يغلب طابع الغموض على محاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك في الفترة الأخيرة حيث تفاجأ الجميع ببطء وتيرة المحكمة في إصدار الحكم بعد أن كانت تسير وتتقدّم بشكل سريع، الأمر الذي أثار القلق والريبة في نفوس المصريين.

الرئيس المصري السابق حسني مبارك

القاهرة: كانت محاكمة الرئيس مبارك التي بدأت في 3 أغسطس الماضي تسير بوتيرة متسارعة، حسبما طلب المصريون في تظاهراتهم المختلفة، ولكن فجأة وبعد إدلاء المشير حسين طنطاوي بشهادته في القضية بتاريخ 24 سبتمبر الماضي، تقدم أحد المحامين بدعوى لرد هيئة المحكمة، لتسير الإجراءات في تباطؤ شديد، لاسيما بعد ظهور مفاجأة جديدة، هي تنحي هيئة المحكمة التي تنظر دعوى الرد، الأمر الذي غيّر مسار القضية، إلا أن المستشار عبد المعز إبراهيم رئيس محكمة استئناف القاهرة، قرر اختيار هيئة جديدة، ومن المقرر نظر الدعوى غداً الخميس 3 نوفمبر.

يرى دفاع ضحايا الثورة أن هناك قلقا وعلامات استفهام كبيرة حول التباطؤ في محاكمة مبارك، فيما يفضل آخرون منهم الإستمرار على تلك الوتيرة، حتى يتم الفصل فيها بعد انتهاء الإنتخابات البرلمانية، وعودة الأمن والإستقرار للبلاد، خشية أن يستغلها أنصاره في إشعال البلاد، في حالة الحكم بإدانته.

قلق وعلامات استفهام

ووفقاً لأسعد هيكل محامي الضحايا، فإن تنحي هيئة المحكمة التي تنظر قضية ردّ هيئة محكمة مبارك، والإسراع في تحديد دائرة أخرى، وتحديد موعد للجلسة غداً الخميس 3 نوفمبر، تثير الكثير من القلق وعلامات الإستفهام.

وقال هيكل لـ quot;إيلافquot; إن مبعث القلق ينبع من أن هيئة المحكمة في قضية الرد، كانت قد حددت جلسة بعيدة لنظرها بتاريخ 24 ديسمبر المقبل، وهو أجل طويل جداً في مثل تلك القضايا، ولكن فجأة ومن دون سابق إنذار تنحّت المحكمة عن نظر القضية، وفجأة أيضاً وبعد أقل من يوم لتنحي المحكمة، حدّد رئيس محكمة استئناف القاهرة دائرة جديدة لنظر القضية، وموعدا جديدا لنظرها في 3 نوفمبر أي غداً. كل هذا يحدث في ظل إصرار من قبل المستشار أحمد رفعت رئيس محكمة مبارك على الإستمرار في نظر القضية. وأوضح هيكل أن كل هذه الشواهد لها دلالات خطيرة لدى الدفاع عن المدعين بالحق المدني، وهي أن هناك quot;طبخةquot; ما يتم الإعداد لها في الخفاء بشأن محاكمة الرئيس السابق ونجليه ووزير داخليته حبيب العادلي وقيادات الوزارة السابقين الست. واستطرد: ما هي هذه الطبخة؟ لا أحد يعلم حتى الآن.

ورغم أن هيكل يرى أن كافة المعطيات لإصدار حكم بقبول دعوى رد هيئة محكمة مبارك، إلا أنه يتشكك في إمكانية حدوث ذلك على أرض الواقع، يدلل على صحة كلامه بالقول إن عدم تنحي المستشار أحمد رفعت عن نظر القضية حتى الآن، يؤشر على أن الحكم سيكون لصالحه، وسوف يستمر في نظر القضية حتى يحال على التقاعد أو يصدر حكم فيها أيهما أقرب.

دفاع الضحايا ليس سبب التباطؤ

ورداً على الإتهامات الموجهة لهيئة الدفاع عن المدعين بالحق المدني بالتسبب في تباطؤ سير القضية، بعد رفع دعوى رد رئيس المحكمة، قال هيكل إن هذه الإتهامات ليس لها أساس من الصحة، لأن تفاصيل المحاكمة كانت تبث على الهواء مباشرة، وظهر واضحاً أن القاضي أحمد رفعت لم يكن موضوعياً في التعامل مع دفاع المصابين وأهالي الضحايا، مشيراً إلى أنه لم يمنحهم الفرصة للحديث أو تقديم الدفوع الخاصة بهم، وكان يقاطعهم أثناء إلقاء كلماتهم، رغم أنهم يمثلون نحو 8 آلاف من الضحايا أو المصابين، ولفت هيكل إلى أن الجلسة الأخيرة التي أدلى خلالها المشير حسين طنطاوي بشهادته، شهدت وقائع مؤسفة، حيث منع القاضي رفعت دفاع أهالي الضحايا من طرح أسئلتهم على الشاهد المشير طنطاوي، وبالتالي كل هذه الشواهد كانت تستلزم إقامة دعوى لطلب تنحيه عن القضية.

