إيهود باراك إلى جانب بيني غانتس

أعاد تولي الجنرال بيني (بنيامين) غانتس رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي، إلى الأذهان الحرب الأزلية القائمة في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، والتي بدأت منذ تأسيس الجيش الإسرائيلي عام 1948، وللجيش الإسرائيلي مكانته وحالته الخاصة في الحياة العامة في اسرائيل، منذ إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول دافيد بن غريون عن تأسيس الجيش بعد 11 يوما من إقامة دولة اسرائيل، حيث كان الالتحاق به يشكل مفخرة واعتزاز للشعب اليهودي، والمركب الأساسي في صقل المجتمع الإسرائيلي المكون من مجموعات مهاجرين استجلبت إلى فلسطين المحتلة عام 1948.



التجنيد في صفوف الجيش الإسرائيلي بالنسبة إلى الإسرائيليين ليس مجرد عمل دفاعي عن الوطن في وجهة التهديدات الخارجية للدولة، إذ يشكل الجيش عامل الترابط بين أفراد المجتمع اليهودي الإسرائيلي، الذي هو عبارة عن تجمع لجاليات يهودية من مختلف دول العالم، وعلى العكس من غالبية دول العالم فالجيش الإسرائيلي يعتبر بوتقة لانصهار هذه الجاليات، إضافة إلى كونه عنصرًا استيطانيًا وتربويًا.

ويلعب الجيش دورًا مهمًا في مهمة توسيع حدود اسرائيل، فيما يلعب ضباطه دورًا مهمًا في الحياة المدنية، وكثيرا ما يتبوأ كبار الضباط بعد خروجهم إلى quot;دكةquot; الاحتياط دورًا كبيرًا في الحياة السياسة، وفي كثير من الأحيان بلورة السياسات الخارجية لدولة اسرائيل.

ميزانية دفاعية كبيرة
تخصص اسرائيل حيزا كبيرا من حجم موازنتها السنوية للأمن من الموازنة العامة للدولة، بادعاء المحافظة على التفوق العسكري في المنطقة، وفي ظل الحديث عن تعاظم المخاطر المحدقة بدولة اسرائيل إن كان ذلك إيرانيا أو من قبل فصائل الرفض والحركات الإسلامية الراديكالية في لبنان وفلسطين، وخطر نشوب حرب على جبهات عدة، ونشوء تحالفات جديدة في الدائرة الإقليمية، ما يدفع كثيرين في ظل المتغيرات لإبداء الخوف على إسرائيل بسبب المفارقات التي يعيشها.

حرب الجنرالات صراعات أزلية
يوم الاثنين الماضي، تسلم الجنرال بيني (بنيامين) غانتس قيادة أركان الجيش الإسرائيلي، بعد خلافات حادة وصلت إلى حد القطيعة بين وزير الأمن أيهود باراك ورئيس هيئة أركان الجيش المنتهية ولايته غابي اشكنازي، بعد قرار الأول إنهاء ولاية رئيس الأركان وعدم التمديد له سنة خامسة، وحول هوية القادة العسكريين المنوي تعيينهم في مناصب جديدة.

الصراع بين الجنرالين ليست حدثاً غريباً في إسرائيل، وهذا الصراع يشكل فصلا من quot;حرب الجنرالاتquot; الأزلية، وسط مؤسسة مليئة بـ quot;المؤامراتquot;، هذه الحرب ليست بالحرب التقليدية، ولا يتخللها الرصاص، لكنَّها مليئة بالمؤامرات، إذ يخوض طرفا الصراع حربهما التقليدية ضد quot;عدوٍquot; مشترك.

وقد انفجر صراع شخصي وسياسي بين وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك ورئيس أركان الجيش غابي أشكنازي بشكل علني على خلفية الإعلان عن تمديد فترة أشكنازي لسنة أخرى، بسبب التوتر في الأوضاع الأمنية وخطر انفجار حرب جديدة.

ترافق الصراع بين الرجلين مع تنامي شعبية اشكنازي، التي تمنحه إمكانية أن يكون مرشحًا لقيادة إسرائيل في المستقبل، وطرح اسمه كأحد المرشحين المحتملين لقيادة حزب quot;العملquot;، الذي انشق عنه باراك، وقد يكون بمقدوره أن يعيد الحزب إلى السلطة بعد حالة التقهقر والتراجع التي مني بها الحزب بعد اغتيال رابين، وخسارة باراك رئاسة الوزراء في شباط/فبراير 2001 لمصلحة ارئيل شارون آنذاك.

