رغم أن تجهيز مواد عن المشاهير في مختلف المجالات للبثّ أو النشر الفوري في حال رحيل أحدهم أسلوب مألوف في الصحافة وغيرها من وسائل الإعلام، فقد فاجأت هيئة الإذاعة البريطانية laquo;بي بي سيraquo; الجميع باستعداداتها لنعي وفاة رئيس الوزراء السابق توني بلير.

توني بلير

لندن: أثارت هيئة الإذاعة البريطانية laquo;بي بي سيraquo; خليطًا من الدهشة والامتعاض وسط البريطانيين - وصحافتهم - بعدما عُلم أنها دعت عددًا من كبار الساسة، خاصة العمّاليين، إلى الحديث عن ذكرياتهم مع رئيس الوزراء السابق توني بلير، لغرض البرنامج الرثائي، الذي ستبثه في حال إعلان وفاته.

مصدر الدهشة لا يتمثل في إعداد مادة تنعي أحد المشاهير وهو لا يزال على قيد الحياة، وإنما اختيار توني بلير نفسه. فهو ليس في سنّ متقدمة حقًا (58 عامًا)، ولا يشكو علة مميتة أو حتى سوء الصحة. والواقع أنه صار في العام 1997، عندما كان في سنّ الثالثة والأربعين، أصغر سياسي يتولّى رئاسة الوزراء البريطانية على مدى 200 سنة.

في قمة نشاطه

صحيح أن بلير، الذي تولَّى سدة الحكم على مدى 10 سنوات، من 1997 إلى 2007، عانى في 2003 أعراض أزمة قلبية. لكنها وصفت وقتها بأنها laquo;طفيفةraquo;، ولم تبقه في المستشفى سوى خمس ساعات. أضف إلى هذا أنه يحرص، كما يُعرف عنه، على التمتع بالصحة المبتغاة عبر الغذاء والتمارين الرياضية. وقد سجل سبقًا آخر في العام 2000، إذ صار ابنه الرابع، ليو، أول مولود لرئيس وزراء في 10 داونينغ ستريت على مدى أكثر من 150 سنة سابقة.

ومنذ لحظة تنحّيه عن منصبه في 2007، صار بلير ولا يزال مبعوثًا خاصًا لرباعية الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا إلى الشرق الأوسط. كما انهمك في تقديم الاستشارة لعدد من الشركات والمؤسسات الكبرى، وأقام عددًا من الهيئات الخيرية والاجتماعية والبحثية، آخرها laquo;مؤسسة توني بلير الدينيةraquo; في 2008.وبسبب نشاطه التجاري المكثف أيضًا جمع ثروة تقدرها الصحافة العالمية بأرقام تتراوح بين 15 مليون جنيه و30 مليونًا.

على أن كل هذا لم يقنع laquo;بي بي سيraquo; بأن الأوان مبكر على إعداد برنامجها الذي تنوي بثه مع إعلان وفاته في أي لحظة. وكما هو متوقع فإن مشروعها هذا يسعى - بين أشياء أخرى - لإلقاء الضوء على حروب بريطانيا في عهده وهي البلقان وأفغانستان، وفوق ذلك، العراق.

ويشار إلىأن هذه الحرب الأخيرة هي التي ألقت بظلال داكنة على سنوات ولاياته الثلاث، وتحول دون اعتباره أعظم رئيس وزراء بريطاني على الإطلاق. وهذا رغم إنجازه الأكبر المتمثل في نقل العمال من 18 عامًا في صقيع المعارضة إلى دفة الحكم بعد إعادته بناء الحزب أيديولوجيا في ما يعرف باسم laquo;العمّال الجديدraquo;.

اليزابيث الثانية

وفاة الملكة...

laquo;بي بي سيraquo; ليست جديدة على إثارة النقد والجدل بخوضها في laquo;مناطق حساسةraquo; كهذه. فقد اضطرت في مايو/أيار 2010 لإصدار إعتذار رسمي بعد إعلانها نبأ كاذباً عن وفاة اليزابيث الثانية. فقد فوجئ مستمعو استديوهاتها في منطقة الميدلاندز الانكليزية بقطع مسار برنامج منوعات، ليعلن مذيع بصوت مشحون بالعاطفة عن نبأ وفاة الملكة متبوعًا بالنشيد الوطني.. لكنه أعلن بعد قليل أن الأمر لا يتعدى كونه مزحة!.

وغني عن القول إن عاصفة من الاحتجاجات هبّت فورًا، واضطرت laquo;بي بي سيraquo; لإصدار اعتذار رسمي. وقال متحدث باسمها إن المزحة لا تليق بهيئة الإذاعة البريطانية، وإنها تعتذر للأمّة من دون تحفظ أو شرط.

وأضاف قوله: laquo;رغم أن المذيع أوضح فورًا وبجلاء أنه ألقى بالنبأ على سبيل الدعابة لا أكثر، فإن بي بي سي لا تسمح بهذا النوع من المزاح، الذي يتعلق بمشاعر الأمّة، وتقدم لها الاعتذار الواجبraquo;.

... وجنازة ثاتشر

رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، البارونة مارغريت ثاتشر، أيضًا لم تسلم من هذا النوع من الأخبار. ففي أعقاب إقصائها في تشرين الثاني/ نوفمبر 1990 راجت أنباء أفادت أنها توفيت بالسكتة القلبية في أعقاب إصابتها بالاكتئاب المَرَضي.

تاتشر

ورغم أن laquo;بي بي سيraquo; لم تكن هي الطرف، الذي أعلن عن هذا النبأ، فقد مضت في تشرين الأول /أكتوبر 2010 لدعوة المستمعين إلى حوار عمّا إن كان حريًا بالأمّة أن تقيم جنازة دولة للبارونة، التي حكمت البلاد 11 عامًا من 1979 إلى 1990.

وكانت بي بي سي تحتفل وقتها بعيد ميلاد ثاتشر الخامس والثمانين. وصحيح أن laquo;السيدة الحديديةraquo; كانت قد وقعت فريسة للصدأ ممثلاً في إصابتها بالخرف منذ العام 2000، كما ورد على لسان ابتنها كارول في كتاب مذكراتها. لكن النقاد - خاصة المحافظين - اعتبروا برنامج الهيئة مخلاً بأصول اللياقة، لأنه افترض أن ثاتشر في حكم المتوفاة.

ولو كان هذا هو الحال مع امرأة في منتصف ثمانيناتها، فماذا يُقال عن توني بلير، الذي لم يبلغ ستيناته بعد، ويبدو أهلاً للتمتع بحياة معافاة لسنوات طويلة مقبلة؟.