يبدو أن الخلاف بين مصر والجزائر عاد إلى الواجهة مجددًا، وهذه المرة على خلفية إقصاء المحافظ الجزائري للصالون الدولي للكتاب دور النشر المصريَّة من المشاركة في هذه المناسبة الثقافية التي ستقام في تشرين الأوّل المقبل، وسط احتجاجات دور النشر والمثقفين الجزائريين على الاجراء الذي نفت وزارة الثقافة علاقتها به.
الجزائر: في الوقت الذي ظهرت بوادر الصلح وإنهاء الأزمة بين البلدين الشقيقين الجزائر ومصر بعد الشرخ الذي عرفته العلاقات الثنائية على مدى الأشهر الماضية على خلفية أحداث 18 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي في إطار تصفيات كأس العالم لكرة القدم في جنوب إفريقيا، أطلّت مشكلة جديدة ولكن من باب الثقافة هذه المرّة. فقد استثنى المحافظ الجزائري للصالون الدولي للكتاب مصر، ولم يدع دور النشر المصريَّة للمشاركة في النسخة الخامسة عشرة لهذه المناسبة الفكرية الثقافية التي تبدأ في 28 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
توجيه الدعوة إلى دور النشر المصرية وعوض أن يكون دعما لمحاولات صناع قرار البلدين لتهدئة الوضع وإعادة لحمة العلاقات إلى ما كانت عليه سابقا خاصة مع رغبة زعيمي البلدين وشعبيهما في تجاوز محنة العام الماضي والتي كان أبرزها اللقاء الحار والعناق بين الرئيسين حسني مبارك وعبد العزيز بوتفليقة في قمة quot;إفريقيا - فرنساquot; التي عقدت مؤخرا في مدينة نيس الفرنسية و كذا زيارة الرئيس المصري للجزائر في شهر تموز(يوليو) الماضي لتقديم واجب العزاء للرئيس بوتفليقة في وفاة شقيقه والتي أكدت طي صفحة التوتر بين البلدين حسب العارفين بدهاليز السياسة، إلا أن المحافظ بقراره استبعاد الكتاب المصري من معرض الجزائر الدولي، اعاد خلط أوراق الحكومتين من جديد وعصف مرة أخرى بالعلاقات الدبلوماسية للبلدين.
القرار الأخير لـ quot;اسماعيل أمزيانquot; محافظ الصالون الدولي للكتاب، أثار جدلا كبيرا و ردود أفعال متباينة سواء على مستوى الطبقة المثقفة المصرية أو الجزائرية، كونه انفراديا وارتجاليا لم يأخذ في الاعتبار الرأي الرسمي للشعب الجزائري و لا لحكومته التي اعتبرت القرار الأخير لمحافظ المعرض سحابة صيف عابرة لن تعكر الأجواء مرة أخرى رافضة أي تدخل من شأنه إفساد ما تم إصلاحه بين الشقيقتين، و هو الرأي الذي اجمع عليه مختلف شرائح المجتمع الجزائري بين مثقفين وسياسيين و إعلاميين، مشيرين إلى أن هذا القرار لن يؤثر على الإطلاق في العلاقات التاريخية بين البلدين ومبدين أسفهم من جهة أخرى لعدم مشاركة الكتاب المصري، الذي طالما عرف بمشاركته القوية في المعرض، و كذا حرمان القارئ الجزائري من الاطلاع على جديد إصدارات دور النشر المصرية.
أكد quot;اسماعيل أمزيانquot; محافظ معرض الجزائر للكتاب، رسميا خبر استبعاد دور النشر المصرية و كذا الكتاب المصري من النسخة الخامسة عشرة للصالون المزمع تنظيمه في أكتوبر القادم بمركب 5 جويلية في العاصمة الجزائرية، موضحا أن quot;قرار عدم توجيه الدعوة للناشرين المصريين هو رد فعل طبيعي لما تعرض له الجزائريون من سب وشتم و إهانة ومسّ بالكرامة من طرف المصريين على قنواتهم الفضائية ووسائل إعلامهم بصفة عامة، ولم يتجاوز الشارع الجزائري إلى اليوم تلك الجروحquot;.
مضيفا أن quot;ما حز في نفسي هو أن حملة السب والشتم التي استمرت أشهرا على الهواء وطالت الجزائر شعبا ودولة بكل رموزها وتاريخها لم تصدر عن الشباب أو الناس العاديين، لكن تزعمها المثقفون والساسة المصريون وأيضا الفنانون والكتاب الذين كانوا أول من سارع بالدعوة إلى مقاطعة الجزائر ثقافيا وفنياquot;.