نهاية اشكنازي
في عام 2005 وضع وزير الأمن الإسرائيلي شاؤول موفاز وبدعم من رئيس الوزراء آنذاك ارئيل شارون نهاية لحياة رئيس الأركان موشيه يعلون العسكرية، حين قررا عدم تمديد ولايته عاماً إضافيّاً كما كان متّبعاً مع سابقيه. كانت خطوة موفازمهمّاته قبلابة نزع الثقة عن قائد الجيش. حيث أنهى يعلون مهمّاتهقبل أسابيع من تنفيذ quot;فك الارتباطquot; عن قطاع غزة، وغادر مقرّ القيادة وفي قلبه مرارة لم تمحُها الأيام.

في شباط/فبراير عام 1987، اقتربت ولاية قائد هيئة الأركان موشيه هليفي من نهايتها، وكان الجنرال دان شومرون، نائباً لهليفي، وربطته علاقة شائكة مع قائده، لم يرَ هليفي في شومرون خليفةً له نظراً إلى حرب دارت رحاها بين الاثنين، ولم تضع أوزارها ذات يوم.

وأراد ليفي تعيين شخص آخر، لكنه وقف عاجزاً أمام تلك الحقيقة لأنَّ صلاحيته منزوعة، وخصوصاً أن وزير الدفاع في آنذاك، يتسحاك رابين، رغب بشدّة في تعيين شومرون. وقام هليفي بتفجير قنبلة من العيار الثقيل ضد شمرون حين انتشرت شائعات في صفوف الجيش الإسرائيلي عن quot;الميول الجنسية لشومرونquot;، وتدحرجت الشائعات مثل كرة ثلج داخل أروقة المؤسسة العسكرية وزادت تفاصيلها.

وثيقة غالانت أخر الفضائح
quot;وثيقة غالانتquot;، التي كشف عنهاالصحافيان روني دانييل وأمنون أبراموفيتش على القناة الإسرائيلية الثانية، أظهرت مدى العطب القائم في المنظومة العسكرية الإسرائيلية، التي صدرت من مكتب للعلاقات العامة، وهي تتضمّن quot;توجيهاتquot; لمساندة قائد المنطقة الجنوبية السابق يوآف غالانت ليصبح رئيساً لهيئة الأركان بوساطة تعميق الخلاف بين رئيس هيئة الأركان الحالي غابي أشكنازي ووزير الدفاع إيهود باراك (الرئيس السابق لهيئة الأركان).

واستعرضت الوثيقة آنذاك بروفيل إيجابي للجنرال غالانت، وبروفيل سلبي للجنرال بيني غانتس (الذي عين في نهاية المطاف منصب قائد هيئة الأركان العامة، أو تسويقه كخليفة لرئيس جهاز الأمن الإسرائيلي العامة quot;الشاباكquot; يوفال ديسكين.

وفضحت الوثيقة عطب متراكم منذ سنوات. وطرحت سؤال شغل الكثيرين، وكشف عن تفاصيل وكواليس المؤسسة العسكرية، وكشف عن ملامح المعارك الشخصية داخل القيادة. وصفها المعلّقون بـquot;الفضيحة الأكبرquot;.

احتلت هذه الحرب عناوين بارزة في الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية، واعتبرت هذه الحرب إساءة لجيش وسمعته ولثقة الشارع الإسرائيلي به، وذكرت صحيفة quot;يديعوت أحرونوتquot; عن ضابط كبير قوله إنه بات يخجل من الحرب المتواصلة بين باراك وأشكنازي، وانه مع نشر الوثيقة، أصبحت الحرب قذرة أكثر...

وقد أفردت وسائل الإعلام لها حيزًا كبيرًا، وأخذت تتابع القضية من جوانبها كافة، ووصل الحد فيها إلى نعتها بالمعركة القذرة التي تدور حول منصب الجندي رقم واحد، في جيش الشعب، وكتب حينها يوسي يهوشع في quot;يديعوت احرنوتquot;. وطرح سؤال فيما إذا كان يدور الحديث عن مؤامرة للتأثير على السباق نحو رئاسة الأركان ndash; أم تزييف يرمي إلى تشويه سمعة اللواء قائد المنطقة الجنوبيةquot;.

واعتبرها المحلل السياسي في quot;هآرتسquot; الوف بن هناك سلسلة من الدسائس والحيل الدعائية تقف وراء نشر quot;وثيقة غالانتquot; في حينه، ويبين لنا قادة الأجهزة الأمنية مرة أخرى عدم الإحكام، والاستخفاف بالعدو والانشغال الزائد بالحيل والصور الإعلامية، التي تنتهي إلى يأس وتحقيقات.