سجل أخيرًا تباين في الموقف بين رئيسي الجمهوريةوالحكومة العماد ميشال سليمان وسعد الحريري حول مسائل كبرى تعني السياسة الخارجية للبنان شكلت المفاوضات المباشرة المزمع عقدها بين السلطة الفلسطينية والحكومة الاسرائيلية أحد ابرز عناوينها.

بيروت: على الرغم من انشغال لبنان الرسمي والشعبي بمعالجة آثار الجروح التي خلفتها أحداث برج أبي حيدر في نفوس ابناء بيروت بصورة خاصة واللبنانيين بشكل عام وما اسفرت عنه الاشتباكات الدامية التي وقعت بين عناصر من حزب الله وآخرين من جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية (الاحباش) من سقوط قتلى وجرحى بين الطرفين وإلحاق اضرار جسيمة بعدد من المنازل والمتاجر ودور العبادة والسيارات وما تبعها من ارتفاع في الاصوات المطالبة بجعل بيروت مدينة منزوعة السلاح وعودة الحديث عن سلاح المقاومة ودوره وموقعه، فان اوساطًا سياسية متابعة لم تشغلها هذه الأمور على اهميتها عن رصد ما ظهر من تباين في الموقف بين رئيسي الجمهورية والحكومة العماد ميشال سليمان وسعد الحريري حول مسائل كبرى تعني السياسة الخارجية للبنان شكلت المفاوضات المباشرة المزمع عقدها بين السلطة الفلسطينية والحكومة الاسرائيلية أحد ابرز عناوينها.

وفي التفاصيل، فإن الرئيس سليمان وخلال استقباله مجلس نقابة محرري الصحافة اللبنانية ومستشاريها يوم الاثنين الماضي سئل عن رأيه في المفاوضات المذكورة فأجاب بان لبنان لم يبارك هذه الخطوة ولم يغطها، في اشارة الى موافقة اللجنة الوزارية المكلفة بمتابعة مبادرة السلام العربية عليها باستثناء سوريا التي ابدت اعتراضها عليها عبر مندوبها الدائم في الجامعة العربية السفير يوسف الأحمد وامتناع لبنان ممثلاً بالسفير خالد زيادة عن التصويت يومها . كما ذكر رئيس الجمهورية ان مسار المفاوضات الفلسطينية ndash; الاسرائيلية اكانت مباشرة او غير مباشرة غير مشجع على الاطلاق موضحًا ان لبنان مع السلام العادل والشامل وهو يترقب ما ستؤول اليه جولة المفاوضات الجديدة هذه.

لم تمضِ ساعات على كلام الرئيس سليمان هذا حتى صعد رئيس الحكومة سعد الحريري الى المنصة مخاطبًا ضيوفه في افطار رمضاني اقيم في قريطم معلنًا ترحيبه بالمفاوضات المرتقب حصولها في واشنطن بين الفلسطينيين والاسرائيليين برعاية أميركية وحضور الرئيس المصري حسني مبارك والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الأمر الذي أثار استغراب الاوساط السياسية المتابعة وحملها على اعادة طرح السؤال المزمن: من يحدد سياسة لبنان الخارجية؟

واذا كانت هذه الاوساط ترى في موقف الرئيس الحريري انسجامًا مع ما صدر عن الحكومة السعودية في جلستها الأخيرة التي انعقدت يوم الاثنين الماضي برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد اللك بن عبد العزيز وابدت فيها ارتياحها لما توصل اليه الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي من قرار يقضي بالانتقال من المفاوضات غير المباشرة بينهما الى مفاوضات مباشرة نتيجة للجهود والمساعي التي قامت بها الادارة الأميركية في هذا المجال باشراف ومتابعة من الرئيس باراك اوباما . فإنها وبالتالي سجلت تباينًا في الرأي بين الرياض ودمشق حول هذه المسألة وان حرص الجانبان على ابقائه في اطار العبارة التي اطلقها الرئيس السوري في القمة العربية الاخيرة التي استضافتها ليبيا والقائلة بـ quot;تنظيم ادارة الخلافاتquot; في معرض تناوله لكيفية التعاطي حين يعترض العلاقات العربية - العربية اضطراب أو توتر.

وترى الاوساط السياسية المتابعة ان عبارة الرئيس الأسد هذه والتي استطاعت تجاوز ما حصل بين الجمهورية العربية السورية والمملكة العربية السعودية بخصوص موضوع المفاوضات المباشرة، فإنها انسحبت بالتالي على علاقة سوريا الجيدة مع دولة قطر، وان بدأ رئيس مجلس وزرائها وزير خارجيتها الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس اللجنة الوزارية العربية متحمسًا لاعطاء هذه المفاوضات فرصة من منطلق انه يتوسم خيرًا في نوايا الرئيس اوباما على الرغم من اعتقاده بصعوبة تحقيق اي تقدم في عملية السلام مع وجود بنيامين نتنياهو على رأس الحكومة الاسرائيلية.

وكان مندوب سوريا الدائم لدى الجامعة العربية وسفيرها في مصر يوسف الأحمد قد رفع الصوت عاليًا في الاجتماع الاخير الذي عقدته اللجنة الوزارية العربية المذكورة مستغربًا منحها الضوء الاخضر للمفاوضات المباشرة، وهي التي قبلت على مضض بالمفاوضات غير المباشرة وحددت مدة زمنية لها لا تتجاوز ثلاثة اشهر لم تنته بعد مطالبًا بأن يبلغ رئيس اللجنة وامين عام الجامعة العربية عمرو موسى الاعلام اعتراض سوريا على هذا القرار، فيما بدا لافتًا الصمت الذي اعتمده المندوب اللبناني السفير خالد زيادة خلال هذه الجلسة وعدم ادلائه باي مداخلة فيها خلافاً لما جرى في الجلسة السابقة التي بحث فيها موضوع المفاوضات غير المباشرة حيث بدا وزير الخارجية اللبناني علي الشامي حاسمًا في رفضها كما فعل المندوب السوري وهذا ما حمل الاوساط السياسية المتابعة على التساؤل ايضًا: هل ان غياب الوزير الشامي عن جلسات الجامعة العربية مبرر لغياب صوت لبنان معه ام ان العذر في ذلك يقع على حاجة لبنان الماسة الى سياسة خارجية واضحة لا لبس فيها ولا غموض خصوصًا في القضايا الوطنية والمصيرية.