رغم أن الدوريات الأمنية العراقية على الحدود تمسك بالكثير من الماشية المهربّة، إلا أن المهرّبين يعرفون في الكثير من الأحيان كيف يتجاوزون نقاط التفتيش والتحريات عبر مسالك يصعب الوصول إليها من قبل الشرطة، إضافة إلى استخدامهم الليل غطاءً لتمرير خططهم.


الثروة الحيوانية مهددة في العراق بفعل عمليات التهريب

بغداد: يربط خبراء اقتصاد عراقيون ومواطنون، بين ارتفاع أسعار اللحوم والماشية المضطردة في البلاد وبين تهريب المواشي إلى دول الجوار، والذي استفحل إلى درجة كبيرة عبر عصابات وجدت في الفراغ الأمني عبر الحدود المشتركة مع دول الجوار، فرصة لتحقيق أرباح طائلة من جراء عمليات التهريب. وما يثير للانتباه،بحسب الخبير الزراعي، فوزي تركي، أن عملية التهريب تحدث باتجاه واحد، من العراق إلى الخارج. أما التهريب المعاكس فيحدث بكميات ضئيلة جدًا.

تهريب المواشي

ارتفعت أسعار المواشي في العراق بشكل كبير جدًا، حتى وصل سعر الرأس الواحد من الماشية إلى نحو ثلاثمائة ألف دينار عراقي، كما وصل سعر الكيلوغرام من اللحوم إلى نحو عشرين ألف دينار عراقي.

وكانت وزارة الزراعة العراقية أعلنت في هذا الأسبوع عن خطة لمواجهة تهريب المواشي إلى دول الجوار.

وبحسب وكيل وزارة الزراعة، مهدي ضمد القيسي، فإن الخطة تتضمن ترقيم المواشي في كل أنحاء البلاد، الأمر الذي سيمنح الوزارة قاعدة بيانات كاملة عن أعدادها وأماكن وجودها.

لكن المهندس الزراعي قيس المعموري من بابل (100 كم جنوب بغداد)، يرى أن الخطة هذه لكن تكون ناجعة في منع تهريب المواشي إلى خارج الحدود إذا لم ترافقها، ترتيبات أمنية على الحدود المشتركة تحول دون التهريب. ويتابع: quot;لكن الترقيم سيكون ايجابيًا بكل تأكيد في تسهيل تلقيح المواشي وتحسين سلالاتهاquot;.

تناقص الثروة الحيوانية

وبحسب المنظمة العالمية للأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) فإن نحو أربعين بالمائة من الثروة الحيوانية في العراق هربت بعد العام 2003 إلى الدول المجاورة.

ويتابع المعموري أن تنمية الثروة الحيوانية شبه متوقفة في العراق، منذ العام 2000، مما أدى إلى نقص واضح في أعداد الثروة الحيوانية في البلاد بنسبة 33% مقارنة بالعام 1980.

وبحسب المراقب الاقتصادي عادل الربيعي فإن غالبية اقتصاديات القرى الحدودية تعتمد على التهريب بأنواعه كافة،لاسيما تهريب المواشي، الذي يعد تجارة لا تكسد مهما طالت الأيام.

وعلى رغم أن تلك المناطق والقرى الحدودية أصبحت محط أنظار الجهات الأمنية والقوات الأميركية، بسبب تسلل الإرهابيين عبرها إلى داخل العراق، إلا أن ظاهرة تهريب المواشي لم تتوقف يومًا عبر هذه القرى بسبب قدرة المهرّبين على المراوغة وتمويه القوات الحكومية.

ويعزو مربي الأغنام، شاكر هلال، استمرار تهريب المواشي العراقية إلى الجفاف ونقص الأعلاف وانحسار مناطق الرعي، مما شجع الكثيرين على التهريب، حيث يدرّ الرأس الواحد من الماشية المهربة أضعافا مضاعفة من المال مقارنة بسعره فيما اذا تم بيعه إلى قصاب أو مواطن.

يروي تاجر المواشي سعدون حسين من كربلاء (108 كم جنوب غرب بغداد)، كيف ان عملية التهريب تبدأ من السوق، حيث يقبل أشخاص على شراء أعداد كبيرة من المواشي، وبأسعار لا يقفون عندها كثيرًا لقدرتهم على الدفع، بعدها تنقل القطعان المشتراة عبر أدلاء ورعاة ماهرين يعرفون الطرق الحدودية جيداً ليتم نقلها الى دول الجوار.

