تنتظر العلاقات الفرنسية الجزائرية مرحلة ساخنة نظراً للخلاف الذي بدأ يتعمق يوماً بعد يوم، مع إقتراب موعد المفاوضات بين البلدين حول إتفاقية 68، بسبب إقرار وزارة الداخلية والهجرة الفرنسية إجراءات جديدة للحصول على التأشيرة من قبل رجال الأعمال الجزائريين.


باريس: من المتوقع أن تشهد العلاقات الفرنسية الجزائرية مرحلة ساخنة، نظراً للخلاف الذي بدأ يتعمق يوماً بعد يوم، بسبب إقرار وزارة الداخلية والهجرة الفرنسية إجراءات جديدة للحصول على التأشيرة من قبل رجال الأعمال الجزائريين، وكذلك مع إقتراب موعد المفاوضات بين البلدين حول إتفاقية 1968، التي كانت تمنح الجزائريين إمتيازات خاصة في السفر إلى فرنسا.
فقد ظل الجزائريون يستفيدون من هذه الإمتيازات الخاصة في دخول فرنسا، بفضل هذه الإتفاقية التي تعود إلى سنة 1968، وسيكون من الصعب بالنسبة للمسؤولين السياسيين الفرنسيين إقناع نظرائهم الجزائريين بالقبول بتعديلات على هذه الإتفاقية ستقلص لا محالة من هذه الإمتيازات.
وتشير العديد من التوقعات إلى أن المفاوضات بين سلطات البلدين حول هذه الاتفاقية التي ستنطلق مع نهاية الشهر الجاري، ستكون صعبة بل ومعقدة، خصوصاً بعد فرض وزارة الداخلية والهجرة الفرنسية على رجال الأعمال الجزائريين إجراءات جديدة للحصول على التأشيرة الفرنسية.
جاءت هذه الإجراءات، بحسب الحكومة الفرنسية، لتقوية تدابيرها المتخذة ضد الهجرة غير الشرعية، حيث اعتبر وزير الداخلية والهجرة الفرنسي بريس أورتفو أن هناك من يستغل مثل هذه التأشيرات للهجرة إلى فرنسا وquot;الإستفادة من خدمات الضمان الإجتماعيquot; التي توفرها الدولة.
كما دعا أورتفو القناصل الفرنسيين قبل إجتماع مرتقب معهم بهذا الشأن في الشهر المقبل، quot;للتحلي بالحيطة والحذر في تسليم تأشيرات قصيرة الأمدquot;، موضحاً أنه quot;لا يجب أن يكون هذا النوع من التأشيرات جوازات سفر لهجرة غير قانونيةquot;.
شروط وترت العلاقات بين البلدين
تشترط القنصليات الفرنسية في الجزائر على رجال الأعمال والتجار من طالبي التأشيرة لدخول فرنسا، تبعاً للإجراءات الجديدة، الإلتزام بعدم التقدم بطلبات للحصول على الإقامة الدائمة بإحدى الدوائر الفرنسية، وتصريح على الشرف بعدم الإستفادة من quot;خدمات الضمان الإجتماعي خلال تواجدهم في فرنساquot;.
في مقابل ذلك تشرح الدوائر الرسمية الفرنسية أن هذا الإجراء الجديد quot;يعفي التجار من تقديم شهادة سكن أو إثبات حيازة أموال بالعملة الصعبةquot;، كما أوضح الناطق الرسمي للخارجية الفرنسية أن quot;إعتمادها هو من أجل التقليل من معاناة هؤلاء المتعاملين والتي ستكون حتما في صالحهمquot;، على حد قوله.
وعلق بريس أورتفو على الإنتقادات التي تلقاها قراره هذا بالقول: إن فرنسا من حقها أن تستقبل من تريد على أراضيهاquot;، مؤكداً أن quot;الهجرة غير الشرعية يجب أن تنخفض وستنخفضquot;.
رد جزائري خجول
تريثت الجزائر في بادئ الأمر، في إصدار موقف واضح من القرار، عبر كاتب الدولة المكلف بالجالية الجزائرية حليم بن عطا الله، مكتفية بالحديث عن كونها quot;لم تخبر و لم تستشر بشأنهquot;.
وقال مصدر في الخارجية الجزائرية، وقتها، لصحف محلية أن القرار quot;تشكيك في النوايا الحسنة لدى رجال الأعمال الجزائريينquot;، مذكراً بإتفاقية 68 التي تجمع بين البلدين والتي تنص على quot;حرية تنقل الأشخاص تجاه فرنسا من خلال تخصيص إمتيازات للجزائريينquot;.
فيما إعتبرت كونفدرالية الصناعيين والمنتجين الجزائريين هذه الإجراءات quot;مسّا بالسيادة الوطنية وكرامة المتعاملين الإقتصاديين الجزائريينquot;، على حد قولها، معبرة في الوقت نفسه عن quot;إستغرابها من إقتصار هذا الإجراء الجديد على رجال الأعمال الجزائريين دون غيرهم من نظرائهم المغاربيينquot;.
وإستعمل حزب النهضة الإسلامي، التنظيم الوحيد الذي سمع صوته في أعقاب هذا الإجراءات القنصلية، لهجة حربية في الرد على القرار الفرنسي، وذلك بدعوته السلطات الجزائرية إلى الرد على نظيرتها الفرنسية بالمثل، متهماً الأولى أنها quot;عادت من جديد لتخرق الأعراف الدبلوماسيةquot;.

