يقول مصطفى اللباد رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية في حوار مع (إيلاف) إنّ السياسة السعودية الخارجية أو الداخلية لن تشهد تغيرات مفصلية بعد تولي الأمير نايف بن عبد العزيز ولاية العهد، مؤكدا أن على الرياض الحرص على أن تكون مصر قوية، لأنهما معاً يشكلان رقماً عربياً فاعلاً.


الدكتور مصطفى اللباد رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية

القاهرة: التقت إيلاف الدكتور مصطفى اللباد رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية، والخبير في مجال العلاقات الإقليمية ليقدم رؤيته للعلاقات بين دول المنطقة في تلك المرحلة الدقيقة من تاريخها.

وتوقع اللباد أن السياسة السعودية الخارجية أو الداخلية لن تشهد تغيرات مفصلية بعد تولي الأمير نايف بن عبد العزيز ولاية العهد خلفاً للأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز.

وأشار إلى أن ما يقال عن محاولات الرياض إجهاض الثورة المصرية كلام ذائع ولكنه غير دقيق بالضرورة، مؤكداً أن السعودية ينبغي أن تحرص على أن تكون مصر دولة قوية، لأنهما معاً يشكلان رقماً عربياً فاعلاً في المعادلة السياسية والإستراتيجية إقليمياً ودولياً.

ولفت اللباد إلى أن التحالف المصري- التركي الناشئ وضع إسرائيل في حالة عزلة حقيقية لأول مرة في تاريخها، مشيراً إلى أنه سوف يضع حداً لمحاولاتها للهيمنة على المنطقة، سلمياً ومن دون الدخول في مواجهات عسكرية.

وفي ما يلي نصّ الحوار كاملا:

كيف ترى السياسة السعودية في المرحلة المقبلة في ظل تولي الأمير نايف بن عبد العزيز ولاية العهد، لاسيما أنه معروف بأنه من الصقور في العائلة المالكة؟

السعودية دولة كبيرة ولها تأثير واضح في محيطها العربي والإسلامي، وقد مرت باختبار اختيار ولي عهد جديد بدلاً من ولي عهد راحل في فترة ولايته للعهد، للمرة الأولى في تاريخها بنجاح.

جاء الاختيار عن طريق quot;هيئة البيعةquot; التي جاء إنشاؤها بمثابة نقلة نوعية في عملية إدارة الحكم في المملكة، وأعتقد أن شخصية ولي العهد ستكون مؤثرة في رسم السياسة السعودية، وإن كنت أتوقع أنها لن تخرج عن السياسة العامة للدولة سواء على المستوى الخارجي أو الداخلي، وأرجح أن يتم الحفاظ على الإجراءات الإصلاحية التي أتخذها الملك عبد الله بن عبد العزيز في السنوات الأخيرة.

وأعود للقول إن شخصية ولي العهد مع محورية دوره، لن تشكل إنقلاباً في السياسة السعودية الخارجية في ما يخص تحالفاتها الخارجية الدولية أو الإقليمية.

ربما يحدث بعض التغيير في الخطاب السياسي أو الإعلامي، لكن لن يحدث تغيير جوهري في الركائز الثابتة للسعودية.

في الشأن السعودي أيضاً، اهتمت وسائل الإعلام طوال الأسابيع الماضية بخبر القبض على خلية إيرانية كانت تخطط لاغتيال السفير السعودي في أميركا ومحاولات أخرى لتسميم السفير السعودي في القاهرة، كيف تنظر إلى تلك الأنباء وتأثيرها على العلاقات الإيرانية السعودية؟

لا أستطيع تأكيد صحة أو خطأ تلك الأنباء، فما زالت التحقيقات جارية، إيران تنفي والسعودية والولايات المتحدة الأميركية تؤكدان، لكن ما يحتاج إلى تحليل ليست هذه الأنباء في حد ذاتها، ولكن ما يحدث من اختلال في موازين القوى في المنطقة لصالح إيران. لاسيما مع قرب انسحاب القوات الأميركية من العراق قبل نهاية العام الجاري، حيث سوف يختل التوازن أكثر، وستتمدد إيران أكثر وأكثر في العراق، وقد حذر الرئيس الأميركي باراك أوباما من محاولة إيران فرض السيطرة على العراق بعد الانسحاب.

وكل هذا يهدد التوازن في المنطقة من المنظور العربي الخليجي. هناك توتر قائم بين السعودية وإيران، حتى قبل الإعلان عن نبأ محاولة اغتيال السفير السعودي في أميركا، بسبب اختلال التوازن، وطموحات إيران الإقليمية.

وتأتي أنباء محاولة الاغتيال لتصب المزيد من الزيت على النار، وتسلط الأضواء على الإختلال القائم في المنطقة.

