المزيد في إيلاف: |
قطع القرار الملكي السعودي قول كلّ خطيب، وصار الأمر إلى أهله كما يقوله سعوديّون كثيرون في منتدياتهم ومجالسهم الخاصّة بمجرّد صدوره.
القرار الملكي الطويل، والذي بدأ بنسخة لوزارة الداخلية وانتهى بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ركّز في عموم لفظه على جانبين يشكلان الركيزتين الأساسيتين في دولة مهمة في كل الأبعاد التي تضمها، الدين والوطن، إذ ما بين كلّ جملة وأخرى يفنّد القرار نفسه وكأنّه يقول بأنّ صورة الدّين والمملكة باتت مسرحاً quot;للفتاوىquot; التي صنفها القرار بأنّها quot;في مشمول شواذ الآراء، ومفردات أهل العلم المرجوحة، وأقوالهم المهجورةquot;، التي تنامت في الفترة الأخيرة، حتى جاء رمضان المعروف بأنّه السوق الرائجة والأكبر للفتاوى المختلفة بقدر اختلاف مستويات مطلقيها علماً وشرعاً.
والمتتبع للشأن السعودي في الشهور الأخيرة يكاد يجزم بأنّ أكثر ما يميّز الساحة في جزرها ومدّها هي الفتاوى وما أثاره موجها في مختلف أوساط المجتمع وطبقاته.
ولا يمكن للمتابع نفسه أن يتفاجأ بالقرار خصوصاً إذا ما تتبّع سلسلة الأخبار الأخيرة التي تولّت كبرها هيئة كبار العلماء السعودية حين أعلنت عزمها تعيين مفتين في مناطق المملكة المختلفة يرتبطون بها رسمياً، ثم جاء بعدها تنظيم معلن أقرّته الهيئة نفسها في شهر يوليو - تمّوزالماضي حينما عمدت إلى تفعيل عزمها وبدأت فيه رسمياً.
ومن ذلك يتضح أن القرار الملكي كان داعماً ومؤيّداً للهيئة في توجّهها نحو الضبط والربط، وهذا وذاك يفسّر أيضاً اللغة القوية على حفظ مكانة quot;الفتوى الرسميةquot; إذ إنّ القرار الملكي أسهب كثيراً في التشديد على هيبة المؤسسات الدينية الرسمية وقيمتها الاعتبارية.
ويقول كاتب سعودي في حديث قصير مع إيلاف إنّ quot;الفتوى السعوديةquot; تختلف عن غيرها حتماً، لا بسبب أن قائلها ينتمي إلى بلاد مكة والمدينة وحسب، ولكن لأن فتاوى السعوديين معتبرة جداً عن طائفة كبيرة في العالم الإسلامي، في وقت تنصب لها طائفة أخرى مصيدة quot;التشفيquot; بعلماء السعودية وتصوير الوضع وكأنّ هذا هو المنهج السعودي الرسمي.
وأضاف الكاتب الذي فضّل عدم ذكر اسمه أنّ التوجيه الملكي حمل أيضاً عدة إشارات يفهم من مضمونها أن quot;تنظيم الفتوىquot; بات أمراً ملحًّا بعدما عجّت الساحة السعودية بالغث والسمين من الفتاوى التي قد لا تنفع الناس أكثر من إثارة اللغط وهو ما يمكن إطلاقه quot;على فتوى إرضاع الكبير أو هدم الحرم وتحريم رياضة اليوغاquot;.
وفي الأمر الملكي الموجّه أساساً إلى هيئة كبار العلماء ممثلة برئيسها المفتي العام عبد العزيز آل الشيخ مرور سريع على خطباء جوامع اتخذوا من المنابر quot;لتناول موضوعات تخالف التعليمات الشرعية المبلغة لهم عن طريق مراجعهم، إذ إنّ منبر الجمعة هو للإرشاد والتوجيه الديني والاجتماعي بما ينفع الناس، لا بما يلبس عليهم دينهم، ويستثيرهم، في قضايا لا تعالج عن طريق خطب الجمعةquot;.
وعلى الرّغم من أنّ البعض قالوا إنّ القرار قد يكون قتلاً للحوار،إلاّ أنّ القرار نفسه يعطي صورة واضحة لما يجب عليه الحال من حيث أن التنظيم جاء في الذين يفتون في شأن العامة والخوض فيه من دون أن يكونوا ممثلين بمرجعيّة رسميّة يمكن أن تتحمّل تبعات أي فتوى تصدر عنهم.
وبحسب مراقبين، فإنّهذا ينطبق أيضًا على كتاب الصحف والمثقفين الذين يتعاطون مع الشأن الديني تفنيداً وتعقيباً، إذ إنّ القرار وجّه للمفتين غير الرسميين و quot;كل من حمل آلة تساعد على طلب العلم، ولا تؤهل لاقتحام هذا المركب الصعب، فضلاً عمن لا يملك آلةً ولا فهماً ليجادل في دين الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، وإنما هو التطفل على مائدة الشرع، والعجلة خالي الوفاض في ميدان تحفّه المخاطر والمهالك من كل وجهquot;.
ولأنّ القرار كانّ مهمًّا ويمسّ شأنًا يكاد يكون من صميم التعاطي السعودي فإنّ التكهّنات أخذت طريقها في حوارات السعوديين بعد صدوره، ففي حين قال بعضهم بأنّ قصر الفتوى قد يكون مقدمة لقرارات مهمّة لا تريد الدولة أن يأخذ quot;المتطفلونquot; دوراً فيها والتشويش على العامة من خلالها، اكتفى فريق آخر quot;بفلوس خبر اليوم وبلاش بكرهquot; انتظاراً لما ستؤول إليه ركاب مفتي القنوات والخطب والصحف والمواقع وكل quot;كانتوناتquot; الفتاوى المعلبة التي لم تستثنِ شيئاً حتى الصلاة على سطح القمر وقتل quot;ميكي ماوسquot;.
التعليقات