بعد نجاح الثورة المصرية في إسقاط الرئيس المخلوع حسني مبارك، يبدو أن مصر أمام مرحلة جديدة في ظل موجة الغضب العارم التي تجتاح الشوارع لإنهاء الحكم العسكري.


بيروت: بعد أن ملأت التظاهرات والإحتجاجات الشعبية شوارع مصر في شباط/ فبراير لإسقاط الرئيس السابق حسني مبارك، واليوم يعود المصريون إلى الشوارع احتجاجاً على إرث الرئيس المخلوع، والمطالبة بإنهاء الحكم العسكري وتسليم السلطة للشعب.

وفي هذا السياق، أشارت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; إلى أن الاستراتيجيات التي لطالما استخدمتها الحكومات الديكتاتورية لقمع الشعب وكبت غضبهم لم تعد فعالة. فالسلطات تأمل في أن يستنفذ الشعب طاقاته ويتوقف عن الاحتجاج، والجيش يحاول قمع التظاهرات والاحتجاجات الشعبية، كما حاول المجلس العسكري القيام ببعض التنازلات، إضافة إلى إلقاء اللوم على أطراف خارجية بالتحريض على العنف، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل.

ورجحت الصحيفة أن هذا الوضع يؤذن بفترة طويلة وخطيرة من الاضطرابات في مصر، كموجة الاستياء العارمة التي عبر عنها الشعب المصري يوم الثلاثاء في ميدان التحرير، الأمر الذي يشير إلى أنهم لا يشعرون بالرضى عن المؤسسات التي تحكم مصر حالياً.

ونقلت الصحيفة عن ابراهيم الهضيبي، محلل سياسي في دار الحكمة ومركز البحوث في القاهرة، قوله: quot;ما يحدث اليوم يبرهن عن فشل الطبقة السياسيةquot;، مضيفاً أن الناس يشعرون بالخيانة. وتعتمد الأنظمة العربية المستبدة على استمالة، سلب أو إلغاء المؤسسات التي يمكن أن توجه عملية الانتقال في غيابهم، إضافة إلى اللعب على الانقسامات الاجتماعية لإطالة أمد حكمها.

المثال المصري على ذلك، تجلى يوم الثلاثاء، حين أثبتت مصر أنها لا تزال تحت سلطة الإرث الاوتوقراطي، إذ رفضت السلطة العسكرية الاستسلام للسلطة الحقيقية، في حين أن الطبقة السياسية التي عانت الترويع طوال سنوات من الحكم الاستبدادي ( مثل الاخوان المسلمين)، بدت إنتهازية، دفاعية أو في حال من الهلوسة.

ويشعر المتظاهرون في ميدان التحرير أن السياسيين في السلطة يعطون الاولوية لمصالحهم الشخصية، وأنهم أثبتوا عجزهم عن تقديم رؤيا لمعالجة الازمة الأسوأ التي تواجهها مصر منذ الاطاحة بالرئيس مبارك في 11 شباط/فبراير.

وأشارت الصحيفة إلى أن المحتجين يشعرون بغضب عارم، لدرجة أن مجموعة منهم قامت بطرد جماعة من الإخوان المسلمين من ميدان التحرير. وقال مصطفى تغبي، موظف حكومي (56 عاما): quot; ما زلنا نتعامل مع نظام مبارك، هؤلاء جميعاً خريجي مدرسة مباركquot;، في إشارة إلى أن الحكم العسكري فاسد ويرفض تسليم السلطة.

وفي الوقت الذي صرخت فيه الحشود المصرية quot;إرحلquot;، كرر الجيش يوم الثلاثاء رفضه تسليم السلطة حتى العام المقبل، الأمر الذي يشير إلى أن الإستياء السعبي والإحتجاجات سوف تستمر، كما ستتسع مطالب المحتجين لإنهاء الحكم العسكري بشكل فوري. ويتخوف المراقبون من احتمال أن يلجأ الجيش إلى خطوات دراماتيكية لوقف عزم المتظاهرين ووضع حد للاشتباكات التي خلفت ما لا يقل عن 29 قتيلاً.

ورأت الـ quot;نيويورك تايمزquot; أن ميدان التحرير يبدو خالٍ من الدعاية الانتخابية والترويج الانتخابي ، مشيرة إلى أن المرشحين لا يناقشون برامجهم على المنابر. لكنها رجحت فوز جماعة الاخوان المسلمين وغيرهم من الإسلاميين، الذين يعتقد أنهم سيحققون فوزاً كبيراً ويضمنون قوة انتخابية تعتبر الأكبر في التاريخ المصري.

وحتى الآن، وقفت جماعة الإخوان المسلمين إلى جانب الجيش، الأمر الذي ينظر إليه البعض كتحالف بين أقوى مؤسستين في مصر. لكن الإخوان يحاولون إخفاء دعمهم للجيش، والدليل أن هذه الجماعة ظلت غائبة إلى حد كبير في ميدان التحرير، وأصرت على أن المصريين ليسوا وراء الاحتجاجات.

لكن بعض المحللين يرجحون أن تبقى الشوارع مكتظة بالمحتجين، في ظل الجدل العقيم حول اعتماد الشريعة الإسلامية بدلاً من معالجة المخاوف الشعبية مثل الأمن والاقتصاد والفساد، بينما يستمر الجيش في إصراره على أنه القوة الراسخة وquot;منقذ الثورةquot;. ونقلت الصحيفة عن أحد المتظاهرين قوله: quot;إذا تطلب الأمر أن نبقى في الشوارع، فلا مانع لدينا، وسننظم مظاهرة تلو الأخرى حتى نحقق مطالبناquot;.