صبري حسنين من القاهرة: قبل يوم السبت 19 نوفمبر الجاري، لم يكن أحد في مصر أو من المتابعين لشؤونها يتوقع أن تشهد القاهرة تلك الأحداث العنيفة والساخنة، أو أن تنطلق ثورة جديدة بهذا الحجم ضد المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد، ولكن ما أحدث هذا الإنقلاب هو مجموعة من الفيديوهات، التي تظهر قتل الشرطة للمتظاهرين، وإلقاء جثثهم في القمامة. وكان أكثرها تأثيراً فيديو يظهر ضابط شرطة يلقي جثة أحد المتظاهرين في القمامة، وتسبب الفيديو في إشعال الإحتجاجات، في ما وصف بـquot;ثورة جديدةquot; أوquot;إستكمال للثورةquot;.

فيديوهات
ساهمت الفيديوهات المصورة، والتي تظهر تعامل الأمن بوحشية من المتظاهرين، وعدم إحترام جثثهم بعد قتلهم، في تأجيج مشاعر الغضب ضد الشرطة والمجلس العسكري. يظهر أحد الفيديوهات ضابط شرطة وهو يجرّ جثة شاب سقط نتيجة المواجهات أثناء فضّ قوات الأمن المركزي والشرطة العسكرية إعتصام نحو مائتي من مصابي الثورة يوم السبت 19 نوفمبر الجاري، ثم يلقي بها بجوار كومة من القمامة.

في حين يظهر فيديو آخر مجموعة من الجثث عددها حوالى سبع، وهي ملقاة على جانب الطريق بجوار كومة من القمامة أيضاً. فيما يظهر فيديو ثالث ضابط شرطة وهو يضرب جثة شاب على رأسه بعصا غليظة.

قناص عيون المتظاهرين
كان أحد الفيديوهات، التي أشعلت ثورة الغضب ضد الشرطة من جديد، هو فيديو يظهر فيه ضابط شرطة برتبة ملازم، وهو يخترق صفوف الجنود، ثم يصوّب بندقية قنص في إتجاه المتظاهرين السلميين، ويطلق طلقات عدة، ثم يقول له آخر إن الرصاصة أصابت عين الشاب، فيرد quot;في عين أمهquot;، ثم يسبّه بألفاظ بذيئة.

تقدمت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ببلاغ للنائب العام المستشار عبد المجيد محمود ضد الضابط، ووصفه بـquot;قناص عيون المتظاهرينquot;. وحمل البلاغ رقم 10802 لسنة 2011 ضد الضابط محمد صبحي الشناوي، مشيرة إلى أنه أحد الضباط الذين اشتركوا في استخدام القوة المفرطة تجاه المتظاهرين، وتعمّد إصابتهم في مناطق خطرة.

وقال البلاغ إن كل تلك الوقائع تمثل انتهاكاً للمواثيق والاتفاقيات الدولية والإعلان الدستوري والقوانين المصرية، ومنها: الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

وطالبت المنظمة بسرعة اتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية والتحقيق مع الضابط المذكور وايقافه الفوري عن العمل هو وكل من تسفر عنهم التحقيقات من المشتركين في الأحداث، سواء بإصدار الأوامر في استخدام هذا القدر المفرط من القوة تجاه المتظاهرين سلميًا أو المشاركين بالفعل أو التحريض.

الأمهات في التحرير
من ميدان التحرير، قالت ثناء حسين ربة منزل تشارك في المظاهرات لـquot;إيلافquot; إن ما حدث جريمة لا يمكن أن السكوت عنها، مشيرة إلى أنها كأم بكت كثيراً، وهي تشاهد التعامل بوحشية مع المتظاهرين من الشباب، وإلقاء جثثهم بالقمامة. وأضافت: شعرت أن هؤلاء أبنائي، ومن واجبي الوقوف في الميدان، حتى نحصل على حقوقهم. وأضافت أن هناك الآلاف من الأسر والأمهات التي تأثرن بالمشاهد البشعة، وقررن المشاركة في المظاهرات.

