يرى الباحث الفرنسيّ ماتيو كيدر وهو أحد المختصين في قضايا الإرهاب في إفادات لـ(إيلاف) أنّ باريس غيرت إستراتيجيتها في مواجهة تنظيم القاعدة وأصبحت ترفض الدخول في مفاوضات مع الإرهابيين وانتقلت إلى حرب شاملة و حقيقية ضده.


رهائن فرنسيون وقعوا سابقا في قبضة القاعدة وكان مصيرهم الإعدام

باريس: بعد وفاة فرنسيين في مالي اختطفا في النيجر على إثر تدخل كومندو فرنسي، وما أفرزته هذه الوفاة حتى الآن من جدل في الأوساط الفرنسية حول طريقة وفاتهما، نزل خبر مع آخر يوم في الأسبوع الماضي لا يطمئن دوائر الحكم في فرنسا بشأن إمكانية إنقاذ المختطفين الفرنسيين الخمسة وشخصين كانا برفقتهم، يحمل الأول جنسية مدغشقر والثاني الجنسيّة الطوغوليّة.

مفاد الخبر بحسب وسائل الإعلام الفرنسية أنّ القاعدة في المغرب الإسلامي قامت بتوزيع المختطفين على أماكن مختلفة في صحراء مالي.

فهذا التنظيم الإرهابي الذي يحمل نواة جزائرية ممثلة في جماعة الدعوة والقتال قبل أن تعلن على لسان زعيمها عبد المالك درودكال الالتحاق بالقاعدة والتحرك باسمها بالمنطقة، يعي جيدا أنه في حرب حقيقية مع باريس التي ما انفكت منذ مدة تلح على مطاردة هذه الجماعة الإرهابية التي يقدر عدد أفرادها بـ 300 مائة شخص.

وسبق للصحافي المعروف جورج مالبرينو في زاويته على موقع جريدة لوفيغارو أن أشار إلى معلومة في غاية الأهمية تكشف عن تاريخ انطلاق استهداف فرنسا ومصالحها الخارجية من طرف القاعدة.

وتفيد هذه المعلومة أن القاعدة ناقشت سنة 2000 مطولا إن كانت تضع فرنسا على قائمة البلدان التي يشملها تهديدها أم لا، وخلصت إلى نتيجة بعدم استهدافها.

و يربط ملاحظون هذا العداء الذي أعلنته القاعدة قبل سنوات ضد فرنسا، بعدم تهاون الأخيرة في وقف زحف الإرهاب في العالم، وانصهار الإستراتيجية الفرنسية بهذا الخصوص مع وصول ساركوزي إلى الإليزيه في بوتقة نظيرتها الأمريكية، زيادة على التجربة المريرة لباريس مع الجماعة الإسلامية المسلحة quot;جيياquot;، التي تركت ندوبا غائرة في نفوس الفرنسيين عند مهاجمتها لميترو الأنفاق في سنوات التسعينات.

ولم يستغرب المراقبون للتهديدات الأخيرة لابن لادن بحق فرنسا ودعوته لها إلى سحب جيوشها من أفغانستان، مقابل إطلاق الرهائن الفرنسيين سواء في الصحراء أو الصحافيين الفرنسيين الذي تم اختطافهما في أفغانستان من طرف طالبان عندما كانا يؤديان مهمتهما في هذا البلد، واتضح بجلاء أن القاعدة quot;تقاتلquot; اليوم إعلاميا أكثر منه ميدانيا لإثبات وجودها.

باريس تغير استراتيجيها تجاه الإرهاب

الباحث الفرنسيّ ماتيو كيدر متخصّص في قضايا الارهاب

وجدت فرنسا نفسها في مواجهة صعبة أمام القاعدة نظرا لعدم وجود عدو قائم الذات نلمس قوته على الساحة عند وجودها وجها لوجه معه، وإنما هي في حرب شبيهة بحرب العصابات، أوقع مصالحها الكثيرة في الساحل والصحراء في تهديد مستمر من طرف هذه المنظمة الإرهابية.

ويرى الملاحظون أن حرب فرنسا ضد الإرهاب أصبحت ساحتها الحقيقية في منطقة الساحل و الصحراء، لأنه ليس بالسهل على القاعدة نقل هذه الحرب كما تصورت في الكثير من المناسبات إلى داخل فرنسا، بحسب تهديدات بن لادن نفسه أو عبد المالك درودكال قائد القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي التي تستغل الوجود الفرنسي المكثف بالمنطقة لتوظيفه لصالحها في هذه الحرب.