وماذا يفيد السعودية أو أميركا الإعلان عن نبأ محاولة الإغتيال الآن؟

توقيت الإعلان عن النبأ له مدلولات خطيرة، لاسيما أنه عندما قررت أميركا غزو أفغانستان سبقتها أحداث 11 سبتمبر، ولا يمكن قراءة الإعلان عن النبأ بمعزل عن تحذيرات الرئيس الأميركي لإيران من التمدد في المنطقة بعد الإنسحاب من العراق، ولايمكن قراءته بعيداً عن الأنباء التي تتحدث عن دعم إيراني لنظام بشار الأسد لقمع الإحتجاجات المشتعلة ضده، لاسيما أن هناك غضبا سعوديا وأميركيا من الإفراط في قمع تلك الإحتجاجات الشعبية السلمية، ولا يمكن قراءة تلك الأنباء بمعزل عن الغضب الخليجي من دعم إيران للإحتجاجات التي انطلقت في البحرين في أعقاب انتصار الثورة المصرية وإزاحة نظام حكم الرئيس السابق مبارك، وأعتقد أن محاولة الاغتيال - لو صحت- لن تمر مرور الكرام، وسوف تكون هناك سلسلة من الإجراءات الأميركية السعودية التصعيدية ضد إيران، بمباركة من المجتمع الدولي ممثلاً في الأمم المتحدة.

من حين لآخر، يطلق بعض النشطاء إتهامات للسعودية بمحاولة إجهاض الثورة المصرية، في إعتقادك ما مدى صحة تلك الأقاويل؟

هذه الاتهامات ذائعة، ولكن لا توجد أدلة ملموسة عليها، بل تدخل في إطار الصراع بين القوى السياسية المختلفة في مصر، فالإسلاميون يتهمون الليبراليين بالحصول على تمويلات من أميركا وأوروبا ويرد الليبراليون باتهام الإسلاميين بالحصول على تمويلات من دول الخليج، لكن أين الحقيقة في هذه القضية؟

لا يمكن للباحثين الجزم بها. ومع ذلك فهناك حقيقة سياسية واضحة للجميع، وهي أن السعودية يهمها بالمقام الأول أن تكون مصر دولة مستقرة لكن لا تتصادم معها.

أكرر هنا أن العرب لا يمكن أن يكونوا فاعلين في محيطهم الإقليمي أو على المستوى الدولي دون أن تكون مصر والسعودية رقماً فاعلاً في تلك المعادلة.

نعم أعتقد أن هناك تعاطفا سعوديا مع الرئيس السابق حسني مبارك، لكن هذا التعاطف لا يجب أن يؤثر بالنهاية في السياسة السعودية الثابتة تجاه مصر ومصالحها معها، فهذه علاقات دول لها طابع الثبات والاستقرار النسبي وليست علاقات أفراد.

ومع ذلك قد يكون هناك تنافس على النموذج القيمي في المستقبل بين البلدين في حالة وصول الإخوان للسلطة على حسب تقدير بعض الخبراء.

ماذا تعني بتنافس قيمي بين مصر والسعودية؟

في حالة وصول الإخوان للسلطة في مصر، سوف يقدمون نموذجاً مغايراً للنموذج السعودي في الإسلام السياسي، وهو ما قد يقلل من زعامتها السياسية في العالم الإسلامي. لذلك فالسعودية ربما تخشى صعود الإخوان سياسياً، وتتمنى لو كان الصعود السياسي من نصيب التيار السلفي؛ لأن التيار السلفي يعتبر نفسه إمتداداً للنموذج الذي تقدمه السعودية، وليس مغايراً له.

برأيك، هل يحد التحالف المصري - التركي من المشروع الإسرائيلي للهيمنة على المنطقة؟

إسرائيل تعاني عزلة حقيقية لأول مرة في تاريخها، بسبب توتر علاقاتها من أهم حليفين في المنطقة وهما مصر وتركيا، إنها تشعر بالعزلة، فقد كانت السياسة الإسرائيلية التي بناها بن جوريون مع ما يسمي ب quot;دول المحيطquot; وعلى رأسها إيران وتركيا، تعتمد على الخروج من دائرة المحاصَر بدول الطوق العربية إلى دائرة المحاصِر بجوار العرب الجغرافي أي إيران وتركيا.

استطاعت إسرائيل لسنوات طويلة إقامة علاقات قوية إقتصادياً وعسكرياً مع إيران وتركيا، فمثلاً عقدت إتفاقيات متنوعة مع تركيا، كما وطدت علاقاتها مع أثيوبيا ودول حوض النيل لحصار مصر، والتأثير عليها في ما يخص حصتها من المياه. منذ عقود فقدت إسرائيل تحالفها مع إيران ويخوض الطرفان منذ عقود منافسة إقليمية شرسة، والآن فقدت إسرائيل حليفها التركي، وسوف تقفد الحليف الأثيوبي بعد توجه مصر نحو أفريقيا، لذلك سوف يساهم التنسيق والتعاون المصري- التركي في تحجيم إسرائيل، أو وضعها في حجمها الطبيعي سلمياً ومن دون الدخول في مواجهات عسكرية.