فيما أشارت نبيلة عبد الرحيم، أم لثلاثة أبناء، أكبرهم في السنة الأولى الجامعية، إلى أن ابنها أصيب في قدمه برصاص مطاطي، وقالت لـquot;إيلافquot; إنها كانت ضد المظاهرات، وكانت ناقمة على المتظاهرين، إلى أن عاد إليها ابنها مصاباً في قدمه، وروى لها كيف أنه أصيب أثناء نقل مصاب آخر، لا يعرفه شخصياً. وأضافت أن ما شجّعها على المشاركة في المظاهرات مشاهدتها للفيديو الذي يظهر ضابط شرطة يلقي بجثة شاب في القمامة، وقالت بحرقة والدموع تترقرق في مآقيها: quot;تصورت أنه ابني أحمد.. قلبي محروق على الشاب ده.. ونفسي أكل كبد اللي قتلوه بأسناني.. الله ينتقم منهمquot;.

الآباء يشاركون أيضاً
لم تكن نبيلة وثناء فقط هما المشاركات، بل كان هناك آلاف من الأمهات ممن أثرن بالفيديوهات في المظاهرات في شتى الميادين في المدن الكبرى، بخلاف القاهرة، وشارك أيضاً الكثير من أبناء الشعب المصري من غير الشباب، تأثراً لمشاهد قتل الشباب وإلقاء جثثهم بالقمامة.

وقال عاطف عمر quot;47 سنةquot;، لـquot;إيلافquot; من ميدان التحرير، إن تلك الوقائع كانت فاصلة في مدى مشاركة المصريين في المظاهرات المناهضة للشرطة والمجلس العسكري، وأضاف أنه شخصياً لم يكن ينوي النزول إلى ميدان التحرير، لكن عندما شاهد الفيديوهات قرر المشاركة والإعتصام حتى تتحقق مطالب الثورة.

وتابع: لم نر تلك المشاهد في عهد حسني مبارك... إن الشرطة أصيبت بالجنون، إنها تنتقم من الشعب، لأنه قام بثورة شجاعة، وأسقط عن قياداتها وضباطها وأفرادها الحصانة، وحرمهم من الفساد والإفساد. إنها ثورة جديدة.

ثورة جديدة
ثورة جديدة، وصف أطلقه الكثير من الشباب المشارك في المظاهرات في ميدان التحرير، ومنهم أحمد نور الدين، الذي قال لـquot;إيلافquot;: شاركت في ثورة 25 يناير منذ أول يوم فيها، ولم أبرح ميدان التحرير لمدة 18 يوماً، والآن أنا أعود إليه من أجل ثورة جديدة على المجلس العسكري، الذي سرق الثورة منا.

وأضاف: الإنتهاكات التي وقعت بحق المتظاهرين من المصابين في ثورة 25 يناير، تؤكد أن الشرطة لم تتغير، وأن المجلس العسكري نسخة من النظام والسابق، وأن المشير طنطاوي صورة طبق الأصل عن مبارك، ولذلك نحن الآن في ثورة جديدة لإسقاط المشير، والقضاء على النظام السابق بالكامل، لن تكفي إقالة حكومة الدكتور عصام شرف، إنه عبد المأمور، ولابدّ من نسف النظام السابق بالكامل.

الأطفال في الميدان
الطفل محمود جلال quot;15 سنةquot;، كان موجوداً في التحرير، سألته quot;إيلافquot;، عن سبب وجوده وسط هذه المظاهرات العنيفة، ولماذا لا يذهب إلى المدرسة؟، فقال إنه طالب في الصف الأول الثانوي، وإنه بالفعل يذهب إلى المدرسة في الصباح، ويحضر إلى ميدان التحرير بعد انتهاء اليوم الدراسي.

وأضاف إنه شارك في الثورة الأولى في 25 يناير مع والده، لكنه مريض الآن، فطلب منه أن يشارك وحده، فلم يرفض، شريطة أن يبتعد عن أماكن العنف والمواجهات بين الشرطة والشباب. وأشار محمود إلى أنه حضر إلى الميدان بعدما علم بفضّ الشرطة لإعتصام مصابي الثورة بالقوة، وشاهد هو وأسرته عمليات ضربهم بوحشية، وإلقاء جثث القتلى منهم في القمامة.

لافتاً إلى أن والدته جهّزت له حقيبة صغيرة، تضمّ خل ومياه غازية وكمامات طبية ووقطن وشاش. محمود، ورغم بعده عن مناطق الخطر، إلا أنه دوّن اسمه كاملاً ورقم هاتف أسرته على ذراعه، تحسباً لأن يصيبه مكروه، وقال quot;محدش عارف إيه اللي ممكن يحصل، كلنا هنا من أجل الحرية، ودي تمنها غالي، ممكن تكلف الإنسان حياتهquot;.