المحاكمة لا تسير بشكل طبيعي

يشترك حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان مع هيكل في مشاعر القلق حول مسار القضية، وقال لquot;إيلافquot;: بالطبع هناك الكثير من مشاعر القلق تنتاب المصابين وأهالي الضحايا والناشطين الحقوقيين بشأن التباطؤ في محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك، مشيراً إلى أن أخطر دلالة على أن المحاكمة لا تسير بشكل طبيعي هي حفظ النيابة التحقيقات في قضية مقتل اللواء حمدي البطران مدير سجن الفيوم الذي لقي مصرعه أثناء جمعة الغضب 28 يناير الماضي، خلال عمليات فتح السجون وتهريب السجناء الجنائيين لإثارة الخوف والرعب في قلوب المصريين، وأضاف أبو سعدة أن حفظ القضية يشير إلى أن هناك سعيا حثيثا لطمس أدلة الإدانة في القضية الكبرى، ألا وهي قضية مبارك ونجليه ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي ومساعديه الستة.

ودعا أبو سعدة محامي المصابين وأهالي القتلى إلى اليقظة الجيدة، وأخذ كافة الإحتياطات والحذر من ألاعيب دفاع المتهمين، حتى لا تختطف القضية، ويتم تفريغها من مضمونها. وطمس الأدلة والبراهين.

لا داعي للقلق

وبالمقابل، يرى حسن أبو العينين محامي 146 من المصابين وأهالي الضحايا أن القضية تسير بشكل طبيعي، وليس هناك ما يبعث على القلق، وقال لquot;إيلافquot; إنها قضية كبرى، بل تعتبر أكبر قضية في تاريخ مصر، ولا يمكن سلقها في عدة جلسات كما يتوهم البعض، مشيراً إلى أن بعض محامي الضحايا هم السبب في تعطيل الجلسات أو التباطؤ من خلال طرح طلبات غير واضحة، وإصرار كل واحد على تلاوة عريضة المطالب كلها، حتى ولو استغرق الأمر جلسة كاملة، رغم أن تلك المطالب قد يكون قدمها محام آخر.

وانتقد أبو العينين إقامة أحد محامي الضحايا دعوى رد هيئة المحكمة، معتبراً أن المحامين سجلوا إعتراضهم على طريقة إدارة الجلسة التي أدلى فيها المشير طنطاوي بشهادته، وهذا إجراء قانوني كاف، ولم يكن الأمر يستدعي رد القاضي أحمد رفعت وتعطيل سير القضية لأشهر.

طلب رد رفعت غير قانوني

وتوقع أبو العينين رفض طلب رد المحكمة، وقال إن الدعوى أقيمت على أسس غير قانونية، منوهاً بأن طلب الرد له مبررات قانونية ليس من بينها ما قدمه المحامون، ويوضح أن أهم تلك الأسس: وجود صلة قرابة بين القاضي وأحد المهتمين من الدرجة الأولى حتى الدرجة الثالثة، أو أن يكون عمل في السابق لدى أحد المتهمين، أو يكون أحد أقاربه من الدرجة الأولى حتى الثالثة عمل مع أحد المتهمين.

وحول ما يقال عن تعيين الرئيس السابق لشقيق القاضي أحمد رفعت في إحدى المؤسسات العامة، وتعيينه رفعت نفسه، أوضح أبو العينين أن هذا الكلام لا يجوز الأخذ به، مشيراً إلى أن مبارك كانت لديه صلاحيات لتعيين قيادات كافة مؤسسات الدولة وأعضاء النيابة العامة وضباط الشرطة بحكم أنه كان يشغل منصب رئيس الجمهورية.

ودعا أبو العينين إلى ضرورة التمهل وعدم الضغط على القضاء في تلك القضية، حتى تحصل على حقها كاملاً في التقاضي، وتخرج بشكل يليق بالثورة المصرية الحضارية.

إحتمالان لا ثالث لهما
وحسب أبو العينين فإن هناك إحتمالين لا ثالث لهما في مسار القضية: الأول قبول الدعوى، والحكم برد هيئة محاكمة مبارك، والعودة بالقضية إلى نقطة الصفر مرة أخرى. الثاني: رفض طلب الرد، واستمرار المحكمة بكامل هيئتها في نظر القضية، والبدء من حيث انتهت في آخر جلسة.