قدّرت تقارير صحافية أن نهاية اللعبة في ليبيا يمكن أن تعتمد بشكل كبير على غرائز معمر القذافي، وأن أي نظرة ثاقبة لتلك الغرائز ستكون ذات قيمة كبيرة بالنسبة إلى واضعي السياسات. في وقت تسعى فيه واشنطن لوضع استراتيجية للوصول إلى التركيبة الفكرية لقادة العالم.

الزعيم الليبي معمر القذافي

في وقت يصف فيه البعض الزعيم الليبي معمر القذافي بـquot;النرجسي الواهمquot; الذي سيظل يحارب حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة، ويصفه البعض الآخر بـquot;المتظاهر المتهورquot;، وفريق ثالث يصفه بـquot;المختل عقلياً، والخبير الاستراتيجي بارد الرؤية أو المجنون الذي يشبه ثعلب الصحراءquot;، رأت تقارير صحافية أميركية اليوم أن نهاية اللعبة في ليبيا من المحتمل أن تعتمد بشكل كبير على غرائز العقيد القذافي، وأن أي نظرة ثاقبة لتلك الغرائز ستكون ذات قيمة كبيرة بالنسبة إلى واضعي السياسات.

ولفتت اليوم صحيفة النيويورك تايمز الأميركية إلى أن الصحافيين شكلوا انطباعاتهم من الحكايات، أو من تصرفاته في الماضي. بينما حاول آخرون أن يكتشفوا المزيد عن شخصيته من خلال خطاباته الأخيرة عن تنظيم القاعدة والرئيس أوباما.

ثم أوضحت الصحيفة أن هناك جماعة واحدة على الأقل قد حاولت أن تنشئ ملفاً شخصياً بِناءً على أساليب علمية، ومن المحتمل أن تكون النتائج التي خلصت إليها تلك الجماعة هي النتائج التي ستحظى ربما بنصيب الأسد في التأثير على السياسة الأميركية. فعلى مدار عقود، ظلّ محللون في وكالة الاستخبارات المركزية quot;سي آي إيهquot; ووزارة الدفاع يُجَمِّعون تقييمات نفسية للقادة العدوانيين مثل العقيد القذافي، والزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ إيل، والرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، وكذلك الحلفاء والخلفاء المحتملين، وغيرهم من المسؤولين البارزين.

وقد شارك دبلوماسيون وخبراء إستراتيجيون عسكريون وكذلك رؤساء في وضع تلك الملفات الشخصية، كي يدلوا بدلوهم ويعبروا عن آرائهم. وفي هذا السياق، نقلت النيويورك تايمز عن دكتور جيرولد بوست الطبيب النفساني الذي يدير برنامج علم النفس السياسي في جامعة جورج واشنطن وقام بتأسيس فرع الـquot;سي آي إيهquot; الذي يعنى بإجراء تحليلات سلوكية، قوله: quot;ربما يكون الملف السياسي هو الأكثر أهمية في الحالات التي يكون فيها أحد القادة من هؤلاء الذين يفرضون هيمنتهم على المجتمع. وهذه هي الوضعية هنا، في ما يتعلق بالعقيد القذافي وليبياquot;.

ورغم أن الملفات الرسمية سرية، إلا أن الأساليب معروفة تماماً. وقد قام علماء نفس مدنيون بوضع أساليب عديدة، ترتكز في معظمها على المعلومات العامة بشأن أي من الزعماء: كالخطابات والكتابات والحقائق الخاصة بالسيرة الذاتية والسلوكيات التي يمكن إدراكها. وتشير التوقعات الناتجة إلى أن ما يعرف بـquot;التنميط عن بعدquot; لا يزال إلى الآن فناً أكثر من كونه علماً. لذا، في أزمة كتلك التي تشهدها ليبيا الآن، من الضروري معرفة القيمة المحتملة للتقييمات وكذلك الحدود الحقيقية.

من جهته، قال فيليب تيتلوك عالم النفس في مدرسة وارتون في جامعة بنسلفانيا: quot;يتفوق واضعو الملفات من الخبراء في التنبؤ بالسلوكيات عن شمبانزي معصوب العينين، لكن الفرق ليس كبيراً كما ستود أن يحدثquot;. ورغم أن المحللين لا يزالون يستخدمون ذلك النهج الخاص بالحالات السريرية، إلا أنهم يرتكزون عليها الآن بصورة أكثر صرامة في حقائق السيرة الذاتية عن التكهنات الخاصة بفرويد أو الآراء الشخصية.

وفي الملف الذي أعده دكتور بوست للعقيد القذافي (وتم نشره في مجلة فورين بوليسي الأميركية)، تبين أن الدكتاتور الذي عادةً ما يكون عقلانياً يكون عرضة للتفكير المشوش حين يتعرض لضغوط، وهو إذ يتعرض في تلك الأثناء لأقصى درجات التوتر والإجهاد التي لم يسبق أن تعرض لها منذ توليه زمام الأمور في ليبيا.

وتابعت الصحيفة القول إن توصيف مثل هذا النوع من الشخصيات لم يكن يقدر بثمن في الماضي، فقد سبق وأن قام الـquot;سي آي إيهquot; بتزويد الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر في المرحلة التي سبقت مفاوضات كامب دافيد للسلام بين مصر وإسرائيل، بملفات عن زعيمي كلا الدولتين أنور السادات ومناحيم بيغن. ومع هذا، شددت الصحيفة على أن تلك التقييمات قد تكون أيضاً مضللة، وربّما محرجة.

ثم أوضحت الصحيفة أن تلك الطريقة التي استخدمها دافيد وينتر أستاذ علم النفس في جامعة ميتشيغن، ترتكز على مصادر متشابهة للحكم على دوافع القادة، وخصوصاً حاجتهم للسلطة والإنجاز والانتماء. ورغم تأكيد وينتر على أنه ليس بالإمكان التكهن بأي شيء على وجه اليقين، إلا أن جماعة واحدة على الأقل من واضعي الملفات السياسيين قد أخذوا نقطة (الشك)في الاعتبار، وأدمجوها في توقعاتهم.

وفي الوقت الذي سبق فيه للطبيب النفساني في جامعة كولومبيا البريطانية بيتر سويدفيلد، أن قام بتحليل الكلمات التي يتلفظ بها القادة ليُقدِّر صفة تعرف بـquot;التعقيد التكامليquot;، إلا أنه لم يحلل إلى الآن تعليقات القذافي، لكن المسألة لا تحتاج إلى خبير كي يمكن ملاحظة أن الزعيم الليبي يبدو متأكداً للغاية، إن لم يكن متماسكاً على الدوام.