أوباما مجتمعًا مع المالكي

شدد الرئيس الأميركي باراك أوباما على بناء تحالف عسكري متين مع العراق وعلى دعم الأخير، غير أنه أقرّ بخلاف مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حول الأوضاع في سوريا. وأكد المالكي على حاجة بلاده إلى المساعدة الأميركية، لكنه نفى الحق بطلب التنحّي من الرئيس السوري بشار الأسد.

أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما أن بلاده والعراق يتجهان لبناء تحالف عسكري متين، وأشار إلى وقوف بلادهإلى جانب هذا البلد في مواجهة أي تدخل لدولة أجنبية، ولم يستبعد الاعتداء على موظفي السفارة الأميركية وحمايتهم في العراق، وأقرّ بخلاف مع المالكي حول الأوضاع في سوريا.
من جهته، شدد المالكي على حاجة بلاده إلى المساعدة الأميركية في تحقيق الأمن والتسليح والتدريب ومقارعة الإرهاب. وقال إنه ليس من حقه الطلب من الأسد التنحّي، محذرًا من حرب طائفية هناك، الأمر الذي سيلحق أكثر الأضرار فداحة في المنطقة.
أوباما
وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع المالكي عقب مباحثاتهما في البيت الأبيض في واشنطن الليلة، قال أوباما إنه فخور بالوقوف إلى جانب العراق، وقد أصبح دولة ديمقراطية ذات سيادة، لتفتح صفحة جديدة من العلاقات مبنية على احترام العراق، الذي يواجه تحديات كبيرة من أجل الاستقرار والتطور وإنجاز ترميم البنية التحتية بشكل سيقود معه العراق المنطقة في الإنتاج النفطي. وأضاف إن القوات العراقية وصلت إلى مرحلة جيدة لمقارعة الإرهاب quot;ونحن نؤمن بأن العراق قادر على مواجهة الإرهاب وتحقيق أمن مواطنيهquot;.
وقال إن العراق يجب أن يعرف أنه لن يقف وحده، فالولايات المتحدة قريبة ومساندة له في منع أي تدخل من أي دولة خارجية في شؤونه، والقوات العراقية والأميركية ستبقيان متحالفتين في المستقبل. وأشار إلى أن الولايات المتحدة ستساعد العراق على بناء قوات دفاعية قوية وسياسة عراقية مستقلة وزيادة الإنتاج النفطي.
وأوضح أن بلاده ستساعد العراق على مواجهة التحديات التي يتعرّض لها، والعراق الجديد لا يتدخل في شؤون الجوار، في المقابل فإن سيادة العراق يجب أن تكون محترمة أيضًا. وشدد أوباما على أن بلاده ستدعم عراقًا ذا سيادة، ونبني علاقات قوية جدًا معه، وقال quot;نحن في لحظة تاريخية، ولدينا التزامات من أجل مصلحة العراقquot;.
وأكد أوباما أن الولايات المتحدة تهدف من علاقاتها مع العراق إلى مساعدة العراقيين فيكل القطاعات، وتعزيز القدرات العسكرية لقواتهم، موضحًا أن هناك اتصالات قوية بين إدارة الدولتين، تقوم على المنفعة المتبادلة، وتصبّ في مصلحة شعبي البلدين والمنطقة برمتها.
وحول العدد الكبير للعاملين في السفارة الأميركية في بغداد وحمايتهم، والذي قيل إنه سيبلغ 15 ألف فرد، أشار أوباما إلى أن بلاده تسعى إلى مساعدة العراقيين في القطاعات كافة،ولذلك هناك حاجة إلى هؤلاء الموظفين، بالرغم من إمكانية تعرّضهم لاعتداءات من بعض الجماعات التي لم يسمّها.
وشدد على أن بلاده ستدعم العراق في مقارعة الإرهاب. وأضاف إنه لن يكون هناك أي جندي أميركي في العراق بنهاية الشهر الحالي، ولكن بلاده ستساعد العراقيين بكل أطيافهم ليكون بلدهم نموذجًا في المنطقة.
وحول موقفه من التطورات الجارية في سوريا، قال أوباما إنه ناقش مع المالكي هذه التطورات، quot;وتشاطرنا الرأي بأن السوريين يقتلون كل يوم، وأن الرئيس بشار الأسد قد فوّت فرصة على نفسه بعدم تحقيق الإصلاحات التي تحتاجها بلادهquot;.
وأشار إلى أن للعراق حدودًا طويلة مع سوريا quot;ورغم اختلافنا مع العراق في بعض الأمور، التي تخصّ الوضع السوري، أنا أؤمن بأنه مهما استخدم العراق من قرارات في هذا الأمر سيكون صحيحًا ونابعًا من مصلحة الشعب العراقيquot;، في إشارة على ما يبدو إلى معارضة العراق قرارات العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الجامعة العربية على دمشق.
