كثيرًا ما تحتل قضايا العنف والقتل حيزاً كبيراً في وسائل الإعلام الإسرائيلية، تتحدث فيها عن جريمة قتل أو إغتصاب أو إطلاق نار جديدة تعرض لها مواطنون إسرائيليون، وتفرد مساحات واسعة للحديث عن الجريمة المنظمة أو غير المنظمة.

من الجرائم التي تجري في المجتمع الإسرائيلي
يكاد لا يمّر يوم في إسرائيل لا نسمع أو نقرأ فيه عن عملية تصفية أو قتل في مدينة ما أو قرية ما، إذ باتت قضية العنف والأمن الشخصي المفقود يشكلان هاجساً حقيقياً في الشارع الإسرائيلي، ولم تعد الجريمة مقتصرة على عصابات الإجرام المنظم، والتنظيمات الكبيرة المعروفة في إسرائيل، بل تحولت إلى ظاهرة تجتاح المجتمع الإسرائيلي برمته. وباتت الجريمة تشكل تهديداً إستراتيجياً بعدما أصبح المجتمع الإسرائيلي مجتمعاً متوحشاً.

تحول كبير نحو العنف
أكد الباحث البروفيسور آرييه راتنر من قسم علم الجريمة والعلوم الاجتماعية في جامعة حيفا، في دراسة نشرها في كانون الثاني- يناير الماضي، أن المجتمع الإسرائيلي أصبح أكثر عدوانية وإجرامًا منذ العام 1990، مؤكدًا ارتفاع وتيرة عمليات القتل والجريمة في اسرائيل في العقدين الماضيين.

وبيّن راتنر في دراسته أن نسبة الشكاوى القضائية ارتفعت 90 %، بينما تعدت نسبة الاعتداءات والمخالفات الجنسية 120 %،لافتًا في الوقت عينه إلى أن هناك ارتفاعاً في نسبة ارتكاب جرائم القتل تخطت الـ15 %، وازدادت نسبة محاولات القتل بـ 37 %.

ونوه الباحث بأن ازدياد وتفشي العنف في اسرائيل يعود إلى ضعف الترابط الإجتماعي ونتيجة لتحولات إجتماعية وإقتصادية، خصوصًا ارتفاع عدد سكان إسرائيل، واستجلاب أكثر من مليون مهاجر جديد منذ عام1989.

التقرير السنوي للشرطة الإسرائيلية أكد ارتفاع معدلات الجريمة في إسرائيل، خصوصاً عمليات القتل، حيث قتل خلال العام 2009، 135 شخصاً بمعدل إسرائيلي كل 64 ساعة، بالمقارنة مع عام 2008 حيث قتل 128 شخصًا.

ونوهت الشرطة في تقريرها السنوي للعام 2010 بأنها إعتقلت 11 زعيم عصابة مافيا من بين 18 زعيماً يوجدون في إسرائيل، وأدخلت إلى خزينة الدولة نحو 58.5 مليون شيكل من مخالفات تبييض الأموال، ونحو 16.5 مليون شيكل من صفقات المخدرات التي جرت مصادرتها.

في حين طرأ ارتفاع بنسبة الفساد العام، حيث فتحت الشرطة 160 ملفاً جنائياً ضد شخصيات عامة وموظفين كبار في إسرائيل، في اللجان المركزية والسلطات المحلية.

عائلات إجرام منظم
تشير غالبية التقارير والمواد الإعلامية المتوافرة إلى وجود خمس إلى ست عائلات تسيطر على عالم الجريمة المنظمة في إسرائيل، وهي عائلات أفرجيل وألبيرون وأبو طبول وهراري وروزنشتطاين، وهي العائلات الأكثر شهرة ومعرفة في عالم السفلي الإسرائيلي.

ومع هيمنة الجريمة المنظمة على اسرائيل، تحولت هذه الظاهرة إلى مصدر قلق للشعب والشرطة الإسرائيلية معًا، حيث يقفا مذعورين أمام استفحال هذه الظاهرة الخطرة، والتي يسقط في غالبيتها ضحايا أبرياء، لا علاقة لهم بتنظيمات الجريمة.

المدعي العام الإسرائيلي المنتهية ولايته عيران شيندر اعتبر في تصريحات لصحيفة quot;هآرتسquot; أن ثمة روابط بين أوساط الجريمة المنظمة ومسؤولين سياسيين في إسرائيل، خصوصًا في حزب quot;الليكودquot; الحاكم.

تطوير مقياس قومي للعنف
قام وزير الأمن الداخلي يتسحاك أهرونوفيتش، ومن باب مكافحته الجريمة، بتطوير مقياس قومي لظاهرة العنف في المجتمع الإسرائيلي، وذلك لإستيفاء المعطيات عن ظاهرة العنف من الجهات المختلفة، بهدف رسم صورة واضحة المعالم ومعدلة حتى الآن وذات مصداقية عن ظاهرة العنف في الدولة.

