ناشطون من حركة quot;20 فبرايرquot; خلال تظاهرة احتجاجية في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011

لا صوت يعلو في المغرب فوق صوت الإستعداد للإنتخابات التشريعية المقررة في 25 تشرين/ الثاني نوفمبر الجاري. وفيما لا تزال نسبة المشاركة الهزيلة في انتخابات عام 2007 ترخي بظلالها على الساحة السياسية تجد الأحزاب نفسها أمام تحدي إقناع الناخبين ببرامجها واستقطابهم إلى صناديق الإقتراع.


فيما لا تزال نسبة المشاركة الهزيلة التي خلفتها إنتخابات عام 2007، التي لم تتجاوز 37 بالمائة، تخيم بظلالها على المشهد السياسي في المغرب، بدا أن الأحزاب السياسية المشاركة في رهان الانتخابات التشريعية المرتقبة يوم 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري أنها ستكون أمام تحدٍ آخر وأساسي، وهو مدى قدرتها على جلب الناخبين في ظل ظاهرة العزوف عن المشاركة في العمليات الانتخابية والتي خلفت قراءات متباينة.

quot;أربعة مفاتيحquot; لفهم الانتخابات المقبلة

وفي هذا الإطار، يحذر الباحث في علم الاجتماع في جامعة محمد الخامس في الرباط محمد مصباح بشأن الحكم على الانتخابات مسبقاً، quot;خصوصا وأن المؤشرات الموجودة حاليا غير كافية للحكم على كون الإنتخابات ستتجه لأن تكون حرة ونزيهة بشكل مطلق أو ستكون مزورة بشكل كاملquot;، كما قال.

ووصف مصباح، في حديث لـ quot;إيلافquot; بأن ما هو متوفر حتى الآن من إشارات بـquot;المتناقضة والمتضاربةquot;، مستحضراً في ذلك الزخم الشعبي في سياق الربيع العربي متجسداً في حركة 20 فبراير، والسياق الإقليمي، نظرا إلى نجاح تونس لأول مرة منذ أكثر من ربع قرن من الزمن أن تعيش لحظات ديمقراطية عالية، كما قال، ثم السياق الدولي الذي يدفع في اتجاه عدم الوقوف ضد إرادة الشعوب العربية في الانتقال نحو الديمقراطية.

ويخلص الباحث إلى أن هناك أربعة مفاتيح لفهم الانتخابات المقبلة، ومن ثم القدرة على توقع ما يمكن أن يحصل بعد 25 نوفمبر. وتتعلق تلك المفاتيح حسب مصباح بـ: سؤال حول نزاهة الإنتخابات المقبلة الذي يعتبره إحدى أهم علامات الاستفهام المطروحة حاليا، وحجم المشاركة، والتحالفات الحزبية، ثم الموقف الدولي.

ويركز الباحث على مسألة نزاهة الانتخابات التشريعية الحالية كونها تبقى المعطى الحاسم quot;لأنه هو الذي يعطي الرغبة للمواطنين في المشاركةquot;، حسب تعبيره.

حرمان مغاربة الخارج من التصويت يعكس quot;انتهازية الدولةquot;

ولم يسبق أن حدثت قطيعة في المغرب على مستوى تدبير الإنتخابات من طرف وزارة الداخلية، لكن هناك تخوف من طرف عدد من الفاعلين السياسيين والمجتمعيين من أن يتم استعمال الأدوات القديمة نفسها في التحكم الانتخابي، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

وكانت قضية التقطيع الانتخابي الذي كان دون المستوى، حسب وصف بعض الفعاليات، جزءا من تلك الأدوات المستعملة، حسب ما أشار إليه مصباح، وأيضا التسجيل في اللوائح الذي لم يتجاوز 13 مليونا من أصل أكثر من 20 مليون شخص يحق له التصويت، وحرمان المغاربة المقيمين في الخارج من التصويت يوم 25 نوفمبر بعد أن سمح لهم التصويت على الدستور، وهو ما عبر عنه الباحث في علم الاجتماع بكونه quot;يعكس انتهازية الدولة في تعاملها مع هذه الفئة التي تشكل 10 في المائة من المغاربةquot;.

