقب حتى قبل قيام الدولة العبرية، مشيرا إلى أن البدو في النقب كانوا يملكون 12 مليون دونم صادرتها كلها إسرائيل ولم يبق في ملكيتهم سوى 750 ألف دونم تطالبهم الدولة الآن بالتنازل عنها بدعوى أنها أراض تابعة للدولة وأن أصحابها البدو لا يملكون صكوك الملكية، خصوصا وأن إسرائيل لا تعترف بنظام الملك الذي ساد خلال الدولة العثمانية وخلال الانتداب البريطاني.

وأشار الوقيلي إلى أن سكان هذه القرى البالغ عددهم أكثر من 100،000 شخص يعانون ظروفًا حياتية غير إنسانية إذ يفتقرون إلى المياه الجارية وإلى الكهرباء والخدمات الصحية للأطفال، ناهيك عن عدم وجود المدارس، لكن ذلك كله لم يكسر عزيمة الأهالي إذ يرفض هؤلاء التنازل عن أراضيهم مهما كلفهم ذلك.

وقال الوقيلي إن الحكومة الحالية صعدت أكثر من أي حكومة إسرائيلية سابقة خطواتها ضد السكان، ومررت قانونا خاصا يجيز ويسمح بمنح الصبغة القانونية للمزارع الفردية غير القانونية( وهي عبارة عن مزارع تصل مساحتها آلاف الدونمات استولى عليها مواطنون يهود في النقب)، كما أنها نفذت خلال العام الجاري نحو 47 عملية هدم للمنازل في قرية الجرول، وقرية خشم زنة ( التي خرج منها البطل الفلسطيني الأسطوري خلال الثورة الفلسطينية عام 36 وعرف بكنية هبوب الريح)، وقرية عبدة وغيرها.

لجنة تحقيق دولية

من جهته اعتبر عضو الكنيست طلب الصانع ( وهو من سكان النقب أصلا) أن ما تقوم به السلطات الإسرائيلية ليس سوى إرهاب دولة وتهجير قسري برعاية القانون، واتهم النائب الصانع الحكومة الإسرائيلية باتباع سياسة القوة والعنجهية الوحشية والتعامل مع المواطنين العرب كأعداء وهذا يعكس العقلية الصهيونية الحاقدة.

وحذر النائب طلب الصانع الحكومة الإسرائيلية من الاستمرار في هذه العمليات البربرية التي سوف تؤدي في نهاية المطاف إلى انتفاضة اجتماعية . ودعا طلب الصانع الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون إلى التدخل وتشكيل لجنة تحقيق دولية في الجرائم ضد الفلسطينيين العزل في النقب.
من جهتها دعت لجنة المتابعة العليا لشؤون العرب في إسرائيل إلى إقامة صلاة الجمعة الأولى من رمضان في أراضي قرية العراقيب، وناشدت الأهالي للتبرع لإعادة بناء القرية المهدومة.