ورفض أوباما الإجابة عن سؤال يتعلق بإسقاط إيران طائرة تجسس أميركية أخيرًا، وأوضح أنه لايعلق عادة على أمور تخصّ المخابرات.
المالكي
من جانبه قال المالكي خلال المؤتمر الصحافي إن بلاده اتخذت خطوات واسعة لبناء علاقات قوية مع الولايات المتحدة، موضحًا أن هذه العلاقات لن تنتهي بانتهاء الانسحاب العسكري الأميركي، وإنما سيتم العمل باتفاقية الاطار الاستراتيجي الموقعة بين البلدين.. وقال quot;علينا أن ننجح في الصفحة الثانية من العلاقات، وننتقل بها من التعاون العسكري إلى التعاون السياسي والاقتصادي والعلمي والثقافيquot;.
وأكد أن العراق ما زال بحاجة إلى التعاون مع الولايات المتحدة في التدريب والتسليح والتجهيز ومكافحة الإرهاب وحماية السيادة الوطنية. وأشار إلى أن العراق يمتلك من الثروات الكثير، وهو يحتاج مساعدة الشركات الأميركية لاستغلالها، وأعرب عن أمله في أن يكون لهذه الشركات الدور الأكبر في مجال استثمار النفط والغاز وغيرها من المجالات.
وأضاف إنه بحث مع أوباما شؤون تدريب القوات العراقية وتسليحها، وقال quot;نحن في صدد شراء أسلحة اميركية جديدة.. واتفقنا على آليات لتعاون عسكري، فكل منا يحتاج الآخر في تحقيق أمنه ومقارعة الإرهاب وتحقيق هزيمة القاعدةquot;.
وحول موقف العراق من الأوضاع في سوريا، أشار المالكي إلى أن الوضع هناك صعب، وقال quot;نقف مع رغبة الشعب السوري وتطلعه نحو تحقيق أهدافه في الحرية والديمقراطية.. ولكن ليس من حقي الطلب من الأسد التنحّي.. هناك حدود مشتركة طويلة للعراق مع سوريا، وتهمني مصلحة العراق والمنطقة، وأتمنى أن لا يؤثر ما يحصل في سوريا على الوضع في العراق.. ونحن لانشجّع الحصار الاقتصادي لأنه يجهد الشعوب، ولا يؤثر على الانظمةquot;.
وأشار إلى أن بلاده قد اتفقت مع الجامعة العربية على مبادرة اللحظة الأخيرة، وهي تتصل بالحكومة والمعارضة في سوريا، لأن العراق لا يريد تدمير سوريا أو جرّها نحو حرب طائفية، قد يكون من الصعب السيطرة عليهاquot;
لقاء المالكي في واشنطن
تشمل لقاءات رئيس الوزراء العراقي، إضافة إلى أوباما، الاجتماع بنائب الرئيس الأميركي جو بايدن، ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وأعضاء في الكونغرس، للتباحث في شؤون الأمن والطاقة والتعليم والقضاء.
وسيلقي أوباما الأربعاء المقبل خطابًا في قاعدة عسكرية في ولاية كارولاينا الشمالية (جنوب شرق) يحيي خلاله انسحاب آخر الجنود الأميركيين من العراق.
وكان أوباما أعلن في 21 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي انتهاء حرب العراق، وسحب كل القوات الأميركية من العراق بنهاية العام الحالي 2011 بعد تسع سنوات تقريبًا على الغزو الأميركي للعراق، والذي أدى إلى مقتل أكثر من 4400 جندي أميركي. وقال أوباما في البيت الأبيض: quot;بوسعي أن أعلن اليوم، كما وعدت، بأن البقية من قواتنا في العراق ستعود إلى الوطن بنهاية السنة، بعد قرابة تسع سنوات ستنتهي الحرب الأميركية في العراقquot;.
ووقع الرئيس الأميركي السابق جورج بوش والمالكي في بغداد في التاسع عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2008 اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين البلدين، والتي وضعت أسسًا للانتقال بعلاقات البلدين من العسكرية إلى التعاون في المجالات السياسية والدبلوماسية والدفاعية والأمنية والثقافية والاقتصادية والطاقوية والصحية والبيئية.. إضافة إلى التعاون في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والقانون والقضاء.
وشكل البلدان لجنة تنسيق عليا لمراقبة التنفيذ العام لهذه الاتفاقية، وتطوير الأهداف المتفق عليها، على أن تجتمع بصفة دورية بمشاركة ممثلين عن الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة.
يأتي الاجتماع في وقت توشك القوات الأميركية على إكمال انسحابها من العراق بنهاية الشهر الحالي بعد حوالى تسع سنوات من وجودها في هذا البلد، حيث يرافقه في زيارته الحالية، التي تعتبر الثالثة إلى الولايات المتحدة منذ تسلمه منصبه الحالي في أيار (مايو) عام 2006 كل من وزراء الخارجية هوشيار زيباري والدفاع بالوكالة سعدون الدليمي والنقل هادي العامري وكبير مستشاريه ثامر غضبان ومستشاره لشؤون الأمن القومي فالح الفياض.
