لم تهدأ الأوضاع في مصر منذ خروج مليونية quot;نقل السلطةquot;، أو quot;المطلب الوحيدquot;، ومازالت أعمال العنف جارية حتى اليوم 26 نوفمبر الجاري، حيث لقي متظاهر مصرعه أمام مقر الحكومة. وإتخذت تلك الأحداث منحيات خطرة على مستقبل مصر السياسي والإقتصاد وأمنها القومي، لاسيما في ظل وجود مخاطر عديدة تحيط بها من كل جانب، ففي الشرق إسرائيل والجماعات الإرهابية في سيناء، وفي الغرب الناتو والجماعات المسلحة المتطرفة في ليبيا، وفي الجنوب أزمة المياه والحرب الطاحنة بين جنوب السودان وشماله، وبين الجنوبيين بعضهم البعض.


مواجهات في شارع محمد محمود المتفرع من ميدان التحرير في وسط القاهرة

صبري حسنين من القاهرة: يحذر خبراء إستيراتيجيون من أن الأحداث التي تشهدها مصر حالياً تلقي بظلال قاتمة على مستقبلها، وأشاروا إلى أن إستمرارها على هذا المنوال يؤكد أنها مقبلة على فوضى كبيرة، تفقد فيها كل مقومات الدولة. ودعوا المجلس العسكري إلى ضرورة التناغم مع مطالب الشارع والقوى الثورية، والإسراع في تسليم السلطة إلى المدنيين والعودة إلى ثكناته.

إرتباك سياسي وفوضى
ووفقاً للدكتور رفعت سيد أحمد رئيس مركز يافا للدراسات السياسية فإن مصر تعاني حالة ارتباك سياسيي واسعة. وقال لـquot;إيلافquot; إن المجلس العسكري وكل ألوان الطيف السياسي وإئتلافات الثورة وميداني التحرير والعباسية يعانون جميعاً تلك الحالة، وليست لديهم رؤية ساسية واضحة لمستقبل مصر أو حاضرها، مشيراً إلى أن أحدًا لا يمكنه الجزم بغير ذلك.

وأضاف سيد أحمد أنه في حال إستمرار الأوضاع على ما هي عليه حالياً، فإن مصر مقبلة على فوضى واسعة وصدام ما بين الجيش والشعب بما يقضي على الدولة المصرية ككل. وأوضح أن مكونات المشهد السياسي تصبّ في خانة الفوضى، لاسيما في ظل سعي كل الأطراف السياسية إلى تحقيق مصالح خاصة ضيقة، بعيداً عن مصلحة الوطن، بما فيها المجلس العسكري وإئتلافات الثورة والقوى الإسلامية والليبرالية.

البرادعي وموسى صناعة أميركية
شنّ سيد أحمد هجوماً شرساً على المجلس العسكري، متهماً إياه بـquot;التباطؤ، الذي يصل إلى حد التواطؤ في إدارة المرحلة الإنتقالية، ومحاولة تحويل الثورة إلى مجرد حركة إصلاحية، وإعادة إنتاج النظام القديمquot;. كما إتهم الدكتور محمد البرادعي المرشّح المحتمل لرئاسة الجمهورية بالعمل لحساب مصالحه الشخصية، وكذلك عمرو موسى، المرشح المحتمل للرئاسة أيضاً، ووصف سيد أحمد الإثنين بأنهما quot;صناعة أميركية، وأسوأ من الدكتور كمال الجنزوري، رئيس الوزراء الجديد، على الأقل، يحسب للجنزوري، أنه أول من تصدّى لجمال مباركquot;.

إئتلافات لا تعلم ماذا تريد
انتقد سيد أحمد إئتلافات الثورة، وقال إنها لا تعلم ماذا تريد، موضحاً أنها غير قادرة على تقديم البديل الفكري أو السياسي للمجلس العسكري، وأنها تريد إسقاط الدولة، وليس إسقاط نظام الحكم، وليست لديها رؤية واضحة لطريقة إدارة المشهد الثوري في مصر.

وأكد سيد أحمد أن هناك خطورة شديدة على أمن مصر القومي، لاسيما في ظل تربّص إسرائيل بها من ناحية الحدود الشرقية، وإنتشار الجماعات المسلحة في سيناء، فضلاً عن وجود مخاطر على حدود الغربية مع لبيبا، تتمثل في الناتو والجماعات المسلحة، وقال إن السلاح الثقيل عبر من ليبيا إلى مصر، ولم يعد الساحل الشمالي آمناً.

وتابع: هناك مخاطر أيضاً في الجنوب، حيث إن إسرائيل صار لها وجود متعاظم في دول حوض النيل بعد الثورة، إضافة إلى الحروب بين جنوب السودان وشماله، والمعارك بين الجنوبيين في ما بين بعضهم بعضًا.

