ستكون الأيام المقبلة أياما حاسمة للنظام السوري بعد اجتماعات المعارضة في تونس للاتفاق على استراتيجية إسقاط النظام وإنذار الجامعة العربية التي أمهلت الرئيس الأسد حتى يوم الأربعاء للكف عن المماطلة وتوقيع بروتوكول المراقبين وبخلافه سيُحال الملف السوري على مجلس الأمن.

برهان غليون واعضاء من المجلس الوطني السوري غداة وصولهم إلى تونس لعقد اجتماع

دمشق: حتى روسيا التي حمت دمشق من الإدانة في مجلس الأمن تقدمت بمشروع قرار الاسبوع الماضي يدعو سائر الفرقاء إلى وقف العنف، بما في ذلك وقف استخدام القوة غير المتناسبة من جانب السلطات السورية.

وأدلى العراق أيضا بدلوه فأرسل وفدا رفيع المستوى الى دمشق في مبادرة سلام عراقية.

ولكن الجهود الإقليمية والدولية تبقى عرجاء من دون اتفاق المجلس الوطني السوري على استراتيجية متكاملة، واضحة المعالم لإقناع المجتمع الدولي بأنه مؤهل للقيام بدور الحكومة الموقتة بعد إنهاء مشاكله الداخلية ورصّ صفوفه.

وبخلاف المجلس الانتقالي الليبي الذي نال اعترافا دوليا من بداية تشكيله تقريبا فان قوى دولية عدة لم تسبغ على المجلس الوطني السوري مثل هذه الشرعية حتى الآن.

يواجه المجلس انتقادات بسبب الصراعات الداخلية بين فصائله وهيمنة التوجه الاسلامي في مواقفه ولأن العديد من اعضائه المقيمين في الخارج لا يمثلون المحتجين في الداخل.

لاحظ مراقبون ان مؤتمر المجلس في منتجع قمرت شمالي العاصمة التونسية أُحيط بالسرية والإجراءات الأمنية المشددة، بل إن العديد من اعضاء المجلس لم يُبلغوا بمكان عقد المؤتمر حتى اللحظة الأخيرة في محاولة لمنع التسريبات.

ونقلت مجلة تايم عن مشاركين في المؤتمر أن البحث تناول من بين قضايا أخرى تحديد ما يريده من المجتمع الدولي وخاصة استجلاء مصطلح quot;الحماية الدوليةquot;.

كما أعد المؤتمر عرضا بمنح الرئيس بشار الأسد حصانة ضد الملاحقة القضائية والرحيل عن سوريا.

وطبقا لنص العرض فإن الأسد يستطيع أن يغادر الى البلد الذي يختاره بحصانة كاملة وتمكين للجيش من بسط سيطرته بالتعاون مع المجلس الوطني السوري، وإلا فانه سيواجه إمكانية فتح ممر انساني بقرار دولي يصبح بنغازي سوريا، على حد تعبير مجلة تايم.

ولكن لا يُعرف كيف سيُنفذ على الأرض التهديد المبطن في quot;وإلاquot; ولا سيما ان تركيا لمحت ولكنها لم تبد رغبة حقيقية في التدخل تدخلا مباشرا في سوريا وان حلف شمالي الأطلسي استبعد هذا الخيار في حين ان الولايات المتحدة التي انسحبت توا من العراق وتتطلع الى الرحيل من افغانستان لا تريد الغوص في ما قد يكون مستنقعا آخر.

ويبدو أن الهدف الحقيقي من عرض الحصانة والمنفى توجيه رسالة الى الطائفة العلوية بأن تفك ارتباط مستقبلها بالرئيس.

وقال مشارك في مؤتمر تونس اطلع على مشروع المقترح ذي الصفحات الثلاث الذي حصلت مجلة تايم أيضا على نسخة منه، أن على العلويين ان يتخلوا عن الأسد ويتركوه يرحل.

ويطلب المقترح من المؤسسة العسكرية السورية ان تمتنع عن مهاجمة الجيش السوري الحر المؤلف من منشقين بقيادة العقيد رياض الأسعد، كما يطالب المشروع بأن quot;يجمدquot; الجيش السوري نفسه ويعلن حياده quot;في النزاع السياسي الداخليquot;.