و كشف المحافظ على أن quot;إدارته تلقت مؤخرا استفسارا رسميا من اتحاد الناشرين المصريين واختارت أن لا ترد عليه، فليس لنا ما نرد عليهquot; نافيا في الوقت نفسه أن يكون لقرار مقاطعة المصريين أي تأثير سلبي على معرض الجزائر، مخبرا بأن ما يزيد عن 100 ناشر عربي أكدوا حضورهم من سوريا ولبنان والأردن وليبيا وتونس والمغرب والإمارات والسعودية وغيرها.
و نفت وزيرة الثقافة الجزائرية quot;خليدة توميquot; و بحكم منصبها كالمسؤولة الأولى على القطاع الثقافي، أن تكون لهيئتها أي وصاية بشأن قرار إقصاء دور النشر المصرية من المشاركة في معرض الجزائر الدولي للكتاب في نسخته الـ15، وقالت إن القرار صدر عن محافظ الصالون، وأن هذا الأخير وحده المسؤول عن القرارات الخاصة بهذه التظاهرة، و أن القانون الأساسي الخاص بالمعرض يمنع وزارة الثقافة التدخل فيه أو في شؤون محافظة المعرض الداخلية فهي لا تفرض أي وصاية عليه، وبالتالي لا يمكن أن تقوم مهام هذه الهيئة الرسمية.
نقابة الناشرين الجزائريين: المحافظ أعلن الحرب منفردا
فتحت نقابة الناشرين الجزائريين النار على quot;إسماعيل أمزيانquot; محافظ صالون الجزائر الدولي للكتاب على خلفية قراره منع الناشرين المصريين من المشاركة في المعرض.
حيث أكد quot;فيصل هومةquot; نائب رئيس النقابة أن تصريحات المحافظ شخصية ولا تلزم أحدا غيره كونها لا تمثل وجهة نظر رسمية، وأكثر من ذلك، تعد احتقارا لمهنة النشر وقفزا على إرادة الناشرين الجزائريين الذين لا يعتبر محافظ الصالون وصيا عليهم، مضيفا أن ''الرجل سمح لنفسه باتخاذ قرارات غير مسؤولة تتعلق بالسياسة الخارجية للبلاد.. فكيف يعقل أن يقرر قطع العلاقات مع دولة تربطها بالجزائر علاقات سياسية''.
وقال محدثنا إنه ليس من مهام أمزيان التخطيط لسياسة الكتاب ولا يحق له منع طرف معين من المشاركة، فكل دولة تربطها علاقات سياسية بالجزائر مرحب بها ''وهذا لا يعني أننا ندافع عن الناشرين المصريين بل نتحدث من ناحية المبدأ''.
وفي السياق ذاته، استغرب فيصل هومة كيف قرر أمزيان منع الناشرين المصريين من المشاركة في معرض الجزائر الدولي للكتاب في دورته القادمة، في الوقت الذي تحتضن فيه الجزائر مقابلة كروية تجمع فريقي ''شبيبة القبائل'' و''الإسماعيلي'' المصري في تيزي وزو، مؤكدا أن منع الناشرين المصريين يعد خطوة بمثابة إعلان صريح للحرب ضد مصر كدولة، ومن شأنها إدخالنا في متاهات نحن في غنى عنها.
و على صعيد آخر، أثار القرار الذي اتخذه محافظ صالون الجزائر الدولي للكتاب ردود أفعال واسعة بين الناشرين المصريين، حيث قال رئيس الهيئة العامة المصرية للكتاب محمد صابر عرب إن قرار أمزيان هو ''عقاب للشعب الجزائري الذي سيحرم من أهم وأكبر دور النشر العربية وأهم مثقف في العالم العربي''، مؤكدا أن مصر ''ستظل الأخت الكبرى الأكثر وعيا وتفهما وتسامحا، مع كل الدول العربية؛ وستبقى تلعب هذا الدور إلى الأبد، وهو ما سيجعلنا نتصرف معهم بشكل مختلف، وندعوهم لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته القادمة''.
ومن جانبه، رفض رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد عبد اللطيف التعقيب على قرار المنع مشيرا إلى أن هيئته كانت قد أصدرت بيانا عقب أحداث مباراة الجزائر ومصر دعت فيه إلى نبذ الفرقة والانجرار خلف التراشقات الإعلامية، والتي من شأنها إثارة وإشعال نار الفتنة بين البلدين الشقيقين.
المثقفون الجزائريون ينددونبقرار استبعاد الناشرين المصريين من المعرض
وقع عدد من الكتاب والمثقفين الجزائريين بيانا تضمن احتجاجهم على عدم تدخل وزارة الثقافة الجزائرية لتوجيه دعوات للطرف المصري وإصدار تعليمات بمنع عرض أي كتب مصرية خلال المعرض الدولي للكتاب الذي ستحتضنه الجزائر شهر أكتوبر القادم ومن ضمن الكتاب الذين وقعوا البيان :الروائي كمال قرور، الروائي سمير قسيمي، الروائية فضيلة الفاروق، الشاعر لخضر بن صالح وغيرهم.