كيف ترى الهجمات التي يشنها حزب العمال الكردستاني في العمق التركي مؤخراً، هل تؤشر على تلقيه دعما من قوى إقليمية أو دولية للحد من الدور التركي المتصاعد في المنطقة؟

المشكلة الكردية مزمنة في تاريخ تركيا، ولعبت حكومة حزب العدالة والتنمية دوراً مهماً في تلطيف تلك الأزمة، حيث تركت للحزب مساحة أكبر نسبيا من العقود السابقة لممارسة العمل السياسي، فهناك أكثر من 55 عضواً في البرلمان التركي من الأكراد.

لكن أعتقد أنّ المشكلة في أن مقاتلي الحزب يتحصنون في جبال قنديل المرتفعة على المثلث الحدودي التركي الإيراني العراقي، ومنذ العام 1984 عندما قام الحزب بأولى عملياته المسلحة، كان واضحاً أن الموقف بين السلطات التركية والحزب معقد جداً، فالحزب لا يمكنه فرض إرادته على الدولة التركية بفعل عملياته العسكرية، ولايمكن للدولة استئصال الحزب من جذوره، لأنه يتحصن في تلك المنطقة الوعرة.

لكن الأصعب هو موقف إقليم كردستان العراق، لأن الأكراد في العراق يريدون إظهار وحدة قومية مع الأكراد في تركيا، لكنهم في الوقت نفسه يتمتعون بالحكم الذاتي في العراق، وفي حالة دعم أشقائهم في تركيا قد يثير الإنتباه الدولي إليهم، وقد يثير غضب تركيا ضدهم، ما يهدد الحكم الذاتي، وبالتالي فهم يمسكون العصا من المنتصف، حيث لا يريدون الإنخراط مع حزب العمال الكردستاني، ولا يستطيعون قطع علاقتهم به نهائياً، ولا يستطيعون مواجهة توغل القوات التركية في الإقليم.

وسوف تستمر هذه المعادلة الصعبة بين الأكراد وتركيا على المدى الطويل، حيث لا تستطيع تركيا استئصال الحزب، ولن يستطيع هو فرض إرادته وتحقيق مطالبه، وسوف يستمر في عمليات الضرب، وترد السلطات بما يحفظ هيبة الدولة، وسوف تلجأ من وقت لآخر لاجتياح الحدود مع شمال العراق.

عموماً أعتقد أن العمليات العسكرية الحالية سوف تنتهي خلال أسبوع، لأن الثلوج ستبدأ بالتساقط على جبال قنديل ما يصعّب على الجيش التركي القيام بعملياته ضد مقاتلي الحزب، الذين لن يستطيعوا بدورهم القيام بالمزيد من العمليات ضد الحكومة المركزية أو الجيش. أي أن هذه الجبهة سوف يتم تبريدها بفعل صقيع الطقس وليس بفعل التبريد السياسي.

لكن هناك من يرى أن القيام بهذه العمليات في التوقيت الحالي هدفه تخفيف ضغط تركيا علىالنظام السوري؟

نعم، هناك من يتبنى هذا الرأي، وتقول هذه الفرضية إن النظام السوري هو من أوعز إلى حزب العمال الكردستاني للقيام بعملياته العسكرية ضد العمق التركي، وهناك من يذهب إلى وجود قوى إقليمية أخرى تقف وراء هذا التصعيد، لعرقلة تركيا من بسط نفوذها في المنطقة، والإنكفاء على الداخل.

هل تقصد إيران بتلك القوى الإقليمية؟

إيران ليس لها مصلحة في التصعيد ضد تركيا بورقة الأكراد، بل من مصلحتها إضعاف قوة حزب العمال الكردستاني، وإجهاض حلم الأكراد في إيران في الانشقاق عن الدولة.

الأزمة الكردية متأصلة في مثلث دول إيران والعراق وتركيا، ومن مصلحة الدول الثلاث القضاء على المشكلة الكردية، وليس تشجيعها على النمو والتمدد وإقامة دولة في المثلث الحدودي بينها.

هناك على المدى القصير مصلحة إيرانية- تركية في الموضوع الكردي، لكن على المديين المتوسط والبعيد سنشهد تنافسا ضاريا بين البلدين الكبيرين، بدأت ملامحه حالياً في الساحة السورية، حيث تدعم إيران النظام الحاكم، في مقابل إنتقادات توجهها تركيا لهذا النظام وتأوي اللاجئين الفارين من قمعه للإحتجاجات السلمية، وأعتقد أن هذه المنافسة سوف تتطور إلى صراع، لكن ليس في ما يخص المسألة الكردية، لأن كليهما يعاني منها ومن مصلحته القضاء عليها.