بعد دخول النرجيلة عالم التّدخين من بابه الواسع، وعدم اقتصارها على الرّجال، بدأت تبرز في المجتمعات الشرقيّة أصوات معارضة وغير متقبّلة للمرأة المدخّنة بشكل عام... والمرأة المدخّنة للنرجيلة بشكل خاص معتبرين أنّها تفقدها من أنوثتها وأنها تحمل إيحاءات غير أخلاقيّة.
الشقّ الواسع من ملفّ التّدخين اليوم، ليس منصبًّاعلى الضرر الذي يلحقه بصورة كبيرة، إنّما يرجع الشغل الشاغل إلى الآراء المتركّزة حول معارضة المجتمع الشرقي للمرأة المدخّنة، معتبرين أنّ التدخين حكر على الرجل، وأن هذه العادة منصبّة تحت إطار إثبات ما يحقّ له كرجل، وما لا يحقّ لها كأنثى. إذ إنّ التّدخين، وبخاصة بعد دخول quot;النرجيلةquot; عالمه، يتطلب جلسات خاصة خارج المنزل، ولأنّ مجتمعنا حتى اليوم، لا يتقبل بنسبة كبيرة خروج المرأة، لم يتقبّل فكرة النرجيلة في عدادها، معتبرين أنها بذلك، تفقد من أنوثتها وأنها تحمل إيحاءات غير أخلاقيّة من خلال حركة التدخين التي تقوم بها. أمّا اليوم، فباتت الأبواب مشرعة أمام الطرفين في ما يختصّ بالتدخين، وذلك لعوامل الإنفتاح التي يلقاها مجتمعنا، والتي تمنع هذا التمييز بين الرجل والمرأة، بعيداً عن الضرر الصحي الذي يؤديه التدخين، إنما النظر إلى هذه القضية من منطلق تمييز جنسي.
النرجيلة من ناحية الضرر الصحي أكثر تأثيراً من السيجارة، حيث أثبتت بعض الأبحاث العلمية أن تدخين النرجيلة يؤدّي إلى مخاطر أكثر من تدخين السيجارة ويعود ذلك إلى آفات التبغ أو الغليون. إضافة إلى خطر الكميات الكبيرة من النيكوتين التي تصل مجرى الدم في كل سحبة. أما بالنسبة إلى الحوامل أو المرضعات، فإنّ سهولة امتصاص النيكوتين عبر كافّة الأنسجة تجعله يصل إلى الجنين عبر المشيمة، مسبباً نقص وزن الجنين أو موته. وتقدّم هذه الأبحاث دراسة علمية تثبت أن النساء أكثر تعرّضًا للإصابة بالآثار السامة لتدخين السجائر أو النرجيلة من الرجل، موضحين أن النساء المدخّنات يصبن بأضرار في الرئة في وقت مبكر من العمر، مقارنة بالمدخنين من الرجال. إذ إنّ النساء لديهنّ ممرّات هوائيّة أصغر حجمًا من الرجال،الأمر الّذييجعل من كلّ سيجارةإمكانًا لخطرأكبر.
أمّا الفارق بين النرجيلة والسيجارة من الناحية الإجتماعية، فأجمعت الآراء على أنّ تدخين النساء السيجارة هو أمر غير مقبول إجتماعيًّا، معتبرين أنّ السيجارة عادة اكتسبتها النساء من الرجال، من خلال المنظر التي تظهر به المرأة في طريقة حملها لها وإخراج الدخان من فمها، و ما تحمله من إثارة للرجل عبر قيامها بعملية التدخين، وسبب آخر، أنها ترافقها أينما ذهبت، عكس النرجيلة.
استوقفنا حديث سائق عمومي عن الفتيات اللواتي يدخنَّ النرجيلة، معلقاً على الموضوع بسخرية: quot;أعذروني يا سيدات، ولكن لا أستطيع أن أصمت أمام مشهد الفتيات اللواتي يمسكن النرجيلة بيدهنّ، تدخّن بها تارةً وتعطيها لصديقها تارةً أخرى، ألا يخجلن؟ فعلاً فتيات وقحات(!)quot;. وفي إطار هذا الرفض لفكرة الفتيات المدخّنات، أكّدت كاتيا بيروثي (21 عاماً)، أن منع الفتيات من التدخين، نرجيلة كانت أم سيجارة، هو أمر جيّد. وقالت: quot;أنا أؤيد ما قامت به حماس في غزة، نسبة إلى القرار الذي أصدرته في منع الفتيات من تدخين النرجيلة في الأماكن العامّة، ويجب أن يطبق هذا الأمر في لبنان، حماية لصورة فتياتنا ولأنوثتهنّ ولمظهرهنّ بين الناس، إضافة إلى المحافظة على صحتهنquot;.