وبحسب المختصّ في قضايا الإرهاب ماتيو كيدر الذي تحدّث إلى (إيلاف) توجّب على فرنسا أن تغير إستراتيجيتها في حربها ضد القاعدة بالمغرب الإسلامي، إذ لا يمكن بحسب كيدر أن تتفاوض الحكومة الفرنسية عن كل فرنسي يتم اختطافه ولربما ظلت هذه المنظمة الإرهابية تستغل هذا المنطق في التعامل مع الأشياء لمزيد من ابتزاز السلطات الفرنسية.

و مقابل هذه الرؤية الفرنسية في التعاطي مع الإرهاب، قال ماتيو كيدر صاحب كتاب quot;الإرهابيون الجددquot;، إن باريس quot;حثت مواطنيها على الالتزام بالحيطة والحذر عند زيارتها للمناطق الساخنة،بل دعتهم في مناسبات إلى تجنب زيارتهاquot;، لأنها أصبحت ترفض السقوط في فخ الإرهابيين بالتفاوض المباشر معهم، مفضلة تسخير طاقتها في حرب شاملة ضد الإرهاب هذه المرة.

ولم يعد في صالح فرنسا أن تقبل بالخضوع لابتزاز الإرهابيين أو حتى محاولة ربط قنوات الاتصال معهم، وما يوضح أكثر ذلك، هو العمليتان اللتان شنتهما القوات الفرنسية بموريتانيا لإنقاذ جيرمانو الذي كان حضوره في المنطقة في نطاق عمل إنساني إلا أنّ الإرهابيين كان لهم رأي آخر وتم قتله بدم بارد، ثم العملية الفاشلة التي حاول كومندو فرنسي من خلالها فك أسر رهينتين فرنسيتين اختطفا في النيجر أخيرا.

و يؤكد ماتيو كيدر أن هناك توجها جديدا للحكومة الفرنسية في التعاطي مع القضايا الإرهابية، عندما يتعلق الأمر بأحد مواطنيها، وبالتالي تقر من خلال هذه العمليات أنها أصبحت تؤمن بلغة السلاح والمواجهة في حل مثل هذه المعضلات، وإن كانت تتكتم على هذه العمليات في البدء لضمان نجاحها إلا أنها تكشف تفاصيلها للرأي العام الفرنسي بمجرد الإفراغ منها، حتى لو كانت لها نتائج سلبية، كما حصل في العمليتين المذكورتين.

المهمة الصعبة

يقر الملاحظون بصعوبة مطاردة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بالصحراء والساحل، أولا لشساعة المنطقة، ثم لسرعة تحرك هذه الجماعة الإرهابية على طولها وعرضها لتوفرها على آليات عصرية وللتفاهمات التي عقدتها مع مهربي المخدرات والسجائر وكذا مهربي البشر كنوع من quot;التعاون التجاريquot; يقضي بتبادل المصالح بين هذه الأطراف.

ولا يستبعد أن تعتمد هذه الجماعة على مهربين للتزود بضروريات الحياة و توفير العتاد اللوجستيي من سيارات رباعية الدفع تساعدها كثيرا في تنقلاتها على رمال الصحراء، زيادة على احتجاز الرهائن، وهو ما حدث في وقت سابق بحسب بعض المراقبين لمجموعة سعودية كانت في رحلة صيد، وحاول مهربون الاقتراب منها لاحتجاز عناصرها فدخلت معهم في معركة دامية أسفرت عن عدد من القتلى.

ولا يرى الخبير في الإرهاب ماتيو كيدر أن يكون للعداء الموجود بين الجزائر والمغرب تأثير على نتائج محاربة الإرهاب بالمنطقة، سيما أن الجزائر حاولت الاستفراد بهذا الملف معتبرة أن هذا الأمر لا يعني الرباط في شيء، واستدعت وزراء حكومات دول موريتانيا، تشاد، النيجر، مالي وليبيا، مستثنية المغرب وتونس، وهو ما انتقده المغرب حينها بشدة.

وقال كيدر إنه quot;من المستحسن أن يكون هناك تعاون بين البلدين، إلا أنه ليس بالضروري، خصوصا و أن الأجواء بين الطرفين تشوبها العديد من المشاكل الأخرى، لأن هذا الإرهاب لا يستهدف البلدين في الوقت الحالي، وإنما يتوجه بالدرجة الأولى لمنطقة الساحل وفي المقابل على بلدان هذه المنطقة أن تتعاون فيما بينهاquot;.

و يختم كيدر قائلا: quot;إن كانت القاعدة تستغل اليوم بهده المنطقة الضعف الاقتصادي والعسكري لهذه الدول، لتنشط بالشكل الذي تريد فإنني لا أعتقد أن العامل الاقتصادي مهم جدا عند الحديث عن الإرهاب لأن هناك بلدان غنية يوجد فيها إرهاب، بل الأرجح أنّ مسبباته السياسية والأيدلوجية هي غياب الحريات وتكوين بيداغوجي وتربوي في مستوى تحديات العصرquot;.