إنتخابات بالدم والنار
وتوقّع سيد أحمد أن تجري الإنتخابات البرلمانية بالدم والنار، مشيراً إلى أن الأجواء التي ستجري فيها الإنتخابات مهيأة لسفك بحور من الدماء، لافتاً إلى أنه في حال إتمامها بسلام أو بالدماء فلن تكون الحل الأمثل لإعادة الإستقرار إلى مصر، واستشهد بمقولة للفقيه الدستوري نور فرحات، ورد فيها أن من يحصل على الغالبية في تلك الإنتخابات لن يشكل الحكومة، لأن الإعلان الدستوري لا ينصّ على ذلك. داعياً الجميع إلى تجاوز المصالح الشخصية من أجل المصلحة العامة، وحتى لا تتحول مصر إلى عراق آخر.

صراع بين الأجيال
وصف الدكتور نبيل عبد الفتاح الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستيراتيجية الأجواء في مصر بأنها quot;صراع بين الأجيال الجديدة الثائرة في ميدان التحرير وشتى ميادين الجمهورية، والسلطات التي تمسك بزمام الأمور في المرحلة الإنتقاليةquot;، وقال لـquot;إيلافquot; إن قوى النظام القديم، الذي أسسته ثورة 23 يوليو 1952 حتى 25 يناير 2011، تحاول ترميم النظام السابق وإعادة إنتاجه، بينما تحاول القوى الثورية من أبناء الطبقتين الوسطى والدنيا وعمّال المصانع في السويس والإسكندرية والمحلة إحداث تغيير هيكلي في بنية النظام السياسي، مشيراً إلى أن هناك تصورين لشكل الحكم في مصر خلال المسقبل: الأول، يمثله المجلس العسكري، الذي يحاول إدخال بعض الإصلاحات على النظام القديم، والآخر: ويمثله الثوار، ويحاول نسف ذلك النظام، وإقامة نظام ديمقراطي يؤمن بالحريات والحقوق.

قواعد اللعبة القديمة
وأشار عبد الفتاح إلى أن السلطة الحالية تتعامل بقواعد اللعبة السياسية نفسها التي كان يتعامل بها النظام القديم، من حيث الدفع بأهل الثقة والمستفيدين من قواعد اللعبة القديمة، ومنهم كمال الجنزوري، وأقطاب وأعضاء الحزب الوطني المنحل، الذي انشطر إلى 12 حزباً جديداً، وإخراج الناس للتظاهر تأييداً لها في ميدان العباسية، بهدف إحداث إنشقاق في الصف الشعبي.

مشيراً إلى أن ما حدث في ميدان العباسية لا ينفصل عمّا جرى أثناء محاكمة مبارك، حيث سمح لأنصاره بالتظاهر والتعدّي على أسر ضحايا الثورة ومصابيها. وخلص عبد الفتاح إلى أن هناك أهدافًا من وراء تلك المظاهرات تكمن في إحداث تخبط في المشهد السياسي، بما يضمن إستمرار المجلس العسكري في الحكم.

الإنتصار حليف الثورة
وتوقع أن يكون الإنتصار حليف القوى الثورية في النهاية، وفتح كل ملفات الفساد والإفساد، التي يحاول بقايا النظام القديم دفنها. لكن عبد الفتاح يحذر من إستمرار عمليات العنف ضد المتظاهرين، مشيراً إلى أنها تصبّ في النهاية في نهر الفوضى أو العنف، الذي بدأ في الجريان في مصر، في صور عديدة، منها عنف البلطجية أو العنف الطائفي أو العنف بين العائلات في الريف والصعيد. ودعا المجلس العسكري إلى ضرورة الإستجابة لمطالب ميدان التحرير وشتى الميادين الهادرة بالثورة.

العنف في مصلحة الأعداء
وقال اللواء يوسف مختار الخبير الإستيراتيجي لـquot;إيلافquot; إن العنف الذي إندلع أخيرًا في مصر يخدم أعداءها فحسب في الداخل والخارج، مشيراً إلى أن هذا العنف يدمّر الإقتصاد والبنية التحتية، ويمنع تدفق الإستثمارات، ويجعل مصر منكبّة على قضاياها الداخلية، مما يهدد بتقزيمها مرة أخرى في محيطها الإقليمي، لمصلحة قوى أخرى، لا تستهدف الخير لمصر، مثل إسرائيل وإيران.

ودعا مختار جميع أطراف المعادلة السياسية في مصر إلى ضرورة تغليب لغة العقل والمصلحة العامة، وتجنّب المصالح الشخصية الضيقة، حتى تعبر مصر المرحلة الإنتقالية بسلام.