بعد العراق، يبدو من المستبعد، أن تتدخل الولايات المتحدة الأميركية عسكريا للمساعدة في إسقاط نظام عربي آخر.

يبدو من المستبعد، بعد ما حدث في العراق، ان تتدخل الولايات المتحدة الأميركية عسكريا للمساعدة في إسقاط نظام عربي آخر. لكن مراقبين يرون ان نذر كارثة إنسانية يستنزلها الزعيم معمر القذافي على ليبيا مقترنة بإلتقاء مصالح متباينة، قد تكون إيذاناً بإندلاع نزاع يدفع الرئيس الأميركي باراك أوباما الى التحرك. وفي هذا الشأن قال الباحث جيمس دوبنز من مؤسسة راند ان من الجائز ان نتصور حدوث شكل من أشكال التدخل الدولي في ليبيا وان تقوم الولايات المتحدة بدور فاعل في تحديده.
مسؤول كبير في الإدارة الأميركية أكد لمجلة تايم انه إذا نشأ توافق دولي على التدخل العسكري لإنقاذ الليبيين من نظام يستهدفهم عشوائيا في ساعة احتضاره فإن مثل هذا التدخل لن يكون بقيادة الولايات المتحدة بل برعاية الأمم المتحدة. وأضاف المسؤول ان بحث أي عمل عسكري يرافق مهمة إنسانية سيتعين ان يجري في نيويورك من خلال مجلس الأمن الدولي. ونفى المسؤول وجود تحضيرات بينها إعداد قوات عسكرية للتدخل في ليبيا بل يجري التركيز الآن على توفير مساعدات إنسانية لمن يحتاجونها. لكن محللين يلفتون إلى أن نطاق مثل هذه المهمات الإنسانية إتسع منذ سقوط جدار برلين ليشمل التدخل العسكري إلى جانب حماية المدنيين.

أول الأسباب التي تقف وراء إمكانية تدخل الولايات المتحدة وحلفائها عسكرياً في ليبيا هي القذافي نفسه. وقال المسؤول الأميركي لمجلة تايم ان البداية تنطلق من إفتراض جنونه زائد رفضه الرحيل بهدوء، وترسانته التي وضعها تحت تصرف مرتزقة عتاة وموالين آخرين، وموارده النفطية التي يدفع منها أجورهم، وكونه حاكماً منبوذاً على الساحة الدولية لا يتورع عن إرتكاب فظائع من صنف الفظائع التي استدعت تدخلاً دولياً في بلدان مثل الصومال والبوسنة. ولهذه الأسباب تقوم الولايات المتحدة بتحركات وراء الكواليس لعزل القذافي. وقال مسؤول أميركي كبير quot;ان تنحيته هي المفتاحquot;.

لكن إذا تعذرت تنحية القذافي وإستمر في قتل المدنيين وإرغام السكان على النزوح بأعداد غفيرة فإن المجتمع الدولي قد يجد لزاماً عليه ان يتحرك. وإزاء هروب مئات الألوف ومناشدة عناصر من المعارضة الليبية المشتتة تقديم العون فإن الولايات المتحدة تبدو في طريقها الى الإنخراط في مثل هذه التحرك الدولي. وفي هذا الإطار تتوجه فرق تابعة لوكالة التنمية الدولية الأميركية نحو الحدود المصرية والتونسية مع ليبيا.

كما تستعد الولايات المتحدة لإتخاذ إجراءات أخرى. وقال المسؤول الأميركي لمجلة تايم ان التخطيط يجري لفتح ممرات إنسانية داخل الأراضي الليبية. وبحثت الولايات المتحدة إمكانية فرض حظر جوي تراقبه قوات حلف شمالي الأطلسي وهي تفكر في التشويش على الإتصالات اللاسلكية.

وكانت مهمات إنسانية من النمط الذي يتبلور الآن بشأن ليبيا تحول إلى عمليات عسكرية أشد تعقيداً في الصومال والبونسة وكوسوفو إبان عقد التسعينات. وأسطع مثال على ما يمكن ان تنتهي إليه هذه العمليات من مآلات لا يريدها أحد تقدمه الصومال خلال فترة الإنتقال من رئاسة جورج بوش الأب الى إدارة كلنتون. ويثير غياب التفكير الواضح في ما قد يأتي بعد رحيل القذافي مخاوف من تكرار سيناريو الصومال عندما وجدت القوات العسكرية المساندة لمهمة إنسانية نفسها عالقة في مستنقع صراع محلي على السلطة.

رغم ذلك فإن القوى التي تؤيد التدخل الإنساني بقوة في ليبيا قوى واسعة على غير المتوقع في الولايات المتحدة نفسها وفي الخارج. ويشير مراقبون الى الإستثمارات الضخمة لشركات الطاقة الاوروبية في حقول النفط والغاز الليبية والعدد الإستثنائي نسبيا لليبيين المنتمين الى تنظيم القاعدة في المغرب العربي والعراق. وداخليا فإن جمهوريين مثل السناتور جون ماكين انتقدوا أوباما لأنه لم يفعل أكثر مما فعله حتى الآن في ليبيا.

ويخشى البعض من داخل الإدارة نفسها دلالات الزخم المتعاظم بإتجاه التدخل. وقال مسؤول أميركي مطلع على النقاشات الدائرة بين جدران البيت الأبيض ان المخيف هو إنبثاق إئتلاف غريب يجمعه إتفاق آني على التدخل من دون إتفاق بعيد المدى على ما يتعين عمله بعد ذلك. ويضيف الباحث دوبنز من مؤسسة راند ان ما تعلمته الولايات المتحدة خلال السنوات العشرين الماضية هو أن إسقاط نظام بغيض عمل سهل ولكن الإستعاضة عنه ببديل حميد مهمة صعبة. والولايات المتحدة لا تريد ان تتحمل عبء الانتقال من الأول الى الثاني.