ومما جاء في البيان: quot;في عصر تضاءلت فيه المسافات، وانمحت الحدود بفعل التكنولوجيا والفضاء العنكبوتي، ما زالت بعض العقليات المتحجرة تصر على مباغتتنا بتصرفات جاهلية ودعوات لمقاطعة كتب الآخر والغريب هنا أن يكون هذا الآخر هو المصري أو الجزائري..ونحن بدورنا كأدباء ومثقفين عرب ندعو لنبذ هذه المقاطعة الجاهلية، ونرفض تماما المواقف المتكلسة من الطرفين، خاصة على المستوى الرسمي الذي يفترض فيه أن يكون أكثر عقلانية وهدوءًا من تصرفات الصبية ومشجعي الكرة المتعصبين ودعاة الفتنةquot;.
الإعلامي لخضر رزاوي صحافي في جريدة الشروق اليومي:
يرى الإعلامي و الصحافي quot;لخضر رزاويquot; من صحيفة الشروق اليومي في لقاء مع quot;إيلافquot; أن رد فعل quot;إسماعيل امزيانquot; جاء متأخرا جدا فالعلاقات بين البلدين الآن عادت إلى مجراها الطبيعي و الدليل على ذلك الاستقبال الحار لفريق الأهلي المصري في منطقة القبائل و أيضا ردة الفعل الايجابية للصحافة المصرية و موقفها بعد وفاة الأب الروحي للأدب العربي quot;الطاهر وطارquot; و العلاقات تمشي إلى الأمام، و أن قرار محافظ صالون الكتاب لا يعني بالضرورة الموقف الرسمي سواء للحكومة الجزائرية أو لشعبها، بل يعتبر قرارا انفراديا، وبتصرفه هذا أصبح يغرد خارج السرب و الدليل على ذلك حسبهأن الناشرين و المثقفين انتقدوا موقفه هذا و ختم الإعلامي رزاوي حديثه لإيلاف بأنه quot;لا يمكن تأسيس سياسات على أحداث....quot;.
و يؤكد الناشر quot;عامر جعيجعquot; مسؤول دار الخلدونية في اتصال مع quot;إيلافquot;، أنه rdquo;كان من المفروض على محافظ الصالون أن يوجه دعوى للناشرين المصريين و ليس من المعقول أن نتجاهل دور نشر لدولة عربية مهما كانت و لا يجب الخلط بين ما حدث في مقابلة كرة قدم و الأمور الفكرية و الثقافية، مضيفا أن منتوجات دور النشر المصرية موجودة بكثرة في السوق الجزائرية quot;أحب من أحب و كره من كره..quot;، و أنه لا يحق أن يحرم المثقف والباحث و القارئ الجزائري من الاطلاع على مختلف منتوجات دور النشر المصرية بل بالعكس فهناك كتب مهمة نجدها عند الناشرين المصريين ولا نجدها في دور نشر أخرى.
و من جهته، اعتبر الناشر quot;رابح محموديquot; مدير دار قرطبة في حديثه لإيلاف، أن قرار المحافظ صائب و حكيم، معتبرا انه لو تمت دعوة المصريين للمعرض فإن مشكل الأمن و حمايتهم في الصالون سيطرح نفسه بقوة...و أن حدوث ملاسنات بينهم و بين الزوار أمر وارد جدا و بالتالي فمن الحكمة عدم المخاطرة بدعوتهم خاصة و أن الأمور حسبه بدأت تهدأ.
و أكد المتحدث quot;أننا كوننا كناشرين جزائريين رفضنا حفاظا على أرواحنا المشاركة في فعاليات المعرض الدولي للكتاب الذي أقيم في مصر بداية السنة الجارية، على خلفية ما حدث في المباراة التي جمعت المنتخبين المصري والجزائري في القاهرة في نوفمبر الماضي، وما أعقبها من هجوم إعلامي حاد على كل ما هو جزائري، لذلك فمن المؤكد أننا كجزائريين سنتفهم لو رفضت مصر المشاركة في مختلف النشاطات التي تقام في الجزائر، كما سيتفهم المصريون عدم رغبتنا في المشاركة في أي نشاط يقام في مصر.
يبدو أن الخلاف بين مصر و الجزائر عاد الى الواجهة وهذه المرة على خلفية قرار المحافظ الجزائري للصالون الدولي للكتاب الذي استثنى فيه دور النشر المصرية من المشاركة في هذه المناسبة الثقافية التي ستقام في أكتوبر المقبل، وذلك وسط احتجاجات دور النشر والمثقفين الجزائريين على الاجراء الذي نفت وزير الثقافة أي علاقة به.
التعليقات