بينما هاجم رئيس الوزراء الروسي بوتين قرار مجلس الأمن حظر الطيران في سماء ليبيا، تصدى له الرئيس ميدفديف قائلا إن هذا موقف مرفوض. وهكذا تسلط ليبيا الضوء على معركة قديمة ستحسمها الانتخابات الرئاسية المقبلة التي يتوقع أن يخوضها الخصمان.


بلغ شأن الثورة الليبية حد أنها غطت، إعلاميا على الأقل، على أكبر كارثة إنسانية طبيعية مزدوجة في التاريخ الحديث، وهي الزلزال والتسونامي اللذان كادا يمسحان اليابان من خريطة العالم. وهي الوحيدة بين ثورات العرب التي صارت الأسرة الدولية طرفا مباشرا فيها.
واليوم فإن الأحداث الليبية تحسر الستار أيضا عن معركة مريرة ظلت رحاها تدور منذ زمن بين الرئيس الروسي ديمتري ميدفديف ورئيس وزرائه القوي فلاديمير بوتين. فبعدما انتقد هذا الأخير قرار مجلس الأمن 1973 حظر الطيران في الأجواء الليبية ووصفه بأنه laquo;دعوة من القرون الوسطى لحملة صليبيةraquo;، تصدى له الرئيس - علنا للمرة الأولى - ووصف التعليق بأنه laquo;خطاب مرفوضraquo;.

وقال بوتين إن القرار 1973 laquo;غير صائب ومختل لأنه يسمح بكل شيءraquo;. ويبدو أنه كان يشير الى عبارة وردت في هذا القرار وهي laquo;اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة (من أجل حماية المدنيين)raquo;. ويذكر أن المحللين أجمعوا على أن هذه العبارة هلامية تجيز للقوى المشاركة في فرض حظر الطيران (خاصة الولايات المتحدة وبريطايا وفرنسا) الحق في استهداف العقيد القذافي شخصيا وإزاحته عن السلطة، ربما بتصفيته جسديا. وأعرب بوتين أيضا عن مخاوفه إزاء ما سمّاه laquo;السهولة التي يُجاز بها استخدام القوة في الشؤون الدوليةraquo;.

لكن الرئيس ميدفديف تصدى لرئيس وزرائه بحزم غير معتاد. ونقلت وسائل الإعلام الغربية الثلاثاء تصريحه لوكالات الأنباء الروسية الذي قال فيه: laquo;ليست من ظروف تبرر استخدام تعابير من شأنها إثارة صراع بين الحضارات مثل laquo;حملة صليبيةraquo; وما شابه ذلك. لا يمكن القبول بشيء كهذا، وإلا انتهى الأمر بوضع أسوأ من ذلك الذي يمثل أمامنا اليومraquo;.
ويتخذ هذا الخلاف العلني الأول من نوعه بين بوتين وميدفديف بعدا خاصا له على ضوء الاعتقاد السائد وهو أن بوتين هو سيد الكرملين الحقيقي وأن ميدفديف laquo;تابع لهraquo; رغم أنه الرئيس.

وينتظر المراقبون بتلهف إعلان كل من الرجلين نيته خوض انتخابات ارئاسة العام المقبل رغم أن أيا منهما لم يوضح موقفه بعد وما إن كان سيخوضها فعلا. ويتوقع أن يستعيد بوتين الرئاسة بعد ولايتيه من 2000 حتى 2008 واضطراره للتخلي عنها لأن الدستور الروسي يحرمه من ثلاث ولايات laquo;متتاليةraquo;. ولذا فهو قادر على خوض انتخاباتها المقبلة لأنه أوفى بشرط التتالي هذا.

ومن الجلي، تحت هذا الضوء، أن ميدفديف يرمي بتعنيفه بوتين الى هدفين: الأول هو إثبات أنه رئيس قادر على القيادة وإن تطلب ذلك انتقاده شخصا ذا نفوذ هائل مثل بوتين. ويذكر أنه حذّر العام الماضي من عودة روسيا الى حالة الجمود السياسي التي كانت تعتريها في حال صار مصيرها رهنا بحزب واحد كان يعني به laquo;روسيا المتحدةraquo; بزعامة بوتين.
أما هدفه الثاني فهو تصوير نفسه كصوت وسط معتدل ضروري لتحييد laquo;الخطاب الناريraquo; الذي اعتاده الروس والعالم من بوتين. ويأمل ميدفديف من ذلك في قبول شعبي أوسع يعينه في المعركة الانتخابية الرئاسية المقبلة ضد رجل يمكن القول إنه حسم نتيجة هذه المعركة حتى قبل أن يخوض غمارها.