وتطالب الوثيقة أيضا بمحاكمة جميع من تلطخت أياديهم بدماء سوريين، ولا يُعرف إن كان المحتجون والذين نكبوا بضحايا سقطوا بنيران الجيش سيقبلون هذا المشروع بعد تسعة اشهر من سفك الدماء والتنكيل، وخاصة تسليم دفة الحكم الى العسكريين أنفسهم الذين يبطشون بهم اليوم بصرف النظر عن مشاركة المجلس الوطني السوري في النظام الجديد.

وكان بشار الأسد عمد، على غرار والده حافظ من قبله، إلى تعيين علويين ومجموعة مختارة من نخب مكونات سورية أخرى في مواقع حساسة وفي قيادة الجيش ضامنا بناء درع وقائي لحمته القرابة والمصلحة المشتركة في بقاء النظام.

وان انقلاب قصر أو انقلابا عسكريا سيكون الحل الأسرع لانهاء الانتفاضة المستمرة منذ تسعة اشهر وكلفت حتى الآن 5000 قتيل على الأقل، ولكن الأجهزة الأمنية وخاصة الاستخبارات العسكرية ظلت موحدة على نحو لافت في دعمها للنظام.

ورغم ما يتردد عن استمرار الانشقاقات وانضمام عسكريين هاربين باستمرار الى الجيش السوري الحر فان هؤلاء هم في الغالب من الضباط السنة ذوي الرتب المتدنية والمجندين.

واجتمع العقيد رياض الأسعد مؤخرا مع رئيس المجلس الوطني السوري برهان غليون للاتفاق على جبهة موحدة ضد نظام الأسد ولكن الجانبين يختلفان في استراتيجيتهما لاسقاط النظام.

إذ أصر غليون على بقاء الانتفاضة سلمية في حين انتقل الجيش السوري الحر بصورة متزايدة من موقف الدفاع الى العمليات الهجومية التي تستهدف قوات الجيش.

ولم يكن الجيش السوري الحر ممثلا في مؤتمر تونس ونقلت مجلة تايم عن احد منظمي المؤتمر قوله ان لا داعي لتمثيل الجيش السوري الحر وان quot;رياض الأسعد مسؤول ربما عن خمسة رجالquot;.

وقال مشارك في المؤتمر لمجلة تايم quot;ان الجيش السوري الحر صندوق فارغ من الورق المقوى وهو لا يعني شيئا. كما اننا إذا كنا نريد ان نحاول كسب الجيش فلماذا نأتي بالجيش السوري الحر الى هذا المكان؟

ولكن الجيش السوري الحر يتمتع بتأييد واسع داخل سوريا، بخلاف المجلس الوطني السوري. ويطلق المحتجون والمنشقون على السواء دعوات متزايدة الى السلاح في مواجهة قوات الأسد التي لا تبدي رحمة معهم.

وما لم يقدم المجلس الوطني السوري بديلا صالحا فان الانتفاضة السورية قد تخرج من دائرة العمل السياسي وتنزلق الى نزاع اهلي شامل على أسس طائفية.

وتساءل الناشط السوري عمار عبد الحميد الذي يقيم في الولايات المتحدة عما يمكن ان يفعله المجلس الوطني السوري إذا نال اعترافا دوليا وفقد شرعيته بين المحتجين، وعما يمكن ان يفعله المجلس إذا أخفق في اقناع المجموعات المسلحة الناشئة بقبول سلطة مجلسه العسكري وقيادته.

وانتقد عبد الحميد غياب الشفافية في عمل المجلس الوطني السوري مشيرا الى ان العديد من السوريين المستقلين الذين ارادوا حضور مؤتمر تونس كمراقبين لم يُسمح لهم بالحضور.

وحذر عبد الحميد من انه ما دام المجلس الوطني السوري مغمرا في نيل الاعتراف الدولي اكثر من انشغاله بترصين تلاحمه الداخلي أو تواصله مع شعبه فانه سيصبح نافلا ومنقطعا عن الواقع كالأسد اليوم.