الحكومة الجزائرية تشدد اللهجة

غيرت الحكومة الجزائرية من نبرتها تجاه هذه الإجراءات بعد أيام من ذلك، أيضاً على لسان الوزير حليم عطا الله، الذي اعتبرها quot;تمييزيةquot;، مضيفاً أن هكذا إجراءات quot;ستخلق عراقيل جديدة وصعوبات في حركة الأعمالquot;.
وأكد الوزير أن هذه الإجراءات ستدمج في المفاوضات بين باريس والجزائر حول قانون 68، الذي يخص هجرة الجزائريين نحو فرنسا، كما أوضح، بنوع من المرارة، أن تدابير من هذا القبيل quot;مست في العمق رجال الأعمال وكرامة مجموع الجزائريينquot;.
من جانبهم، أعرب ممثلو هيئات رجال الأعمال والتجار عن تذمرهم من هذه الإجراءات، حيث اعتبرها محمد سعيد نايت عبد العزيز رئيس الكونفدرالية الوطنية للباطرونا الجزائرية أنها quot;غير مقبولة ولا جدوى منهاquot;، كما أشار إلى أنه quot;سيثيرها مع الشركاء الفرنسيين للضغط على المسؤولين السياسيين في باريسquot;.
كما وصفها حبيب يوسفي رئيس الكونفدرالية العامة للمقاولات الجزائرية quot;بالخطيرةquot;، والتي من شأنها أن quot;تؤثر على العلاقات الإقتصادية بين الجزائر وباريسquot;.

تقرير quot;لاسيمادquot; الأسود للتأشيرات
كانت جمعية التضامن النشيط مع المهاجرين quot;لاسيمادquot; أعدت تقريراً، قبل مدة كشفت فيه عن أرقام ضخمة سواء من حيث عدد طلبات التأشيرة التي تقدم إلى القنصليات الفرنسية في الجزائر، أو عدد تلك المرفوضة منها، ثم ما تجنيه الدبلوماسية الفرنسية من أموال مقابل كل ذلك.
وقال التقرير، الذي أنجز سنة 2009، إن 10 بالمئة من طلبات التأشيرة إلى فرنسا، تقدم في الجزائر، إلا أن الجزائر تحتل المرتبة الأولى في الطلبات المرفوضة بـ 35 بالمئة.
ومنحت القنصليات الفرنسية في الجزائر السنة الماضية ما يزيد عن 125 ألف تأشيرة، بحسب ما نشر من أرقام بهذا الخصوص.
وكان هذا التقرير يتناول بلدان الجزائر والسنغال ومالي وتركيا وأوكرانيا والمغرب.
كما أوضحت مصادر أن القنصليات تحصل على 60 يورو مقابل الطلب الواحد، وتحصل بذلك مقابل الملفات المرفوضة من أصل 200 ألف طلب، أربعة ملايين يورو، دون أن يتلقى أصحابها أي رد.
ومن المقرر، حسب وزير الهجرة السابق إريك بسون، أن تقوم القنصليات الفرنسية ابتداء من شهر مارس المقبل بتبرير أي رفض لطلب تأشيرة، ما قد يمكن صاحبها من العودة إلى المؤسسات المختصة لمراجعته.

الإجراءات القنصلية ليست تمييزية
قال الباحث عبد الرحيم مزهر لـquot;إيلافquot; إنه quot;كان على باريس إشعار الجزائر عبر قنواتها الدبلوماسية قبل إطلاقها لهذه الإجراءاتquot;، إلا أنه أوضح أنه quot;ليس هناك مسطرة معينة تلزم فرنسا بذلكquot;، وإنما يدخل هذا الأمر في إطار ما أسماه quot;بالمجاملات البروتوكوليةquot;.
ويفسر مزهر هذه الإجراءات الجديدة في منح التأشيرة لرجال الأعمال من وجهة قانونية بقوله: إن quot;فرنسا دولة سيادية وممثلياتها الدبلوماسية والقنصلية تشكل إمتداداً لهذه السيادةquot;، ويضيف مفسراً أن quot;هذه الأماكن، أي القنصليات والسفارات الفرنسية، يطبق فيها القانون الفرنسي، وفرنسا في حقيقة الأمر لم تطبق إلا قوانينها في هذا المجالquot;.
كما أوضح مزهر أن quot;هذه الإجراءات التي إنتقدتها الجزائر، تطبق اليوم في المغرب وتونس وموريتانيا وليبيا. فحتى يحصل رجل أعمال على التأشيرة الفرنسية في هذه البلدان يجب عليه أن يقدم جميع الضمانات الممكنة المصرفية والمهنية والضريبية وغيرهاquot;.
ونفى مزهر أن تكون هذه الإجراءات بحق رجال الأعمال الجزائريين quot;تمييزيةquot;، كما رددت العديد من الأوساط الجزائرية إنما ظلوا، بحسب رأيه، في وضعية quot;تفضيلية مقارنة مع زملائهم المغاربيين منذ اتفاقيات 1968 حتى 29 ديسمبر من العام الماضيquot;، تاريخ إقرار هذه الإجراءات القنصلية.
وخلص مزهر إلى quot;أن سياسة فرنسا في التأشيرات جردت من كل إنسانية ومن كل هم للمحافظة على الكرامة الإنسانيةquot;، على حد تفسيره، كما اعتبر هذه السياسة quot;معاكسة لإتفاقيات برشلونة التي سعت لأن تجعل من الفضاء الأورومتوسطي فضاء للسلام وللحرية وللاستقرار والازدهار المشتركquot;.