بيروت: يعيد الانقسام والتناقض بين تركيا وإيران إلى الأذهان العداوة التاريخية التي كانت مستعرة بين العثمانيين والفرس منذ عدة قرون، فاختلاف الرأي بين الدولتين بشأن الربيع العربي، أدى إلى تحول روابط الصداقة إلى تنافس محموم للسيطرة في المنطقة.
ويظهر هذا الانقسام من خلال مشاركة ايران ndash; على مستوى ضعيف - في المؤتمر الدولي حول الأمن في أفغانستان، والذي افتتح اليوم في اسطنبول بحضور 14 دولة اقليمية.
ويشارك في المؤتمر رؤساء أفغانستان وباكستان، فضلاً عن 12 دولة أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة. لكن إيران خططت للمشاركة بإرسال نائب وزير خارجيتها، على الرغم من حدودها الطويلة مع افغانستان وزعمها بأنها قوة اقليمية عظمى.
وتراجعت إيران في اللحظة الاخيرة وأرسلت وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي، الأمر الذي يشير إلى مدى التوتر الديبلوماسي والتنافس المتصاعدبين تركيا وايران بسبب الانتفاضات والثورات الشعبية.
في هذا السياق، نقلت صحيفة الـ quot;فورين بوليسيquot; عن محللين قولهم إن تركيا هي الفائزة عبر ممارسة الضغوط من أجل نتائج علمانية وديمقراطية في تونس وليبيا ومصر، وخصوصاً سوريا. بينما تبدو ايران خاسرة في هذه المرحلة لأنها تدعم الحكم الإسلامي غير الديمقراطي، والسياسات المعادية للغرب.
ونتيجة لهذا الانقسام، يبدو أن الدولتين عادتا إلى حال من التنافس الشبيه بالصراع على النفوذ بين الفرس والعثمانيين منذ قرون، الأمر الذي قد يؤثر في بنية الأمن في الشرق الأوسط لسنوات قادمة. وعلى الرغم من عدم وجود أدلة واضحة، أعلنت ايران أن الربيع العربي هوquot;الصحوة الإسلاميةquot; على غرار الثورة الاسلامية في ايران عام 1979، باستثناء الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا.
واشارت الصحيفة إلى أن آراء ايران حول الربيع العربي، ونكرانها لأحداث سوريا، إضافة إلى القمع الوحشي لمظاهرات عام 2009 الايرانية، أدت إلى تقويض جاذبية ايران في العالم العربي، في الوقت الذي اكتسبت فيه تركيا مزيداً من الجاذبية كنموذج يقوم على المزج بين العلمانية والديمقراطية والمبادئ الاسلامية.
تركيا تحول دعمها من الأنظمة الاستبدادية إلى الديمقراطية
وتبدو مظاهر الانقسام بين الحلفاء السابقين واضحة بشكل أكثر في سوريا، حيث تتناقض وجهات النظر بين تركيا وإيران حول الإجراءات القمعية التي يقوم بها الرئيس السوري بشار الاسد. وأشاد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان يوم الثلاثاء، بالثورة الشعبية في سوريا، واصفاً الـ3000 ضحية الذين قتلوا على أيدي قوات الأمن بـquot;الشهداءquot;.
وأضاف أردوغان: quot;إن الشعب السوري سينتصر في مقاومته المجيدةquot;، مشيراً إلى أن الديمقراطية الحقيقية بدأت بالظهور في سوريا، وأن الشعب السوري سيحقق إرادته في الحصول على العدل والحرية.
تركيا تخطو باتجاه الغرب
ودفعت مواقف تركيا المناهضة لإسرائيل المحللين الغربيين الى التساؤل عما اذا كانت تركيا تتخلى عن النظرة الموالية للغرب للانضمام الى المحور الممانع الذي تقوده إيران.
لكن الربيع العربي أدى إلى تغيير حسابات تركيا، التي قررت في ايلول / سبتمبر الماضي إلى وقف سنوات من التباطؤ والموافقة على وجود وحدة رادارات أميركية مضادة للصواريخ على الاراضي التركية، كجزء من الدرع الصاروخية لحلف شمال الاطلسي التي تهدف إلى إحباط الصواريخ البالستية الايرانية.
وانتقد مسؤولون ايرانيون بشدة قرار تركيا، معتبرين ما حدث بمثابة خيانة، لكن أظهر استطلاع للرأي أجري مؤخراً أن وجهات النظر العربية لم تعادي تركيا، مقابل انخفاض شعبية ايران وجاذبيتها في المنطقة.
ايران على هامش الربيع العربي
وبدأت العلاقات التركية الإيرانية بالتحسن عندما استلم حزب العدالة والتنمية التابع لأردوغان السلطة عام 2002. وكانت تركيا بمثابة محاور موثوق به من قبل ايران حول القضية النووية، ففي أيار/مايو 2010، سهلت تركيا والبرازيل اتفاقية تبادل وقود نووي مع طهران في محاولة لاستباق جولة رابعة من عقوبات الأمم المتحدة ضد ايران.
ووجهت تركيا رسالة توبيخ حادة لإسرائيل بسبب حادث أسطول غزة في الشهر ذاته، الأمر الذي شكل دليلاً إضافياً عن خروج تركيا من المدار الغربي. وتأزمت علاقة التحالف بين تركيا واسرائيل بعد أن قطعت الأولى علاقاتها العسكرية والسياحية بتل أبيب، فدفعت ايران إلى الإعلان عن ان تركيا quot;باتت على الجانب الصحيح من التاريخquot;.
لكن بعد نحو ثمانية أشهر من الاضطرابات في الشوارع السورية والمحاولات القمعية لسحق الاحتجاجات، إضافة إلى فرار الآلاف من السوريين عبر الحدود الى معسكرات في تركيا، قطع اردوغان علاقات تركيا مع الأسد في سبتمبر/ ايلول.
واستضافت تركيا منذ ذلك الحين عدة اجتماعات للمعارضة السورية، من بينها إنشاء المجلس الوطني السوري في اسطنبول في شهر أيلول/سبتمبر، وقدمت الحماية مؤخراً لكبار الضباط الذين انشقوا عن الجيش السوري.
وأدت المواقف التركية إلى غضب ايران، حليف سوريا الأساسي في المنطقة، لكنها لم تفعل شيئاً سوى التذمر بصوت عال، والتفرج من بعيد على quot;نصر أردوغانquot; في مصر وتونس وليبيا، الذي عمل على تعزيز علاقات بلاده مع الثوار الجدد والدعوة إلى quot;الديمقراطية الإسلاميةquot;، الأمر الذي وضع ايران على هامش تطورات وأحداث الربيع العربي.
التعليقات