تيلو زاراتسين وكريستيان فولف

بعد أن قررت رئاسة البنك الاتحادي الألماني بإجماع أعضاء مجلس الإدارة تقديم طلب إلى الرئيس الألماني كريستيان فولف لإقالة عضو مجلس إدارة البنك تيلو زاراتسين جراء تصريحاته المسيئة للأجانب والتي فجرت جدلًا واسعًا، خرج هذا الأخير عن صمته واستسلم للضغط السياسي و الاعلامي الذي كان يطالب بإقالته من المكتب الاتحادي لبندسبنك وأعلن أنه توصل إلى اتفاق مع البنك بترك منصبه في نهاية الشهر الجاري.

فجر كتاب quot;ألمانيا تحتضرquot; لصاحبه تيلو زاراتسين سجالًا سياسيًا واعلاميًا في ألمانيا حتى قبل صدوره الرسمي في الثلاثين من شهر آب/ أغسطس الماضي. سبب السجال والضجة الاعلامية والسياسية ما تضمنه الكتاب من أحكام ضد المهاجرين المسلمين في ألمانيا خصوصًا العرب والأتراك. وزاراتسين الذي هو عضو مجلس إدارة البنك المركزي الألماني (البندسبك)، وتقلد لسنوات حقيبة المالية في ولاية برلين هو شخص معروف بتصريحاته المعادية للمهاجرين.

فبعد تلك التصريحات التي أطلقها السنة الماضية حين دعا العاطلين عن العمل ارتداء ملابس دافئة بدلاً مناستخدام السخانات خلال أشهر الشتاء الباردة بهدف توفير المصاريف التي تدفعها الدولة لهؤلاء. ها هو من جديد يوجه مدفعية قاموسه تجاه المهاجرين المسلمين خصوصًا العرب والأتراك من خلال كتابه الذي جاء في 464 صفحة.

ومما جاء في الكتاب أن هجرة المسلمين إلى ألمانيا كلفت ألمانيا اجتماعيًا وماليًا أكثر مما استفادت ألمانيا منها. وأضاف أن المسلمين هم مجرد بائعو خضار وفواكه وأنهم آلة لانتاج الأطفال، وأنهم غير منتجين يعيشون على المساعدات الاجتماعية للدولة.

وحذر من نتائج سياسية لارتفاع المواليد لدى المسلمين حيث توقع أن يحتضر الشعب الألماني مقابل هذا التزايد في المواليد لدى المسلمين. ولم يكتفِ صاحب الكتاب عند هذا الحد بل اعتبر أن ألمانيا وخصوصًا ولاية برلين تسير في طريق البلادة على اعتبار ارتفاع نسبة المهاجرين المسلمين فيها. وخلص في الأخير أنه ليس على استعداد أن يعيش أحفاده في بلد ينتج المحجبات ويرتفع فيها صوت المؤذن.

ومما زاد في الطين بلة هي التصريحات التي أدلى بها تيلو زاراتسين عشية صدور كتابه. ففي حوار مع صحيفة quot;دي فيلتquot; صرح أن عددا من الاثنيات منها اليهود يتوفرون على جينات وراثية معينة. وهو التصريح الذي سبب لصاحبه مزيدًا من الانتقادات كان من نتائجها ارتفاع أصوات تنادي بفصله من مؤسسة quot;البندسبكquot; وفصله من الحزب الاشتراكي الألماني.

غضب سياسي واعلامي

وأثار زاراتسين موجة من الانتقادات بسبب تصريحاته المعادية. وأجمعت كل أطياف المشهد السياسي ووسائل الاعلام في ألمانيا على ضرورة التصدي لمثل هذه التصريحات العنصرية التي لا أساس لها من الصحة.

وفي هذا الصدد، إعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تصريحات زاراتسين غير مقبولة وطالبت بأن يتحمل البندسبانك مسؤوليته تجاه هذا العضو الذي يشوه سمعة البنك وسمعة ألمانيا. وفي الاتجاه نفسه سارت كل الأحزاب السياسية التي أجمعت على ضرورة فصل صاحب هذه التصريحات المستفزة والعنصرية من أهم مؤسسة مالية في ألمانيا.

غير أن حزب تيلو زاراتسين الاشتراكي الديمقراطي أحس بضغط أخلاقي قوي وفي هذا الاطار صرحت كاتبته العامة أندريا نالس قائلة: quot;زارتسين يسيء إلى سمعة الحزب الاشتراكي الديمقراطيquot;. وأضافت أن من يعتدي على جماعة معينة بالإهانة والاحتقار ويثير مشاعر معادية لهم داخل المجتمع إنما quot;يلعب من خلال نشر المخاوف والأحكام المسبقة لعبة قذرة وسامةquot;.

مضيفة في هذا السياق أن ذلك يتنافى بصورة قاطعة مع مبادئ الحزب الاشتراكي الديمقراطي. وهذا ما أدى إلى ارتفاع حدة الانتقادات داخل الحزب الاشتراكي، حيث طالب أصحابها بضرورة فصله من الحزب. وبدورها أجمعت وسائل الاعلام على هجانة تصريحات تيلو زاراتسين.

حيث علقت صحيفة quot;Die Weltquot; على أطروحات زاراتسين: quot;بالتحديد، أولئك الذين يقدرون زاراتسين ويرون فيه مفكرًا بورجوازيًا ذكيًا يتجاوز المسلمات، لا يمكنهم هذه المرة تفادي القول بأن الكتاب غريب عنهم. كل أولئك الذين كانوا يأملون فيه شخصًا quot;يسمي أخيرًا الأشياء بمسمياتهاquot; سيصابون بخيبة أمل من هذا الكتاب quot;الملفوفquot; بتاريخ الفلسفة، بالإحصائيات والأطروحات الضعيفة حول الذكاء وعلم الوراثة والعنصرية والسياسة الديموغرافيةquot;.

أما صحيفة quot;Westdeutsche Allgemeine Zeitungquot; فذهبت في الاتجاه نفسه وقالت: quot;أطلق ثرثرته الفارغة عن جينات اليهود، وبذلك يكون زاراتسين، الذي نصب نفسه خبيرًا في شؤون الهجرة قد تجاوز الخط الأحمر. فمن يختزل شعبًا أو طائفة ما في خصائص جينية سواء إيجابيًا أو سلبيًا، يعرض نفسه لتهمة العنصريةquot;.

أما صحيفة quot;Tageszeitungquot; الصادرة في برلين، فكانت أكثر حدة في لهجتها وكتبت معلقة: quot;ليس هناك من شك أن زاراتسين شخص عنصري، ... إن حالة زاراتسين تشكل صدمة مفيدة لألمانيا، فقد حان الوقت للتخلي عن الوهم السائد والقائل بأن المعتقدات العنصرية ترتدي الأحزمة والأحذية الناسفة، فكما نرى فيمكن أن تزدهر أيضًا لدى أصحاب البدلات الأنيقة للمصرفيين وأصحاب القرارquot;.