العام الماضي أعلن سيف الإسلام القذافي للعالم أنه يريد لليبيا نوع الحرية التي يتمتع بها الغرب.. من ديمقراطية وانتخابات وبرلمانات ودساتير حقيقية. لكنه أثبت في خطابه الأخير أنه حامي نظام أبيه وفلسفته الخاصة أيضا وهي laquo;لا إصلاح اقتصاديا أو سياسيا من دون حمام دمraquo;.


بعد أسوأ أحداث دموية في تاريخ ليبيا قتل فيها مئات المطالبين بالحرية، ظهر سيف الإسلام القذافي على شاشات تلفزيون الدولة ليحذر أهل البلاد من laquo;أنهار من الدم والقتل بالآلافraquo; في حال لم يوقفوا ثورتهم على أبيه ونظامه.
وفي الوقت نفسه وعد ابن الزعيم الليبي بحوار على دستور جديد وحريات سياسية (في حال تحققها تصبح الأولى من نوعها منذ تسلم القذافي الحكم قبل 41 عاما). وقال إن ثمة مؤامرة تحاك ضد ليبيا، وإن المسألة خطرة وأكبر من الليبيين وصغار الشباب الذين يتظاهرون مقلّدين لتونس ومصر.
ورغم حديثه لأربعين دقيقة، فلم يجب سيف الإسلام، الطامح لوراثة أبيه في السلطة، على السؤال الكبير المتعلق بمكان وجود هذا الأخير الذي تردّد أنه فرّ من البلاد (ظهر بعدها على التلفزيون لينفي ذلك). وبدا أن سيف الإسلام يتحدث نيابة عن الحكومة الليبية رغم أنه لا يتمتع بأي منصب رسمي.

غربي التوجه
تلاحظ مجلة laquo;تايمraquo; أن سيف الإسلام وجه خطابه وهو يرتدي البدلة وربطة العنق، بخلاف أبيه الذي يفضل الزي القبلي، وتربط هذا بحرصه على أن يُنظر اليه - في الغرب على الأقل - باعتباره أكثر انفتاحا وقبولا للتغيير. وتقول إن الغرب كان بالفعل ينظر اليه في وقت ما على أنه رمز للأمل في الإصلاح، على عكس أخيه الأكبر معتصم وهو مستشار الأمن القومي في البلاد.
ولكن كان واضحا أن سيف الإسلام ظهر على التلفزيون ليدافع عن حق laquo;الأسرةraquo; باعتبارها الوحيدة القادرة على ضمان مستقبل ليبيا وازدهارها. وتقول laquo;تايمraquo; إن هذا بحد ذاته يناقض ما أدلى به سيف الإسلام في حوار أجرته معه العام الماضي وبدا فيه وكأنه منبع الديمقراطية نفسه.
في غضون ذلك، بدأ النظام الليبي يتصدع. فبعد انحياز الجيش الى صف الشعب في بنغازي، توالت استقالات سفرائه في مختلف أنحاء العالم بما في ذلك واشنطن ونيودلهي والجامعة العربية. وبينما كان خطاب سيف الإسلام نفسه ناريا، فقد كان يتحدث ارتجالا وبدا مشتتا غير قادر على التركيز، وهذه علامة شخص يعاني ضغطا كبيرا واقعا عليه.

معركة الوراثة
يذهب المراقبون الى القول إن الخطاب كان ذا هدف آخر، وهو سعي سيف الإسلام لإظهار نفسه باعتباره الأجدر بوراثة أبيه من أخيه معتصم، اللاعب الرئيس في توجيه قوى الأمن للانقضاض الشرس على المتظاهرين. ويقول خبراء في مؤسسة laquo;سترافورraquo; الاستخباراتية الخاصة إن سيف الإسلام laquo;يعلم أن هذه هي فرصته المواتية، وربما الأخيرة، لحسم صراع القوى داخل الأسرةraquo;.
ورغم أن سيف الإسلام لم يشر الى أي قلاقل في طرابلس، فقد أقر بعدد كبير من الضحايا في بنغازي وغيرها ملقيا باللائمة في هذا على laquo;أخطاء من جانب الجيشraquo;. ومع ذلك فقد سارع الى التحذير من أن الجنود لن يترددوا في فتح النار على المتظاهرين لأن مهمة الجيش الآن هي فرض الأمن وتدمير العناصر المحرّضة على حد قوله، وهذا هو ما تشهده ليبيا الآن.