وذكرت الوزارة أن العالم الرئيس في وزارة الأمن الداخلي ومن خلال معهد quot;تسفناتquot;، قام بفحص أولي لإمكانية تطوير هذا المقياس وتطبيقه، وقام ببلورة مبادئ لتطويره. وبهدف القيام بهذه المهمة، عقد لقاءات عديدة بمشاركة أفضل الخبراء والمهنيين الرائدين في هذا المجال في إسرائيل من القطاع الحكومي والمنظمات العامة الأخرى ومن الجامعات.

الجريمة في الوسط العربي
في الأسبوع الأخير شهدت المدن والقرى العربية في اسرائيل عدداً من جرائم القتل، راح ضحيتها ثلاثة شبان، واحد في قرية عين الأسد شرق عكا، واثنان في مدينة الطيبة في المثلث الجنوبي (التي تعتبر مرتعًا للمافيا وعائلات الإجرام في الوسط العربي). أضف إلى ذلك مدينة اللد، التي تشكل حالة خاصة على مستوى اسرائيل في نسبة جرائم القتل.

وتحولت ظاهرة القتل والعنف إلى مشكلة أساسية تهدد النسيج الاجتماعي لدى المواطنين العرب في إسرائيل وتضعه في منطقة خطرة، إذ ارتفعت في السنوات الخمس الماضية معدلات الجريمة، وفي 2009 ارتفع معدل الجريمة بنسبة 8.4% مقارنة بالنسبة السابقة، ومن بين 120 مواطنًا إسرائيليًا قتلوا على خلفية جنائية كان منهم 80 عربيًا، من ضمنها 9 عمليات قتل ضد نساء.

وتشير غالبية الإحصائيات لرصد ظاهرة انتشار العنف والبحث عن أسباب الجريمة في أوساط عرب اسرائيل إلى دور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة للأقلية العربية، ويتمثل ذلك خاصة في انتشار الفقر والبطالة بنسب مرتفعة، إلى جانب نقص المدارس واكتظاظ الصفوف المدرسية وانسداد فرص التعليم والآفاق أمام الشباب، إضافة إلى الاكتظاظ السكاني الذي تعرفه المدن والأحياء والبلدات العربية لعدم تمكين السكان العرب من إقامة مدن وأحياء جديدة.

دعوة إلى التحرك وإنقاذ المجتمع العربي
أكد النائب العربي في الكنيست مسعود غنايم عن القائمة العربية الموحدة-العربية للتغيير، أن الوضع في المجتمع العربي خطر جدًا، ويستدعي خطة شاملة، تبدأ أولاً بالتوعية والتربية والتثقيف لإنقاذ المجتمع العربي من طوفان العنف الذي بات يهدد وجوده. معتبراً أنه quot;لا يمكن القضاء على العنف بعصا سحرية، ولكن بتكاتف الجهود وتعاونكل الجهات وتحمل كل المسؤوليات، ويجب عدم إعطاء العنف والجريمة أية شرعية مهما كانت الأسبابquot;.

جاءت دعوة غنايم في أعقاب رد وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي يتسحاك اهرونوفتش على الإستجواب تقدم به غنايم حول العنف والسلاح في المجتمع العربي، حيث أورد الوزير معلومات خطرة جدًا، أكد فيها أن 80% من حوادث إطلاق النار في اسرائيل تحدث في الوسط العربي، وأن 51 % من جرائم القتل حصلت في الوسط العربي، و48% من حوادث إشعال الحرائق تحدث في القرى والمدن العربية، و52% من حوادث السطو والسرقة تحدث في القرى والمدن العربية.

وأكد أهرنوفيتش أن quot;معظم رؤساء المجالس والبلديات العرب مهددون بالعنفquot;، مشيرا إلى أن quot;هذه المعطيات خطرة جدًا، وتستدعي جهودًا وموارد وقوات أمن وشرطة للتعامل معها، وبحاجة لتعاون من قيادات الوسط العربي لمحاربة هذه الظواهرquot;.

وحول الحراسة المدارس العربية قال أهرنوفيتش: quot;هناك لجنة إدارية مشتركة بين وزارة الأمن الداخلي ووزارة التربية تبحث الموضوع، وهناك لجان أخرى مشتركة تعمل على تغيير القرار الحكومي من عام 2005 الذي يجيز توفير الحراسة فقط لمدارس مهددة أمنيًا. وموقفي الشخصي وموقف وزير التربية هو مع تغيير هذه التعليمات وضم المدارس المهددة بالعنف ضمن المدارس التي تستحق توفير الحراسة، وهناك جهود تبذل للوصول إلى نتيجة في هذا الموضوعquot;.