صورة لعلي موسى دقدوق في بغداد

تواجه الولايات المتحدة مأزقًا صعبًا قبيل انسحاب قواتها من العراق بحلول نهاية هذا العام، تحديدًا بشأن تسليم آخر المحتجزين في عهدتها، علي موسى دقدوق، المشبته في كونه عضوًا في حزب الله اللبناني، إلى السلطات العراقية، بموجب بنود الاتفاقية الأمنية الموقعة بين واشنطن وبغداد.


بيروت: لا تزال قضية علي موسى دقدوق، الذي يشتبه في أنه عضو في حزب الله اللبناني، موضوع تباحث بين بغداد وواشنطن. فبينما تسعى واشنطن إلى الاحتفاظ بدقدوق، الذي يعدّ أهم معتقل لديها بعد مغادرتهاالعراق، تسعى السلطة العراقية جاهدة، وبموجب بنود اتفاقها الأمني مع الولايات المتحدة، إلى تسلم دقدوق بحلول نهاية العام الحالي.

لكن هذه المسألة المثيرة للجدل، تبقى معلقة حتى الساعة من دون التوصل إلى حل يرضي الطرفين، ويبقى دقدوق وراء القضبان.

في تصريحات لمسؤولين في الإدارة الأميركية، بدا أن هناك تبايناً في الآراء ما بين مؤيد لتسليم دقدوق إلى الحكومة العراقية من أجل طيّ صفحة الوجود العسكري الأميركي في البلاد، وما بين معارض يعتبره سجينًا استثنائيًا quot;رفيع المستوىquot;، ويجب أن يبقى في عهدة أميركا.

في هذا السياق، أشارت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; إلى أن الآراء المتباينة لم تجد قاعدة مشتركة حتى اللحظة للوصول إلى اتفاق نهائي، ونقلت عن مسؤولين من داخل الإدارة الأميركية أنهم يفضّلون محاكمة دقدوق أمام لجنة عسكرية داخل الولايات المتحدة، وأن يتم ذلك في إحدى القواعد العسكرية، أو أن يصار إلى نقله إلى قاعدة غوانتانامو، أو حتى إخضاعه إلى محاكمة مدنية.

ونظراً إلى أن دقدوق ليس مواطناً عراقياً، يرى بعض المسؤولين الأميركيين أن الحكومة العراقيةقد تكون أكثر استعداداً للسماح بجلبه إلى الولايات المتحدة من أجل محاكمته.

مع هذا، أبدى كثير من المسؤولين شكوكهم في إمكانية إتمام تلك الصفقة، خاصة وأنها تأتي في وقت يطالب فيه الكثيرون بإغلاق غوانتانامو، الذي يُعتبر quot;وصمة عارquot; في جبين الإدارة الأميركية.

اعتقلت القوات البريطانية دقدوق في البصرة بتاريخ 20 آذار/مارس من العام الحالي، وهو محتجز لدى القوات الأميركية في معسكر مطار بغداد، إذ كان يحمل أوراقاً عراقية مزوّرة باسم حامد محمد اللامي لحظة اعتقاله في البصرة مع قيس الخزعلي قائد خلايا حزب الله في العراق.

واتهم المعتقل، علي موسى دقدوق، وهو لبناني، يشتبه في أنه ينتمي إلى حزب الله، بالمساعدة على تنسيق غارة في كانون الثاني/ ينايرعام 2007 شنّتها الميليشيات الشيعية في العراق، وأسفرت عن مقتل خمسة جنود أميركيين.

في هذا السياق، نقلت الـ quot;نيويورك تايمزquot; عن تومي فيتور المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، قوله: quot;هناك مداولات جادة ومستمرة حول كيفية التعامل مع هذا الشخص لحماية أفراد الجيش الأميركي والمصالح الأميركية الواسعةquot;.

وتبقى قضية دقدوق معلّقة، بناء على مستجدات حملة عام 2012 الرئاسية، إذ تظهر استطلاعات الرأي أن الأميركيين يوافقون على الانسحاب من العراق بنسبة ثلاثة إلى واحد في المئة، ويستعد الرئيس الأميركي باراك أوباما للإستفادة من هذا التأييد من خلال التأكيد على فكرة أن الجمهوريين مسؤولون عن غزو العراق، وأنه هو الذي قاد الولايات المتحدة للخروج من هذه الحرب.

غير أن الحزب الجمهوري يسعى إلى تأطير انسحاب بعبارات مختلفة بالقول إن quot;أوباما يعرّض الأمن القومي للخطر، من خلال الانسحاب المبكر من العراق، وأنه كان ينبغي أن يقنع العراقيين بالسماح للقوات الأميركية بالبقاء بعد الموعد المتفق عليه من قبل إدارة الرئيس السابق جورج بوش قبل ثلاث سنواتquot;.

وأشارت الصحيفة إلى أن القرار المناسب حول ما يجب فعله بالمعتقل دقدوق يبدو معقداً، فيما الوقت آخذ في النفاد. فالقدرة العسكرية للسيطرة على أي سجين في العراق تتبخر بسرعة، لأن القوات الأميركية تغلق مرافق الاحتجاز التابعة لها، وترسل حراسها إلى وطنهم، في الوقت الذي يطالب فيه الجيش الأميركي من الإدارة التوصل إلى قرار قبل 31 كانون الأول/ديسمبر.

وفي ظل الوضع الراهن، تشير بنود الاتفاقية الأمنية بين واشنطن وبغداد إلى أن دقدوق يجبأن يسلَّم إلى العراقيين من أجل محاكمته، لكن المسؤولين الأميركيين يخشون أن تتم تبرئته أو إطلاق سراحه، كما حصل للعديد من المعتقلين السابقين، الذين برأتهم المحاكم العراقية أو اطلقت سراحهم من دون توجيه أي تهم لهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن الإدارة الأميركية تسعى جاهدة إلى التوصل إلى حلّ في قضية دقدوق، ليس فقط بسبب دوره المشبوه في المساعدة على شنّ هجمات ضد القوات الأميركية، لكن أيضًا لأن إطلاق سراحه يمكن أن يشكل انتصاراً دعائياً لإيران والميليشيات الشيعية العراقية.

وعلى الرغم من أن نقل دقدوق إلى أميركا لمحاكمته من دون إذن من الحكومة العراقية، قد يشكل انتهاكاً لسيادة العراق، يجادل بعض المحافظين بأن الولايات المتحدة لها السيطرة الفعلية على دقدوق، وعليها فقط وضعه على متن طائرة، من دون الحصول على موافقة العراق.

غير أن المسؤولين في الإدارة رأوا أن هذه الخطوة ستكون انتهاكا بارزاً لسيادة العراق، وستضعف العلاقة الاستراتيجية، في الوقت الذي يعتبر الهدف الأساسي هو استبدال ماضي الحرب والاحتلال بنوع من العلاقات الديبلوماسية العادية بين دولتين ذات سيادة.