تعتبر صناعة السدو من أقدم المهن التراثية التي مارستها النساء العربيات منذ القدم وحتى أيامنا هذه، رغم شبه اندثار هذه المهنة واقتصارها على عدد قليل من السيدات كبار السن.
![]() |
| النول المستخدم لحياكة السدو |
دبي: الحياكة من أقدم المهن التي احترفها البشر عبر العصور في مختلف الحضارات الإنسانية، والحكمة القائلة إن quot;خير لهو المرأة مغزلهاquot; تظهر انعكاساتها في مهنة إحترفتها نساء شبه الجزيرة العربية بإتقان وهي صناعة quot;السدوquot;. وهذه الصناعة هي فن حياكة الصوف وفق التراث البدوي، وهي من الحرف التقليدية التي كانت منتشرة في البادية وفي دول الخليج لا سيما في الإمارات وقطر والكويت والسعودية وذلك لارتباطها بوفرة المادة الأولية المتمثلة في صوف الأغنام ووبر الجمال وشعر الماعز والقطن. ومن منتجات السدو الوسائد والسجاد اليدوي وبيت الشعر والقاطع (الرواق) والعدول والسقايف و(البطاين) والمزاود.
وهذه المهنة التقليدية شارفت على الإندثار عمليًّاً، لكنها بقيت في بعض المتاحف والمراكز التراثية الخليجية الحريصة على دوام استمراريتها، عبر دعم السيدات اللواتي يتقنّها من باب الحفاظ على الموروث الحضاري للبادية التي غزتها المدنية والتطور العمراني والثقافي الجديد الذي جعل حرفاً كثيرة في طي النسيان.
مراحل صناعة السدو
توقفت quot;إيلافquot; عند هذه الحرفة التي تعكس روحية العيش في البيئة الصحراوية والبدوية، حيث عمد ابن الصحراء إلى استغلال الموارد الطبيعية والضرورية المتاحة وتطويعها لصناعة مستلزماته الضرورية للحياة اليومية.
تقول عائشة بنت سعيد وهي سيدة بدوية تقارب الخمسين من العمر انها ورثت هذه المهنة عن جدتها وأمها، بينما رفضت بناتها تعلمها لأنها مهنة قديمة لا تلائم العصر. في البداية عرفتنا بالمواد المستخدمة مشيرة إلى انها نفسها التي كانت تستعمل قديماً وهي: المغزل والنول المعروف بـquot;الميشعquot; والمنشزة المعروفة بـquot;المدرارةquot;. ثم روت لنا مراحل عملية الصنع حيث تبدأ عملية الغزل بتنظيف الصوف وإزالة العوالق منه باستعمال أمشاط خشبية حتى تصبح أليافه متوازية صالحة للنسج ثم توضع هذه الألياف على quot;التغزالةquot; التي تضعها النساجة تحت إبطها أو بين قدميها عند الجلوس، وتسحب الألياف منها لتغزلها، ويكون quot;للفتلةquot; المفردة حينما تغزل quot;برمةquot; يمينية أو يسارية حسب إتجاه دوران المغزل، باتجاه عقارب الساعة أو عكسها.

ولإنجاز تلك العملية يستعمل المغزل وهو عصا ينتهي أحد طرفيها بخشبتين يلف عليها الصوف غير المغزول يتوسطها خُطاف لبرم الصوف الملفوف، وتحويله إلى خيوط تُجمع على شكل كرات.
وبعد الغزل تأتي مرحلة التلوين والصباغ وذلك للصوف الأبيض، أما الوبر والشعر والقطن فلا تصبغ عادة، ويُلف الصوف المغزول.
وتبدأ فيما بعد مرحلة حياكة الصوف quot;السدوquot; عن طريق quot;النولquot; وهو آلة الحياكة تمتد فيه الخيوط على الأرض وتُربط بأربعة أوتاد على شكل مستطيل، ويتم رصف الخيوط بـquot;المنشزةquot; وهي قطعة خشبية مستطيلة الشكل ذات طرفين حادين، أما quot;الميشعquot; فهو عصا خشبية يُلف حولها الخيط على شكل مروحي، ويُفك جزء منه بطول مناسب قبل إدخال لقطة لُحمة جديدة، وquot;القرنquot; وهو عبارة عن قرن غزال، يستخدم في فصل خيوط quot;السدوquot; بعضها عن بعض ووضعها في ترتيب صحيح أثناء حياكة الزخارف والنقوش.
أما طريقة تلوين الصوف فتقول عائشة إنها تطورت:quot; الآن توجد الكثير من الأصباغ الملونة ولكن زمان أول كانت النساء يستخرجن الألوان من الزرع والنباتات المتوفرة وهي في غالبيتها نباتات صحراوية، مشيرة أيضاً إلى استعمال الكركم والعرجون ذي اللون البرتقاليquot;.

وتشير عائشة إلى ان غزل الصوف مهم جداً لأن الغزل الجيد يفترض التحكم بعدد quot;البرماتquot; في كل سنتمتر ما يمنح قوة الفتلة ويؤثر في مظهر النسيج، فإذا قلّت quot;الفتلةquot; في كل سنتمتر أنتجت quot;فتلةquot; غزلها رخو متخلخل تعطي نسيجا طريا، أما quot;الفتلةquot; التي يكثر عدد quot;برماتهاquot; في السنتمتر الواحد فتعطي نسيجاً أكثر قوة وتماسكا مشيرة الى ان بيوت الشعر والبسط تطلب القوة والتماسك، اضافة الى ان الفتلة الجيدة تظهر جمال النقوش.
وتشير عائشة الى ان مهنة السدو تمنح المرأة الصبر وتعلمها الإتقان. وعن الأشكال الفنية وإختيار الألوان تقول: quot;الأمر يعود الى الحس الفني وذوق النسّاجة quot;الغزّالةquot; لأنها هي التي تمزج ألوان الصباغ وتغيرها كما تريد وهي تتحكم في تكرار الأشكال الهندسية الملائمة كالخطوط والمثلثاتquot;. وتضيف ان المرأة في البادية تحب الألوان والتزيين وإضافة اللمسات الفنية إلى منسوجاتها، مثل المزاود والخروج والقواطع، فتزينها بالدرز والكراكيش والجدائل الملونة.



















التعليقات