يبدو أن مصير رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني معلق بالنساء كيفما إتجه، وبعدما تظاهرت مئات الألوف من النساء الإيطاليات ضده يوم الأحد، صدر بحقه يوم الثلاثاء قرار إتهام رسمي بممارسته الجنس مع عاهرة قاصرة واستغلال منصبه للتستر على العلاقة. ومن المقرر ان تبدأ جلسات محاكمته في 6 نيسان ـ ابريل المقبل أمام ثلاث قاضيات.


بلغت متاعب رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني مع النساء ذروة جديدة لا أحد يعلم كيف سيفلت منها هذه المرة. فبعدما تظاهرت مئات الألوف من النساء الإيطاليات ضده يوم الأحد صدر بحقه يوم الثلاثاء قرار إتهام رسمي بممارسته الجنس مع عاهرة قاصرة واستغلال منصبه للتستر على العلاقة.

وأقرت القاضية كريستينا دي تشينسو في إصدار قرار الاتهام بوجهة نظر الإدعاء العام القائلة ان قوة الأدلة ضد رئيس الوزراء الإيطالي قوية بما فيه الكفاية لتسويغ الشروع في محاكمته على وجه السرعة. ومن المقرر ان تبدأ جلسات المحكمة في 6 نيسان ـ ابريل المقبل أمام ثلاث قاضيات.

أنعش قرار الاتهام الصادر بحق برلسكوني حظوظ المعارضة الايطالية المنقسمة، وقدم حجة جديدة بيد القائلين ان الثقافة الإيطالية ما زالت متخلفة حين يتعلق الأمر بحقوق المرأة مشيرين الى انها ثقافة تساهم إمبراطورية برلسكوني الإعلامية بقسط كبير في تكريسها.
وفي هذا الشأن قالت عضو البرلمان عن الحزب الديمقراطي الايطالي اليسيا موسكا لمجلة تايم الاميركية انه quot;الى جانب سلوك رئيس الوزراء الذي أجده سلوكًا منحرفًا للغاية فإن المشكلة تتعلق بكل نواحي الحياةquot; في ايطاليا واقتصاد البلد. وأوضحت النائبة ان نسبة الايطاليات العاملات من أدنى النسب في أوروبا وهن يتحملن القسط الأكبر من الأعباء المنزلية ويعانين من تردي الخدمات ذات العلاقة ونقصها، بما في ذلك دور الحضانة.

ودعت موسكا الى استقالة برلسكوني على الفور والتسليم بحكم القضاء، لكنها أضافت ان مسؤولية تقع على عاتق المجتمع الإيطالي لمعالجة قضية تمس جميع القطاعات.

صدر قرار الاتهام بعد أسابيع من الوقائع التي أخذت تتكشف تباعا لترسم صورة من الحفلات الماجنة في قصور برلسكوني، أو quot;بونغا بونغاquot;، كما تسميها بنات الهوى اللواتي كن نجوم هذه الحفلات يرتدين فيها أزياء ممرضات تارة وبزات الشرطة تارة أخرى للترفيه عن الضيوف.

ويواجه برلسكوني (74 عامًا) الذي ينفي أي علاقة له بهذه الحفلات، تهمة ممارسة الجنس مع راقصة مغربية تُدعى كريمة المحروق حين كانت لم تزل قاصرة في السابعة عشرة من العمر. كما يتهم الادعاء العام رئيس الوزراء باستغلال منصبه حين اتصل بمركز شرطة بعد اعتقال كريمة بتهمة السرقة قائلا لضباط الشرطة انها حفيدة الرئيس المصري حسني مبارك في حينه ، ودعاهم إلى الافراج عنها لتفادي وقوع أزمة دبلوماسية.

الأشد مدعاة لقلق النساء الايطاليات بصفة خاصة انتشار الرأي الذي سلطت فضيحة برلسكوني مزيدًا من الضوء عليه بأن ايطاليا اصبحت بلدا يوفر فيه الجنس طريقا مضمونا الى الشهرة والنجاح. فإن نيكول منيتي على سبيل المثال المتهمة مع شخصين آخرين بالسمسرة وتوفير العاهرات لحفلات برلسكوني، كانت فتاة استعراضات وموظفة صحية سابقًا لكنها أُدرجت على قائمة برلسكوني بوصفها عضو مجلس بلدية في إحدى المقطاعات.
وأفادت تقارير صحفية إيطالية ان تسجيلاً مسربًا لمكالمة هاتفية يكشف أن كريمة المحروق المعروفة أيضا بلقب quot;روبي خاطفة القلوبquot; قالت لصديقها وقتذاك ان برلسكوني وافق على طلبها بأن يدفع لها مليوني يورو تعويضاً عما لحق بسمعتها من ضرر بسبب الإتهامات وأنه طلب منها quot;ألا تخبر أحدًا أي شيءquot;.