في حين عبّر حسين وهبي (19 عاماً) عن الموضوع، معتبراً أن التدخين في الأماكن العامة هو أمر غير جيد لأنه أولاً، يخلّ في البيئة وثانياً، يؤدّي إلى ضرر في صحة الإنسان. لكن في ما يتعلّق بتدخين المرأة: quot;النرجيلة أو السيجارة ليستا أموراً أبني على أساسها شخصية أي فرد، إلا أن معارضتي لتدخين المرأة هي في الفترة التي تكون فيها حاملاًquot;. وفي ما يتعلق بمصدر هذه الفكرة التي وصلتنا عن الفتيات المدخنات، أشار محمود فقيه (25 عاماً) إلى أن الفكرة الخاطئة عن تدخين الفتيات مستوردة من الغرب وذلك باعتباره أنّ الصورة التي انتشرت عن المدخّنات هناك كانت مرتبطة بصورتين، الأولى، الفتاة الأرستقراطية والثانية، بائعة الهوى. وفي الحالتين quot;أنا ضد التدخين، إذ إن السيجارة بيد المرأة تعطيها صورة غير لائقة هي بغنى عنهاquot;.
quot;وصلنا الى مرحلة كبيرة من استخدام الحريات بطريقة أعتقد بأنها خاطئةquot;، علّق وليد.ع من أحد البلدان العربية على الإفراط في تدخين المرأة. إذ تعتبر عادة التدخين في معظم البلدان العربية، غير أخلاقية، لا يتقبلها المجتمع بتاتاً، ويشير البعض إلى أن المرأة المدخنة متمردة على مجتمعها وعلى قيمها، بحجة الدين والعادات التي تربّى المجتمع عليها.
وبذلك، فإن نسبة النساء المدخّنات في الأماكن العامة تحديداً، أقلّ نسبة من تلك التي في لبنان، معتبراً بعضهم أن ذلك يعود إلى أن فتيات لبنان متحررات أكثر من سواهم. شارحين ذلك بأنهم يرضون بشريكة حياتهم أن تكون مدخنة لأن ذلك يدل على انفتاحها وعلى تحررها من القيود والعقد التي يفرضها مجتمعها عليها. في حين اعترض البعض الآخر مشيراً إلى أن الفكرة العامة لتدخين المرأة والمظهر الذي تبدو عليه يولد إثارة جنسية لدى بعض الشباب وهي تاليًا تحت الضوء quot;غير الأخلاقيquot; إذا استمرت على هذا الحال.
يشرح المتخصص في علم النفس الإجتماعي، الدكتور طلال عتريسي، أسباب هذه الأفكار النمطية التي تعود إلى التراث والتقاليد العشائرية، حيث اعتبر أنه quot;بحسب التقليد الثقافي في بلادنا، فإن النرجيلة هي سلوك ذكوري وفقاً للثقافة الشعبية والذكورية التي يعتنقها المجتمع، والتي تجعل النظرة إلى المرأة المدخنة نظرة سلبية، خصوصاً أن التدخين بحسب الترتيب الثقافي مرتبط بالخروج خارج المنزل. وبمجرد أن توازي المرأة الرجل في التدخين، فإن الأمر سيؤدي إلى خرق الصورة التقليدية، من دون التغيير في الأدوار، أي أن دور المرأة التقليدية بالعلاقة مع الرجل هو دورها في منزلها، ولأنها اليوم أصبحت أكثر تحرّراً وموازية لما يقوم به الرجل، تقبّلها البعض ورفضها البعض الآخرquot;. وأضاف عتريسي: quot;في المستوى الثاني، هناك بداية تغيير عند الجيل الجديد نسبة إلى موضوع النرجيلة، إذ أصبح هذا الجيل أكثر تعوّداً على خروج المرأة نسبة لما تقوم به من أنشطة إجتماعية وسياسية ومدنية. فمظهر المرأة في المقهى اليوم، لم يعد أمراً مستهجناً مثل الماضيquot;.
