ثقافة غرس روح العلم والبحث لدى الصغار في المدارس الألمانية هي محل إهتمام السلطات، فألمانيا دولة متفوقة علميا وترى مستقبلها في أطفالها، لذلك تحرص على أن تبدأ بالإهتمام بالطفل في سن مبكرة.

ميونيخ: أحدث الإبتكارات في المدارس الألمانية من أجل تنمية مهارات الأطفال وقدراتهم العلمية هي تنظيم في زيارات جماعية للأطفال إلى الجامعات الألمانية للتعرف عليها وعلى قاعات المحاضرات بل والإستماع الى بعض المحاضرات التي تجري خصيصا لهم من قبل بعض الأساتذة في الجامعة.

الفكرة بدأت عام 2002 وقد حققت نجاحا جعلها حالة تتكرر سنويا، فالجامعات تفتح أبوابها مرة في الشهر لأربعة شهور متتالية إبتداءً من شهر فبراير في كل عام، والسن المسموح للإلتحاق بهذه الزيارة هو من 8 إلى 12 سنة.

أكثر من أربعين كلية مختلفة فتحت أبوابها هذا الشهر في جامعة لودفيج مكسمليان في ميونيخ لتلامذة المدارس للتعرف على الحياة الجامعية عن قرب وعلى الدراسة.

كثيرون من أهالي التلاميذ تعجبهم تلك الفكرة المبتكرة، ويجدونها مظهراً جيداً ومتحضراً في أن تفتح الجامعات الألمانية أبوابها ولأوقات محددة يجلس فيها الأطفال في قاعة المحاضرات تحت إشراف أساتذة الجامعة الذين يقدمون محاضرات للأطفال عن فروع العلم المختلفة تتناسب مع سنهم الصغيرة.

تتنوع المحاضرات التي يستمع إليها التلامذة، فعلى سبيل المثال ألقيت عليهم محاضرة حول إختراع الطباعة وتطورها وكيف أنها جعلت العالم أكثر تطوراً. كذلك كان هناك محاضرة عن اللغة الألمانية واللهجة البافارية التي تختلف في طريقة نطقها عن الألمانية الأم. وفي الشهر القادم سيستمع الأطفال إلى محاضرة عن الديانات المختلفة التي تسود العالم، كذلك عن محاضرة عن الصناعة في مصر القديمة.

في صباح يوم زيارة التلاميذ للجامعة كانت quot;إيلافquot; شاهدة على هذا التجمع من التلامذة الصغار الذين وصل عددهم أمام ساحة الجامعة إلى حوالي 800 تلميذ. المشهد يبدو مثيراً، أب يصحب طفله الذي لم يتجاوز الثامنة ويبدو فخوراً بإهتمام ابنه بالجامعة ويقول عن ذلك quot;أتيحت لنا هذه الفرصة عندما كانت زوجتي تقرأ جريدة quot;ذي دويتشه تسايتونجquot; وقرأت خبراً عن زيارة التلامذة للجامعة وعلى الفور صاحت ان هذا يناسب إبننا فانضممنا إلى التلامذة الزائرين للجامعة هذا اليومquot;، ويستطرد قائلا ان هذا مهم لطفلنا جدا فالأطفال محتاجون إلى أشياء جديدة دائما من أجل التعليم وتطوير العقل، وإذا لم تتح لهم الفرصة لتطوير إهتماماتهم فسيبقون جالسين أمام التليفزيون لساعات طويلة دون ان يحصلوا على أية فائدة تحسب لهم.

تقول الكيميائية دورست رينمار التي حضرت مع طفلتها ذات الثمانية أعوام إنه من المهم جدا ان يتعلم الأطفال من أساتذة محترفين، أما عندما يصل بهم الأمر إلى الإستماع من أساتذة الجامعة فإن ذلك أمر مهم للغاية.

جدة تبلغ من العمر 66 سنة تصحب حفيدها وتقول إن ذلك جيد للأطفال ان يتعلموا، وطبعا التعليم مستقبلا في الجامعة هو جيد بالفعل لهم.

وإحدى التلميذات الصغيرات تتكلم في براءة عن انطباعها عن الجامعة وما استمعت إليه من محاضرة وتقول انه مثل فيلم سينمائي.

أما الطفلان جاكلين ودانييل وهما في التاسعة والعاشرة من العمر تباعاً، فهما يريدان دراسة الطب مستقبلا ويقولان عن محاضرات الجامعة لقد رأينا الجسم التشريحي للإنسان في معامل كلية الطب، ورأينا العظام وكيف تتكسر وحدثونا أيضا عن القلب وعملية التنفس عند الإنسان.

إحدى قاعات المحاضرت كان يجلس فيها أكثر من خمسمئة طفل، يشرح لهم البروفوسير هارولد ليش معنى المحاضرة ويقول لهم هل تعرفون لماذا سميت بالمحاضرة وماذا تعني المحاضرة ؟ ويحاول الأطفال الإجابة بثقة كبيرة في النفس في هذه السنوات المبكرة من العمر.

بعد المحاضرة يتجول الأطفال في أقسام الكليات المختلفة، ففي كلية الهندسة يتعلمون كيف تسير السيارة بواسطة الطاقة الشمسية، وفي معامل الكيمياء يتعرفون على كيفية مساعدة الكيمياء في خدمة البشرية، ويلبس الأطفال النظارات الواقية من الكيماويات والقفازات الواقية ليستطيعوا محاكاة الواقع المعملي ومن ثم يقوم أستاذ بمرافقتهم ويشرح لهم أهمية الكيمياء في الصناعات.

وفي كليات الحقوق يستمعون إلى محاضرات عن تطبيق الغرامات ولماذا تفرض على سبيل المثال. وفي نهاية الجولة تعقد جلسة مشتركة يجيب فيها الأساتذة عن استفسارات الاطفال.

يقول البروفوسير توماس هويله ان الأطفال أذكياء للغاية ويسألون أسئلة صعبة جداً وتتناول تفاصيل دقيقة جدا في العمل.