المفضل لدى شركات النفط
لخطاب سيف الإسلام، الذي هاجم فيه قوى أجنبية محرضة والانفصاليين الإسلاميين، بعد آخر ثالث. فهو لم يكن محاولة مهمة لوقف ما يحدث في الشارع وحسب وإنما كان أيضا منعطفا شخصيا يتعلق بمكانته الدولية. وخلفية هذا الأمر هي أنه منذ رفع الولايات المتحدة عقوباتها الاقتصادية على ليبيا في 2003، صار سيف الإسلام يمثّل ضمانة لمستقبل شركات النفط التي ضخّت مليارات الدولار في بلاده خلال السنوات الست الماضية.
ورغم ان سيف الإسلام لا يشغل منصبا حكوميا، فقد ظهر في المنتدى الاقتصادي العالمي مرتين على الأقل. وفي لقاءات أجرتها laquo;تايمraquo; مع مدراء الشركات النفطية الأميركية، قال كل منهم إنه بفضل سيف الإسلام لقيادة ليبيا. وفي زيارات سابقة لمراسلي المجلة العاصمة الليبية شوهد هؤلاء المدراء laquo;وهم يصطفونraquo; للاجتماع به.

دعوة للانفتاح
طالما شدد سيف الإسلام على أهمية إنهاء سيطرة الدولة على المؤسسات وفتح اقتصاد البلاد أمام الاستثمارات الأجنبية. وقد أشرف على إنشاء laquo;مجلس التنمية الاقتصادية الوطنيةraquo; لاجتذاب الاستثمارات، وعيّن في رئاسته محمود جبريل الاقتصادي حائز الدكتوراه من جامعة بيترسبرغ الأميركية. ومن أصدقائه الآخرين الإصلاحي شكري غانم ممثل بلاده في منظمة laquo;اوبيكraquo;. ويذكر لسيف الإسلام أنه عندما حاول المتشددون داخل الحكومة إزاحة غانم في 2009، تدخل ووفر له الحماية الكاملة منهم.

ساعٍ للتغيير..
سيف الإسلام مغرم بنمط العيش على الطراز الغربي، وبفضل لندن بشكل خاص. لكنه أيضا مغامر ذو طموحات جامحة. ويشهد له أنه سعى خلال العامين 2009 و2010 بشدة لمصادقة laquo;مؤتمر الشعب العامraquo; (البرلمان غير المنتخب) على مناقشة دستور جديد للبلاد. لكنه تخلى عن مسعاه هذا بعدما توحد المحافظون داخل الأروقة الحكومية في التصدي له.
وعندما أجرت معه laquo;تايمraquo; حوارا العام الماضي في داره الفاخرة القائمة وسط بستان للبرتقال في طرابلس، قال إنه يؤمن بأن كل ليبي تقريبا يريد حرياته السياسية غير منتقصة. وأبدى امتعاضه إزاء اولئك الذين يسدون الطريق الى التغيير، وبلغ حد اقترابه من انتقاد حكم أبيه صراحة.
وعندما سألته المجلة عن مدى الحرية التي يريدها لمواطني بلاده قال: laquo;أتحدث عن نوع الحرية التي يتمتع بها الغرب.. هولندا مثلا. نريد التغيير الآن وليس بعد 10 سنوات أو 15 سنة. في افريقيا السوداء نرى ديمقراطية وانتخابات وبرلمانات ودساتير حقيقية. لما لا يكون لنا الشيء نفسه هناraquo;؟

.. ولكن!
المتظاهرون في ليبيا يطالبون بما تحدث عنه سيف الإسلام في حواره مع laquo;تايمraquo; قبل سنة. وصحيح أنه عرض في خطابه يوم الأحد أن يناقش مؤتمر الشعب العام صياغة دستور جديد للبلاد. لكنه، بعد كل هذا، أظهر بجلاء أنه لا يطيق المعارضة السياسية.
وفي حوار مع laquo;تايمraquo; أيضا في فبراير / شباط الماضي قال شكري غانم إنه laquo;لا سبيل الى الإصلاح الاقتصادي من دون إصلاح سياسي في المقام الأولraquo;. لكن سيف الإسلام أثبت في خطابه الأخير أن لنظام أبيه فلسفته الخاصة أيضا وهي laquo;لا إصلاح اقتصاديا أو سياسيا من دون حمام دمraquo;.