خلق مرسوم وزاري فرنسيّ قلقا في أوساط الطلبة الأجانب ومعهم مسئولي المعاهد العليا، كونه يحرم الطلاب الاجانب من فرص الشغل في فرنسا.


باريس: أثار مرسوم لوزير الداخلية الفرنسي كلود كيون الكثير من الجدل في الأوساط الفاعلة في قطاع الطلبة الأجانب أو القريبة منه، بعد أن وجه من خلاله الشرطي الأول في فرنسا تعليماته إلى محافظي جميع المناطق الفرنسية للحد من الهجرة المهنية التي تهم هذه الشريحة.

وقلصت بذلك هذه التوجيهات من تمنيات هؤلاء في الاستقرار بفرنسا والعمل الدائم لفائدة إحدى مؤسساتها، إذ وجد أولئك الذين سبق لهم أن حصلوا على تعهدات للعمل، وفقا لعقود شغل، أنفسهم غير مرغوب فيهم في مكاتب المؤسسات التي يعملون لحسابها.

وكانت إحدى الشركات بجنوب فرنسا قامت بتوقيف مهندس لبناني، حديث التخرج، عن العمل لكون محافظة المنطقة رفضت الترخيص له بولوج سوق الشغل، معللة هذا القرار بوجود أزيد من خمسين مهندسا فرنسيا بالمنطقة نفسها، لهم نفس الاختصاص وهم في حالة عطالة.

وقالت سارة البالغة من العمر 25 سنة، وهي تونسية الجنسية وحاصلة على الماستير2 تخصص دراسة السوق إنها quot;حصلت على عمل في مكتب للافتحاص لكن الإدارة الفرنسية لم تقبل بتمكينها من رخصة العملquot;.

و بررت الإدارة الفرنسية هذا الإجراء بكونه يندرج في سياق قوانين الهجرة المتخذة حكوميا بهذا الخصوص والتي تتوخى إعطاء الأولوية لخريجي هذه المؤسسات من الفرنسيين، وهو ما علق عليه ملاحظون بكونه يندرج ضمن تفعيل ما يعرف بسياسة quot;الأفضلية الوطنيةquot;، وهي من السياسات التي ظل يلوح بها اليمين المتطرف لسنوات.

رغم الإقبال الذي تلاقيه هذه الفئة من خريجي المدارس العليا والجامعات من طرف أكبر المقاولات الفرنسية، فالقوانين الجديدة للهجرة أصبح لها رأي آخر، وهي تنحو بذلك منحى المزيد من التشدّد تجاه الهجرة المهنية، والتي سبق أن توعد بها وزير الداخلية الحالي.

رؤساء المعاهد قلقون

لقي هذا القرار الوزاري من وزير، يعتبر أحد أوفياء الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، اعتراضا شديدا من لدن رؤساء المعاهد والجامعات والذين يتخوفون على مستقبل شراكاتهم مع حكومات أجنبية كل في مجال تخصصه، لما سيلحق من أضرار بجاذبية هذه المدارس والجامعات للطلبة الأجانب.

حاول وزير التعليم العالي لورون ووكيي أن يطمئن الأوساط المعنية بهذا الملف، متعهدا بتبني مقاربة تراعي مطالب رؤساء هذه المعاهد والجامعات، كما عبر في الوقت نفسه عن حاجة فرنسا إلى المزيد من الكفاءات خصوصا المهندسين.

وقال الوزير الفرنسي بهذا الشأن quot;يجب رفع كل غموض...فرنسا تتمنى جذب الطلبة الأجانب ومواهب العالمquot;.

وذكر بالأرقام عدد الطلبة الأجانب الذين ولجوا سوق العمل والمقدر عددهم ب 5600 طالب بين شهري يناير وسبتمبر من السنة الجارية، فيما لم يتجاوز عددهم في السنة الماضية 4200.

حمل وزير التعليم العالي إلى هذه الفئة البعض من الآمال في الوصول إلى حلول بالتعاون مع زميليه المعنين بهذا الملف وهما وزيري الداخلية والشغل، مع توضيحه لمسألة تعذر سحب المرسوم الذي اعتبره موظف سامي تذكيرا بالقانون ليس إلا.

كما أحدث هذا الموضوع ضجيجا دبلوماسيا، فرض على الخارجية الفرنسية الدخول على الخط، لشرح مقتضيات القرار و طمأنة شركاء باريس في التعليم والتكوين على مستقبل هذه الشراكة التي تجمع فرنسا بباقي الأطراف.

الحلول الممكنة

و بحسب صحيفة لوفيغارو من المنتظر أن يصدر قرار جديد، موقع من طرف الوزارات المعنية، (الداخلية،الشغل والتعليم العالي) سيسمح بموجبه النظر في الملفات المقدمة من طرف خريجي المعاهد العليا و الجامعات حالة بحالة.

و ذكرت صحيفة quot;لا تربينquot; أنه تم عرض أكثر من مائة ملف لهؤلاء الخريجين، سبق أن ووجهت جميعها بالرفض على وزير الداخلية ،فيما تتحدث معطيات أخرى عن كون عدد الملفات المرفوضة أكبر من ذلك بكثير و يتزايد بشكل يومي، كما تم النظر في أكثر من ثلاثين ملفا تبعا لطريقة quot;حالة بحالةquot;.

و من جهة أخرى، تفيد الأرقام أن هناك ارتياحا كبيرا لدى الطلبة الأجانب بمتابعتهم لدراستهم في فرنسا، حيث عبر تسعة طلبة من أصل عشرة عن ذلك في استطلاع للرأي، بل يقولون إنهم ينصحون طلبة بلدانهم للتوجه إليها لاستكمال تعليمهم العالي.

ويختار الطلبة الأجانب متابعة دراستهم العليا في فرنسا، بحسب سبر للآراء في أوساطهم، نظرا لمجموعة من العوامل، من أبرزها جودة التعليم، السمعة الدولية للدبلومات الفرنسية، إضافة إلى كون هؤلاء يتحدثون اللغة الفرنسية و70 بالمئة منهم لهم رغبة في البقاء بفرنسا لأجل العمل.
الشيء الوحيد الذي لا يروق طالبي العلم والمعرفة من الأجانب بفرنسا، يفيد استطلاع الرأي ذاته، هو غلاء المعيشة وصعوبة الحصول على سكن، حيث يضطر العديد منهم quot;للتساكنquot; في بيت واحد، يتقاسمون تحت سقفه مصاريف العيش وحياة الغربة.

وقبل ما يزيد عن السنتين، تراجعت فرنسا إلى المرتبة الرابعة في استقبال الطلبة الأجانب على أراضيها، والذين يشكلون 12 بالمائة من مجموع طلابها، لحساب أستراليا، بينما يعود الصف الأول للولايات المتحدة، و الثاني لبريطانيا.