تظاهرات نسائية إحتجاجية

في سياق متصل، كانت الأيام الماضية شهدت تظاهرات في اكثر من 200 مدينة وبلدة ايطالية بمشاركة واسعة من النساء احتجاجا على معاملة المرأة في ايطاليا. ورُفعت في هذه التظاهرات شعارات تطالب بتنحي برلسكوني. إذ يشعر كثير من الايطاليين ان رئيس وزرائهم مرغ اسم بلدهم في الوحل، بينما أخذت مواقع إلكترونية إيطالية تستعرض تغطية الصحافة الأجنبية لتطورات الفضيحة.
وقالت السينمائية لوريلا زناردو التي أخرجت فيلما وثائقيا عن صورة المرأة في الإعلام الإيطالي quot;ان الكيل طفح بفضيحة روبي. فالمرأة الإيطالية تعمل طبيبة ومهندسة وأمًّا، لكننا في قفص حين يتعلق الأمر بتصويرنا على القنوات التلفزيونية التي يملكها رئيس الوزراء حيث نكون مجرد مواضيع جنسيةquot;.

قرار الإتهام يقلق برلسكوني

لدى سماعه بصدور قرار الاتهام، ألغى برلسكوني مؤتمرًا صحافيًا في صقلية وعاد الى روما للإجتماع مع محاميه ومستشاريه. وينفي رئيس الوزراء وكريمة المحروق ممارسة الجنس مع أحدهما الآخر، على الرغممن أن المحروق التي بلغت الثامنة عشرة الآن تلقت مالاً ومجوهرات من برلسكوني.

ويعترف برلسكوني بالإتصال بمركز الشرطة طالبًا الإفراج عنها، لكنه يقول انه كان يقوم بواجبه محاولاً تفادي حدوث أزمة دبلوماسية. ومن المتوقع ان يحتج محامو برلسكوني بأن عمر المحروق يزيد عامًا على ما تشير إليه الوثائق الرسمية.

وكان برلسكوني وحلفاؤه قد دأبوا على القول ان الاتهامات الموجهة اليه من صنع قضاء مسيس عازم على إضعاف رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطياً.
مصيره بيد ثلاث قاضيات

إستأثر خبر تعيين ثلاث قاضيات لمحاكمة برلسكوني بإهتمام واسع في تغطية الفضيحة.وقالت صحيفة فاميليا كريستيانا الكاثوليكية الأسبوعية في إفتتاحيتها ان الحكم بيد ثلاث سيدات وأن أول كلمة تخطر على البال هي quot;القدرquot;. لكن مراقبين إعتبروا ان ذلك صدفة من مصادفات القدر لأن القضاة في إيطاليا يُعينون على أساس دوري بحت. ولم يخف خصوم برلسكوني سرورهم بتعيين ثلاث قاضيات لمحاكمته في حين أعرب أنصاره بصراحة عن جزعهم.
ونقلت صحيفة الغارديان عن محامي برلسكوني سابقًا وعضو حزبه حاليًّا غايتانو بيكوريلا قوله ان تشكيل هيئة المحكمة من ثلاث قاضيات quot;أسوأ ما يمكن التفكير فيهquot; وأضاف ان هناك جرائم وخصوصًا الجرائم الجنسية تكون المرأة أشد تحسّسًا وإهتمامًا بها، وايضًا أكثر اندفاعًا في ما يتعلق بدرجة الحكم.

القاضيات الثلاث هن جوليا توري واورسولا دي كريستوفورو وكارمن ديليا. وستكون رئيس الهيئة القاضية توري التي نظرت في قضايا صعبة بينها التحقيق مع مدراء في شركة غوغل بتهمة التهرب من الضرائب في عام 2009، وفي تموز ـ يوليو الماضي أمرت بوضع عدة أشخاص تحت الإقامة الجبرية في قضية تتعلق بتعاطي المخدرات والمتجارة بها في النوادي الليلية في ميلانو. وفي عام 2008 أمرت توري بمحاكمة ماسيمو ماريا بيروتي الذي تربطه علاقة وثيقة ببرلسكوني بتهمة تبييض الأموال.

ونقلت صحيفة الديلي تلغراف عن المحامي المختص بالقضايا الجنائية فابيو بيلوني انه التقى بالقاضيات الثلاث خلال عمله في المحاكم وان انطباعه عنهن أنهن قانونيات من الطراز الأول، وكن دائما دقيقات يؤدين واجباتهن بحرص شديد وكفاءة عالية.

وقال المحامي جوزيب فاسياغو من ميلانو ان وجود ثلاث قاضيات في هيئة المحكمة ليس غريبًا ولكنه من سخريات القدر في حالة برلسكوني المتهم بممارسة الجنس مع فتاة قاصرة. وهي تهمة ينفيها برلسكوني قائلاً انها بلا أساس.

ووصف الكاتب البريطاني توبياس جونز ايطاليا بأنها quot;البلد الذي نسته الحركة النسويةquot; حيث تأتي بالمرتبة 74 من اصل 134 بلدًا وراء ملاوي وكازخستان على مؤشر الفجوة بين الجنسين الذي يعده المنتدى الاقتصادي العالمي. وباستثناء مالطا، فإن في ايطاليا ادنى نسبة من النساء العاملات بين دول الاتحاد الاوروبي.