تواجه بريطانيا غضبًا داخليًا وخارجيًا متناميًا بسبب الوشائج الوثيقة التي ظلت تربطها بالنظام الليبي منذ زيارة رئيس الوزراء السابق توني بلير التاريخية ومصافحته الشهيرة زعيم ليبيا معمّر القذافي قبل سبع سنوات.


متظاهرون ضد نظام القذافي خلال تجمع امام السفارة الليبية في لندن

بخلاف جماعات المعارضة وحقوق الإنسان البريطانية التي رُوّعت بالأحداث الدموية الرهيبة في بنغازي وطرابلس وغيرها ورسالة سيف الإسلام القذافي النارية عن laquo;الحرب الأهلية وأنهار الدم والقتال.. إلى الرصاصة الأخيرة وإشعال النفط الليبيraquo;، انضمت أصوات أخرى إلى تلك الجماعات تدين الموقف البريطاني المدفوع بالمصالح التجارية في ما يبدو.

فقد تساءلت الأمم المتحدة وواشنطن عن مبررات بقاء العلاقات التجارية بين لندن ووطرابلس وتبادل النفط والسلاح. وألمح ممثل الهيئة الدولية إلى أن بريطانيا يمكن أن تعتبر laquo;شريكًا في ما يشهده العالم من مجازر يرتكبها النظام الليبي في حق مواطنيهraquo;. ووصف السفير الأميركي في لقاء مع تلفزيون laquo;بي بي سيraquo; التعامل البريطاني مع القذافي laquo;وكأنه مواطن صالحraquo; بأنه laquo;خطأ جسيم لا يغتفرraquo;.

جاء هذا على خلفية التقارير التي كشفت أن الأسلحة الفتاكة التي تتصدّى بها قوى الأمن في ليبيا - والبحرين أيضًا - وقتل بها 300 شخص على الأقل في بنغازي وحدها بريطانية الصنع. وتشمل هذه الأسلحة المستخدمة لمواجهة المطالبين بحرياتهم في ليبيا والبحرين بنادق الصيد ذات الرصاص المتشظي والقنابل الصاعقة، إضافة إلى أسطوانات الغاز المسيل للدموع.

يذكر أن قيمة الذخيرة التي تسلمتها طرابلس العام الماضي وحده بلغت 5.12 مليون دولار. هذا عدا الأسلحة الحربية البريطانية التي ظلت تتدفق على ليبيا منذ العام 2004 مع رفع العقوبات الاقتصادية عنها، وهي الأسلحة نفسهاالتي لجأت اليها قوات الأمن والجيش في بنغازي وغيرها.

تأتي أكبر حملة دموية على يد النظام الليبي، وهو قد تجاوز عقده الرابع الآن، بعد سبع سنوات مما سمّي بـlaquo;صفقة في الصحراءraquo; بين توني بلير ومعمّر القذافي، فتح بها رئس الوزراء البريطاني وقتها لطرابلس الباب الى أوروبا مقابل النفط الرخيص وعقودات للشركات البريطانية بقيمة مليارات الدولارات. كل هذا تبعًا لما تداولته الصحافة البريطانية الغاضبة إزاء رد الفعل laquo;الوحشيraquo; الصادر من نظام القذافي على مظاهرات الشعب الأعزل.

على سبيل المثال، تقول صحيفة laquo;ديلي ميلraquo; إن 150 شركة بريطانية على الأقل تتاجر على الأراضي الليبية. ومن هذه laquo;بريتيش ايرويزraquo; وlaquo;بريتيش هوم ستورز - بي إتش إسraquo; وlaquo;ماركس آند سبينسر - إم آند إسraquo; وlaquo;مونسونraquo; وlaquo;آكسيسورايزraquo; ومصرف laquo;آتش إس بي سيraquo; وlaquo;لاند روفرraquo; وlaquo;رينتوكيلraquo; وغيرها من العديد من أكبر الأسماء التجارية في بريطانيا ومناحي العالم المختلفة.

القذافي وبلير في طرابلس- ارشيف

من جهتهاأوردت صحيفة laquo;تليغرافraquo; أن اليقين الوحيد وسط حمّام الدم في ليبيا هو أن القذافي سيفعل كل من ما شأنه لحماية جلده وبغض النظر عن الثمن. فهو أقدم حكام أفريقيا وسياسي ذكي طموح بدأ التخطيط للانقلاب على مليكه وهو طالب. ومنذ تسلّمه السلطة وهو في السابعة والعشرين من عمره، انهمك في قتل معارضيه وسحق الجهاديين وتمويل الإرهاب الدولي وشنّ الحروب على جيرانه.

ونقلت الصحيفة عن مدونة شخصية على الإنترنت laquo;بلوغraquo; قول صاحبها إن القذافي - بعد تورّطه في حرب تشاد الأهلية - أرسل ذات يوم حافلات إلى مدرسة، قيل لتلاميذها إنها ستأخذهم في رحلة خلوية. لكن الوجهة الحقيقية للحافلات، التي كانت تكتظ أيضًا بالبنادق، كانت هي جبهات القتال. وفي ما بعد أصدر الزعيم الليبي أوامره بقتل الذين تشوّهوا أو فقدوا أوصالهم في الحرب حتى لايراهم الليبيون على الطرقات فيصبحون ناقمين عليه وعلى نظامه.

ويقول مراسل الصحيفة من مدينة البيضاء الليبية laquo;أولئك الذين يواجهون الدكتاتور يشكلون أيضًا تحديًا لسياستنا الخارجية. وربما عادت زيارة بلير التاريخية للقذافي قبل سبع سنوات بالكثير من المنافع المادية لبريطانيا وأوروبا، رغم لوكربي ومقتل الشرطية البريطانية إيفون فليتشر برصاص دبلوماسي ليبي في لندن العام 1984 وغيرها من الجرائم. لكن هناك إحساسًا بالغضب في الداخل والخارج - وخاصة في واشنطن - إزاء السرعة التي تجاوزت بها بريطانيا جرائم النظام الليبي الماضية والحاليةraquo;.

ويلفتالمرسل إلى أنlaquo;الأسوأ من هذا هو أن بريطانيا عادت إلى ارتكاب خطأها أيام الحرب الباردة، وهو احتضان الطغاة طالما كان هذا يساعد في التصدي للاتحاد السوفياتي. وها هي الآن تمدّ الأنظمة العربية الديكتاتورية بالأسلحة التي تمكنها من الصمود أمام التيار الديمقراطي، التي تزعم بريطانيا ودول الغرب بأنها أكبر حماتهاraquo;.