متظاهرون في ميدان التحرير في مصر يطالبون بإسقاط حكم العسكر

كشفت الاشتباكات المصرية الأخيرة عن المأزق السياسي الذي تواجهه أميركا في كيفية تحقيق التوازن بين الدوافع المتناقضة، التي تشمل دعم التغيير الديمقراطي والرغبة في الاستقرار، إضافة إلى الحذر من الإسلاميين، الذين أصبحوا قوة سياسية فعّالة في مصر.


يشير العديد من المحللين إلى أن المواجهات العنيفة التي حدثت بين قوات الأمن وآلاف المصريين في ميدان التحرير احتجاجاً على الحكم العسكري، تشبه إلى حد كبير الأيام العصيبة، التي شهدتها مصر في شهر شباط/فبراير، عندما جرت الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك.

في هذا السياق، أشارت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; إلى أنه من المحتمل أن تكون الاشتباكات quot;مناوشات مبكرة لما يحتمل أن يكون صراعاً طويلاً وفوضوياً على السلطة، مع نتائج غير مؤكدة تفرض تحديات هائلة على صنّاع السياسة الأميركيةquot;.

واشتبكت الشرطة مع مئات من المحتجين في ميدان التحرير يوم السبت لساعات عدة،في مشهد يعتبر الأكثر عنفًا حتى الآن ضد قيادة الجيش والحكومة المؤقتة، وأدت الاشتباكات إلى سقوط قتلى وجرحى.

يأتي ذلك بعد مظاهرة ضخمة، قادها الإسلاميون، وكانت تعبيراً قوياً عن الغضب المتنامي ضد المجلس العسكري، وأقوى توبيخ للجيش على محاولاته منح نفسه سلطات دائمة، فبدلاً من الهتاف لسقوط مبارك، كانت الهتافات في المظاهرة تدعو إلى سقوط المجلس العسكري الحاكم.

ولفتت الصحيفة إلى أن مبعث القلق الحالي هو أن الاحتجاجات يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة، وتواجه بقمع عسكري، قد يشكل خطراً على أول انتخابات برلمانية بعد الإطاحة بمبارك.

ونقلت عن ستيفن ماكينيري المدير التنفيذي لمنظمة quot;مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسطquot; في واشنطن، قوله في حوار من القاهرة إن quot;أعمال العنف هذا الأسبوع يجب أن تكون مبعث قلق كبير للغاية في واشنطن. فالناس في ميدان التحرير يرون أن الإدارة الأميركية تدعم المجلس الأعلى للقوات المسلحة... ولا أعتقد أن هذا صحيح تمامًا، لكن هذا هو المفهومquot;.

أما الاضطرابات السياسية في مصر، سيكون لها تداعيات هائلة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وسوف تشكل سابقة مؤثرة بالنسبة إلى الدول الأصغر حجماً في المنطقة، وتحدد ما إذا كان مفهوم الإسلام لدى جماعة الإخوان المسلمين متوافقاً مع الديمقراطية، وبالتالي ستحدد مستقبل العلاقات مع إسرائيل.

في هذا السياق، أشارت الصحيفة إلى أنه quot;على المدى الطويل، هناك تخوف من أن جماعة الإخوان المسلمين، التي أظهرت قوتها من خلال حشد عشرات الآلاف من المتظاهرين يوم الجمعة الماضي، يمكن أن تشكل في نهاية المطاف تهديداً على القيم الديمقراطية وحقوق الأقليات، من خلال فرض حكم ديني محافظquot;.

وقال بريان كاتوليس من مركز التقدم الأميركي، إن quot;الإدارة الأميركية تواصلت بشكل كثيف مع الإخوان لإبقاء الاتصالات مفتوحة، وتشجيع قادة الجماعة على إثبات احترامهم لحقوق الإنسان الأساسيةquot;.

وماكينيري وكاتوليس عضوان في quot;مجموعة العمل المعنية بمصرquot;، وهي مجموعة من الخبراء الأميركيين، اجتمعت قبل بدء الربيع العربي لمناقشة التطورات في مصر، وتقدم الاستشارة للبيت الأبيض.

لكن نتيجة الثورة في الوقت الراهن لاتزال مشوبة بالشك، ولم يتضح بعد ما إذا كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يرغب حقيقة في التخلي عن السلطة، وهذا الشك يؤدي إلى احتجاجات شعبية في الداخل، وتخوف وقلق في الخارج.

وقالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون: quot;إذا استمرت السلطة المصرية (المجلس العسكري) تحكم مصر عبر مسؤولين غير منتخبين، سيكون هذا الأمر بمثابة زرع بذور الاضطرابات في المستقبل، وسيفوّت على المصريين فرصة تاريخيةquot;.

أتت هذه الرسالة بعد استعراض قوى غير اعتيادي يوم الجمعة في مصر، من قبل جماعة الإخوان المسلمين، الذين طالبوا بوضع حد للحكم العسكري، وكذلك بسبب الاحتجاجات التي نظّمها مزيج من المسلمين والليبراليين، الذين واجهوا الشرطة في مواجهات في مطلع الأسبوع.

ورد الجيش بقوة في الشوارع، لكنه تراجع أيضاً عن المقترحات الأولية، ليعلن السبت أن المبادئ التوجيهية الدستورية ستكون استشارية فقط، وليست إلزامية.

ونقلت الـ quot;نيويورك تايمزquot; عن بول جيه سوليفان، المتخصص في الشؤون العسكرية المصرية في جامعة جورجتاون، قوله إن quot;كبار الضباط المصريين ينظرون بجزع إلى المنافسة السياسية الصاخبة، بين جماعة الاخوان المسلمين، والسلفيين الذين يعتبرون الأكثر تحفظاً، إضافة إلى الليبراليين العلمانيين من مختلف المشاربquot;.

وقال سوليفان: quot;الجيش يتخوف من الفوضى، إنهم ينظرون إلى مركب يتصارع فيه 15 شخصاً على إدارة الدفةquot;.

وأضاف: quot;المساعدات العسكرية الأميركية والعلاقات الشخصية بين القادة العسكريين الأميركيين والمصريين تعطي الولايات المتحدة نفوذاً كبيراً، كما إن الجانبين على اتصال يومي رسمي وغير رسمي، لكن المسؤولين الأميركيين يحفظون على سرية اتصالاتهم، لأنه من الضروري ألا تكشف أميركا عن تدخلها في حلّ هذه الأزمة، لأن المصريين قد لا يتقبلون ذلكquot;.

تأتي التغييرات التي يفرضها الربيع العربي في الوقت الذي تشهد فيه أميركا معركة انتخابات رئاسية مستعرة، حيث أعرب المرشحون الجمهوريون عن شكوكهمفي ما يتغلقبالمساعدات الخارجية الأميركية لمصر، ونتائج الربيع العربي، مع اهتمام خاص بمسألة العنف ضد الأقلية القبطية المسيحية في مصر.

بناء على ذلك، هناك تخوف واضح من أن يتحول الربيع العربي إلى حركة إسلامية تستهدف المسيحيين، الأمر الذي لن يعود بنتائج إيجابية على الإطلاق، ويهدد استقرار المنطقة ككل.