اتفاقات ثنائية

ويتابع: quot;كل ذلك يحدث عبر اتفاقات ثنائية متعارف عليها، وهي اتفاقيات مستمرة بين أشخاص امتهنوا التهريب، ولهم قدرة كبيرة على المناورة وتخطى الصعاب عند الحدودquot;.

ويقول: quot;في بعض الأحيان تشمل الاتفاقات حرس الحدود أنفسهم، حيث تكون لهم حصة من الأرباحquot;. وعبر عقود كان تهريب المواشي يجري على قدم وساق، لكنه ازداد بشكل كبير بعد العام 2003 بسبب الظروف الأمنية والاقتصادية التي مر بها العراق.

وفي عام 2010 ألقي القبض على عصابة تقوم بتهريب المواشي العراقية من محافظة السماوة جنوب العراق، الى الدول المجاورة، حيث اعترف المهرّبون بوجودشبكات منظمة تضم عشرات الأشخاص ينظمون العمليات عبر عملاء لهم في الدول المجاورة.

أرباح كبيرة

ويتحدث رحيم الأسدي (تاجر ماشية) عن اتجاه بعض التجار في فترة الحصار الاقتصادي في التسعينيات الى تهريب المواشي بسبب ضعف قيمة العملة المحلية وقتذاك، حيث تدرّ العملية أرباحًا كبيرة جدًا، وكان التجار يتقاضون الأثمان بالدولار في وقت كانت قيمة الدينار العراقي تقترب من الصفر.

يحصي الأسدي عشرات التجار العراقيين في الرمادي وكربلاء والنجف والناصرية والموصل، وهم معروفون للجميع، ألّفوا ثروات واسعة من جراء عمليات التهريب.

ويتابع: quot;بعض الأسماء معروفة حتى للجهات الأمنية، لكن سطوة المال والإغراءات التي تقدم للمسؤولين تجعلهم يتغاضون عن كل ما يحدثquot;.

وفي أسواق الماشية في بابل والنجف وكربلاء وبغداد والناصرية، والرمادي، تتردد شخصيات معروفة بتهريبها للماشية، حيث يكتسحون السوق بقدراتهم على شراء الأغنام. ويضيف: quot;بعت قبل نحو شهر عشرة رؤوس أغنام لتاجر، رغم علمي أن غرضه من ذلك التهريب، لكن لا يمكن ردع ذلكquot;.

وأمام القدرة الشرائية الهائلة للمهرّبين، تنعدم أمام المواطن والتاجر البسيط وحتى القصاب فرصة الحصول على رأس ماشية بالمواصفات المطلوبة وبالسعر المناسب. ويقول تاجر الماشية توفيق الجبوري: حين يصل وسطاء التهريب إلى الأسواق، تتضاعف الأسعار.

تمرير خطط التهريب

وعلى رغم أن الدوريات العراقية الأمنية على الحدود تمسك بالكثير من الماشية المهرّبة، إلا أن المهرّبين يعرفون في الكثير من الأحيان كيف يتجاوزون نقاط التفتيش والتحريات عبر مسالك يصعب الوصول إليها من قبل الشرطة، إضافة إلى استخدامهم الليل غطاءً لتمرير خططهم.

ويقول الملازم كامل حسن من شرطة النجف (160 كم جنوب بغداد) وخدم لمدة ثلاث سنوات في دوريات الحدود، ان مناوشات مسلحة تحدث بين الدوريات والمهربين يسقط فيها قتلى وجرحى في بعض الأحيان من قبل الطرفين. ويتابع: المربون في الغالب مسلحون، ويستعدون لاي مواجهة مع الشرطة.

ويروي حسن حادثة إلقاء القبض على ثلاثة مهربين عام 2010، وبحوزتهم ستون رأس غنم معدة للتهريب.

المسؤولية الوطنية

يشير حسن إلى ـن السلطات المعنية تدرك ما يحدث في أسواق المواشي، لكنها تقف عاجزة ن ردع ذلك، لأنها في الغالب عمليات شراء تتم بين شخصين، اتفقا على البيع والشراء.

ويتابع: quot;لا يمكن اتهام شخص ما، اشترى كميات كبيرة من المواشي بأنه سيعدها للتهريب. ويتابع: الحل يكمن في زيادة الوعي وتحمّل روح المسؤولية الوطنية اولا، ثم غلق المنافذ الحدودية، وعرقلة وصول المهربين الى نقاط تجمعاتهمquot;.

أسماء معروفة