على ضوء ما تقدم، هناك أشخاص في الكفة الأخرى اعترضوا على هذه النظرة السلبية التي يوجهها المجتمع الشرقي للمرأة المدخنة إذ رأت شانتال طاي (21 عامًا) أن quot;غالبيّة ما يقودني للخروج من المنزل هو تدخين النرجيلة، ولن يكون جلوسي في المقهى مقتصراً على شرب العصير، وأجلس في ما تبقى من الوقت لمشاهدة الناس. هذا أمر يعود بالحرية الفردية لكل شخص، ولا يحقّ لأحد أن يفرض رأيه في هذا الخصوصquot; في حين اعتبرت نادين عيسى أنّ quot;مجتمعنا مريض نفسيًّا، ولا يهمّه سوى المظاهرquot;.
يشير بعض علماء النفس السلوكي في عملية التدخين، لكلا الطرفين، أنها وسيلة للهروب من واقع معيّن، أو حاجة لنكون في علاقة حميمة مع الآخرين وأن نتواصل معهم، لكننا نخشى القيام بذلك، وسبب آخر يعود إلى تعرضنا للضغط النفسي والتخلّص من أي اضطراب أو قلق. وفي نظرية قدّمها فرويد، أن التدخين هو نقص في التطور النفسي الجنسي واعتياده هو من بقايا المرحلة الفمية من مراحل التطوّر النفسي الجنسي، وهي أولى مراحل هذا النمو. حيث ينشأ الطفل أوّل ما يولد وإحساسه باللذة الذي يكون مصدره جسمه كله، ولكن سرعان ما يتركز بنوع خاص في مناطق شبقية متعاقبة أوّلها الفم، ثم الشرج، ثم الأعضاء التناسلية الخارجية. وإن التدخين من الخلق الفمي هو دليل على حاجات عاطفية لم تشبع من هذه المرحلة فيحاول المدخن أن يشبعها بالسيجارة.
وفق إطار البحث في قضية المرأة والنرجيلة، علقت المسؤولة الإعلامية للمجموعة النسوية في لبنان، لين هاشم على التمييز الحاصل ضد المرأة، معتبرة أنّ quot;الموضوع بحدّ ذاته وبصياغته الحالية أي quot;المرأة والنرجيلةquot; يدلّ على تمييز ضد المرأة، لأنني لم أقرأ يوماً موضوعاً عن quot;الرجل والنرجيلةquot;، وذلك لأن المجتمع يعتبر أن من الطبيعي والبديهي للرجل أن يدخن السيجارة أو النرجيلة، أما المرأة فيجب أن تلتزم دائماً بما هو quot;متوقّع منهاquot; بحسب الأعراف الإجتماعية، إذ يجب عليها أن تبدو بصورة جميلة دائمًا. لذا هذا الرفض لأن تدخن المرأة النرجيلة أو السيجارة هو نابع من هذا القمع الذي يفرضه المجتمع يوميًّا على جسد المرأة وحريّاتها وهو أمر غير مقبولquot;. وأضافت هاشم: quot;هذا القمع له وجهان، قمع إجتماعي ضد الرجل الذي عليه أن يبدو دائمًا بالصورة quot;الرجوليةquot; المقبولة إجتماعيًّا كي يعتبر رجلاً حقيقيًّا، وهو أمر منهك ويحرم رجالاً كثيرين من حرياتهم في طريقة حياتهم، واختيار شركائهم ولباسهم وطريقة كلامهم وسيرهم. لذا موضوع النرجيلة هو جزء بسيط جدًّا من نظام كبير وضخم يقوم على قمع الأفراد بحجة الطبيعة. وختمت مشيرة إلى أنّ quot;كلاًّ من النرجيلة والسيجارة مضرّتان بالصحة والبيئة، ولا أشجع أحداً على تدخينهما، لكنها في النهاية حرية شخصية بحتة، وليس لأحد أن يفرض عدم تدخينها على أحدquot;.
التعليقات