ويضيف مصباح quot;غير أن هناك عدة طرق أخرى يتم اللجوء إليها في هذا السياق، من قبيل تحريك شبكة القياد والمقدمين (مسؤولو وأعوان السلطة في الأحياء في المغرب)، والدور الذي يلعبونه في التعبئة لصالح هذا المرشح أو ذاك في الانتخابات، خصوصا في العالم القروي، وتحريك مافيات المال الحرام الإنتخابي، وشراء الأصواتquot;. ويتابع quot;حتى الساعة ليست هناك مؤشرات إيجابية كافية في صرامة تعامل الدولة مع الموضوعquot;.

المجتمع لا يكفيه الدستور الجيد

لكن الأستاذ الجامعي المختص في القانون الدستوري بن يونس المرزوقي في كلية الحقوق في وجدة، بدا أكثر تفاؤلا إذ يعتقد أن الانتخابات التشريعية القادمة quot;ستكون متميزة بكل المقاييسquot;. وقال المرزوقي في تصريح لـ quot;إيلافquot; بأن quot;المجتمع لا يكفي أن يكون له دستور جيد، بل يجب أن تكون الأجهزة التي تعمل في إطاره قادرة على ممارسة كل الصلاحيات الموجودة فيه.quot;

واستحضر المرزوقي، الإطار العام الذي تجري فيه الإنتخابات المتمثل في معطيات جديدة أهمها quot;الحراك العربي وتأثيره الهام على المغرب، وحركة 20 فبراير، دستور جديد، قوانين جديدة لتأطير الانتخابات، وخاصة كون رئيس الحكومة القادم سيكون من الحزب الفائز في الانتخاباتquot;.

ويرى المختص في القانون الدستوري في هذه المستجدات عوامل ستبين إلى أي حد ستستطيع الأحزاب السياسية رفع التحدي المطروح عليها لجلب الناخبين إلى صندوق الاقتراع، ومنافسة جمعيات المجتمع المدني التي أصبحت قوية، والأصوات الداعية إلى مقاطعة التصويت، والحراك المجتمعي المستمر. مؤكدا أن هذا التحدي سيكون له تأثير على النتائج العامة والوضع السياسي في المغرب.

ساحة سياسية جديدة تتقاسمها الأحزاب المغربية

ويشير المرزوقي quot;لمدة طويلة، تميز المغرب بحضور لافت للتعددية الحزبية، دون أن يكون هناك منافس قوي، باعتبار أن الأحزاب الرئيسة تتوفر على تنظيمات نقابية ونسائية وشبيبية موازيةquot;، ويضيف أن المغرب الآن quot;يعرف ساحة سياسية جديدة تتقاسمها الأحزاب مع حركات تعمل خارج المجال الحزبي، ولها مطالب تشكك في العمل الحزبي نفسه، بل إن بعضها يشكك في المسلسل الإصلاحي نفسه. ويبدأ ذلك من حركات دينية محافظة أو متطرفة إلى غاية يسار يكاد يكون عدميا، وبينهما حركة انطلقت شبيبية لتصبح غير واضحة المعالمquot;.

وبكثير من اليقين، يؤكد أستاذ القانون الدستوري أن المغرب مدعو لكسب رهان 25 نوفمبر، من أجل التجاوب مع الشارع الذي طالب بإسقاط البرلمان والحكومة. quot;وهذه العملية غير ممكنة إلا من خلال انتخابات نزيهة وشفافة وغير مطعون في شرعيتها، بل وأن ينبثق منها مجلس نواب يمحي صورة البرلمان السلبية لدى الرأي العام، وحكومة تتمتع بمصداقية أكبرquot;.

واعتبر المرزوقي أن ما يجري داخل الحياة الحزبية من البحث عن تحالفات لا تراعي المنطق، أو تحالفات ورقية فقط، لا يُمكن أن تساهم في تخليق الحياة السياسية. ولا يُمكن أن تدفع الحركات الاحتجاجية إلا إلى تصعيد مواقفها في حالة إحساسها بأن أي شيء لم يتغير.

يذكر، أن تيار مقاطعة الانتخابات التشريعية بدأ يتوسع بعد دعوة جماعة العدل والإحسان، ولأول مرة وبشكل صريح، إلى مقاطعة التشريعيات لتصطف في الموقف نفسه مع حركة 20 فبراير الاحتجاجية وأحزاب يسارية أخرى سبق وأن أعلنت مقاطعتها، هي: اليسار الاشتراكي الموحد، وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وحزب النهج الديمقراطي.