وقد أبدى عدد من النواب الجمهوريينأخيرًا مخاوف إزاء الوضع الأمني في العراق والنفوذ الإيراني بعد الانسحاب الأميركي. ولا يزال 6 آلاف عسكري وموظف في وزارة الدفاع الأميركية موجودين حاليًا في أربع قواعد في العراق مقابل 170 ألف جندي، و505 قواعد عامي 2007 و2008.
ومن المقرر أن يسلم الجيش الأميركي المسؤولية الأمنية بحلول نهاية الشهر الحالي إلى قوات الأمن العراقية، البالغ عديدها حوالى 900 ألف عنصر، عليهم مواجهة تحديات داخلية وأيضًا الدفاع عن الحدود والمجال الجوي والمياه الإقليمية للعراق، وذلك تنفيذًا للاتفاقية الامنية الموقعة بين البلدين في أواخر عام 2008.
وستبقي الولايات المتحدة مع ذلك 157 عسكريًا و763 متعاقدًا مدنيًا على أرض العراق، سيدرّبون القوات العراقية برعاية السفارة الأميركية.
فبالرغم من جاهزية القوات العراقية على صعيد الأمن الداخلي، إلا أن هذا الأمر لا يعني أنها باتت قادرة على منع كل الهجمات، التي لا تزال تستهدف بشكل شبه يومي مناطق متفرّقة في البلاد.
ويقول الفريق روبرت كاسلن مدير مكتب التعاون الأمني في العراق إن quot;القوات العراقية بنت على مدار السنوات الثماني الماضية قدرات تخوّلها التعامل مع التهديدات الداخلية.. لكن هذه القوات لم تبن بعد قدرة تخولها التعامل مع التهديدات الخارجيةquot;.
وأضاف إن quot;معظم عملنا يتناول التهديد الخارجي، وذلك بهدف تدريب القوات الأمنية العراقية على التعامل مع ذلك، لكون هذه القوات ركزت جهودها أساسًا على التهديدات الداخلية خلال السنوات الماضيةquot;.
ويبلغ عدد أفراد القوات الأمنية العراقية حاليًا حوالى 930 ألفًا، بينهم 650 ألف عنصر شرطة، و280 ألف جندي، علمًا أن عدد عناصر القوة الجوية والبحرية يبلغ حوالى 10 آلاف مقاتل، بحسب أرقام حكومية.
وكان رئيس هيئة أركان الجيش العراقي الفريق بابكير زيباري أعلن في وقت سابق أن القوات العراقية تحتاج سنوات قبل أن تصبح جاهزة بشكل كامل للتعامل مع مسائل الدفاع الخارجي، وأنها لن تكون قادرة على تنفيذ كل مهام الدفاع الخارجي حتى ما بين عامي 2020 و2024.
وأكد أن quot;العراق لن يكون قادرًا على الدفاع عن أجوائه حتى العام 2020 على أقل تقديرquot;، مشيرًا إلى أن quot;جيشًا من دون تغطية جوية يتحول إلى جيش مكشوفquot;.
وكان العراق تقدم بطلب للحصول على 18 طائرة مقاتلة أميركية من طراز quot;اف-16quot;، إلا أنه لا يزال يحتاج سنوات لتسلمها ووضعها في الخدمة. وفشلت مفاوضات بين بغداد وواشنطن بشأن بقاء مجموعة صغيرة من المدربين الأميركيين في العراق بعد عام 2011، بعدما رفض العراق منح الجنود الأميركيين حصانة قانونية، وهو ما يصرّ عليه الجيش الاميركي.
وكان قائد القوات الأميركية في العراق الجنرال لويد أوستن أعلن في الشهر الماضي أنه إن كانت القوات الأمنية العراقية أثبتت كفاءتها في ما يتعلق بالأمن الداخلي، إلا أن الطريق أمامها للتعامل مع الدفاع الخارجي لا يزال طويلاً. واعتبر أن التركيز على الأمن الداخلي كان له تأثير على الاستعدادات للتعامل مع الدفاع الخارجي.
وكان المالكي قال في الأول من الشهر الحالي إن العراقيين quot;واثقون من أن القوات الأمنية جاهزة لتأدية واجباتها الوطنية حيال توفير الأمن وحماية البلادquot;. إلا أنه أقرّ بالحاجة إلى مدرّبين أميركيين، قائلاً quot;هناك حاجة إلى وجود مدربين من أجل أغراض محددةquot;.
وقد أنهت القوات الأميركية رسميًا عملياتها القتالية في العراق في 31 آب (أغسطس) عام 2010، وركزت بعدها جهودها على مهمات التدريب ومنح القوات العراقية مسؤوليات رئيسة في قضايا الأمن، فيما يترقب العراقيون أداء هذه القوات بعد عام 2011.