يؤكد وزير الدفاع الأميركي السابق، دونالد رامسفيلد، أن الوقت وحده هو من سيحدد مدى نجاح التحالف في قيادة العمليات الدائرة في ليبيا الآن، خصوصاً بعدما نقل أوباما القيادة إلى حلف شمال الأطلسي الناتو.


في حوار غير منقوص مع مجلة دير شبيغل الألمانية، تطرق وزير الدفاع الأميركي السابق، دونالد رامسفيلد، إلى نقاط من عدة أهمها، الأهداف غير الواضحة للعملية التي تقوم بها الآن قوات دولية في ليبيا، والجرائم quot;ذات الأضرار الفادحةquot; التي ارتكبها quot;فريق القتلquot; التابع للجيش الأميركي في أفغانستان، والمقارنات التي لا مفرّ منها مع سجن أبو غريب، وكذلك الأخطاء التي ارتكبها في عهد الرئيس جورج بوش.

وبسؤاله في البداية عما إن كان قد سبق له أن وضع قاعدة تعني بتقديم المشورة لغزوات أجنبية، أكد رامسفيلد أنه مرّ بتلك التجربة من قبل. وتابع بقوله quot;عندما تبدأ غزواً، فالقاعدة هي أن المهمة يجب أن تحدد التحالف، وليس العكس. فلا يجب أن تقوم أولاً بتجميع تحالف بالعديد من وجهات النظر المختلفة، ثم تحاول بعد ذلك أن تحدد المهمة. وهذا ما يؤدي إلى حدوث نقص في الوضوح بشأن المهمة المزمع تنفيذهاquot;.

وعما إن كان ذلك ينطبق على العملية التي ينفذها الناتو الآن في ليبيا، أشار رامسفيلد إلى أن الولايات المتحدة لم تتكلم بوضوح عن مهمة واضحة. ثم لفت إلى أن بلاده بدأت في تجميع تحالف، ثم شرع التحالف في تنفيذ المهمة. وأوضح أن أعضاء هذا التحالف تحدثوا عن مخاوف إنسانية، لكن بغضّ النظر عما إن كان القذافي سيبقى أم سيرحل، فسيكون هناك مزيد من القتلى. وأتبع quot;من وجهة نظر إنسانية خالصة، أرى أن هذا الغموض الذي يكتنف مصير القذافي يعتبر غموضاً ضاراً ndash; وقد يكون مميتاً في واقع الأمر. فإذا كانت جزءا من حكومة القذافي أو سلكه العسكري والدبلوماسي، فأنت تريد أن تعرف ماذا سيحدث إن كنت ترغب في دعم المتمردينquot;.

ورداً على تساؤل المجلة بشأن ما كان يوافق خلفه في الوزارة، روبرت غيتس، على التصريح الذي أكد من خلاله على أن ليبيا لا تمثل مصلحة حيوية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، قال رامسفيلد إنه لن يعلق على هذا التصريح وإن أكد أنه يرى أن الأجزاء التي يجب الاهتمام بها في تلك المنطقة هو إيران، حيث الرغبة الشديدة في منح المجتمع مساحة أكبر من التحرر، وكذلك سوريا، حيث توجد الرغبة نفسهالدى الشعب هناك.

وأوضح رامسفيلد أن هاتين الدولتين يقومان بتمويل حزب الله والمنظمات quot;الإرهابيةquot; الأخرى، وأنهما يضرّان بالجهود التي تبذلها واشنطن في أفغانستان، ولطالما لعبا دوراً ضاراً للغاية في العراق. وتحدث رامسفيلد كذلك عن دول كبيرة مهمة أخرى في المنطقة، مثل مصر والسعودية، رغم ما تقوم به بلاده الآن في ليبيا.

وحول واقعية الوعد الذي قطعه أوباما على نفسه بأن تكون مشاركة بلاده في العمليات الدائرة في ليبيا على المدى القصير وبدون إقحام قوات برية، قال رامسفيلد إنه من الصعب على أي شخص خارج الحكومة أن يعلِّق على تفاصيل من هذا النوع. وأوضح في السياق نفسه كذلك أن هناك أعمال علنية، ثم تليها بعد ذلك أعمال سرية.

ونوّه الوزير السابق أيضاً إلى أن الوقت وحده هو من سيحدد مدى نجاح التحالف في قيادة العمليات الدائرة في ليبيا الآن، خصوصاً بعدما قام أوباما بنقل القيادة إلى حلف شمال الأطلسي quot;الناتوquot;. وشدد رامسفيلد على حقيقة ما يقال عن أن هناك فرقاً واضحاً بين الغزو الحالي لليبيا وعملية غزو العراق عام 2003، فيكفي أن بوش قام حينها بحشد ما يقرب من 40 دولة للمشاركة في العمليات العسكرية هناك.

ومضى رامسفيلد يؤكد أنه غير نادم على التعليق الذي سبق وأن استخف فيه من بعض الدول الأوروبية quot;المزعجةquot; مثل ألمانيا وفرنسا ووصفه أوروبا بـ quot; أوروبا القديمةquot;.

وأشار أيضاً إلى أنه سيترك مستقبل القارة للأوروبيين أنفسهم. وقال إنه لم يفاجئ بالقرار الذي اتخذته ألمانيا في ما يتعلق برفضها الانضمام إلى قوات التحالف المشاركة في العمليات التي تشهدها ليبيا الآن، وذلك لأنه لم يَعُد يُفَاجَئ بشكل كبير.

وعما إن كان يؤيد المجلة في تأكيدها على حقيقة أن غزو العراق كان مكلفاً للغاية، أكد رامسفيلد أن التاريخ هو من سيحكم على هذا الأمر. وأضاف quot;من الصعب وضع سعر على بعض الأشياء. فما قيمة أن تحول دون وقوع أسلحة نووية في أيدي ديكتاتور مثل صدام حسين أو في أيدي القذافي، الذي كان مقتنعاً بأن يتنازل عن برنامجه النووي قبل بضع سنوات لأنه لم يكن يرغب في أن تنتهي حياته مثل صدام؟quot;.

وأضاف: quot;وما قيمة أن تنقذ ملايين العراقيين من نظام قمعي؟ وما قيمة أن تمنع النظام العراقي من استهداف طائرات أميركية وبريطانية كل يوم تقريباً؟ وما قيمة أن يتحصل العراقيون على حرية في الصحافة؟ وما قيمة أن يذهب وزير خارجية العراق إلى باريس ليطالب بإنهاء نظام القذافي ويُذكِّر بالعراق كنموذج، بحيث يمكن أن يوجد نظام سياسي أكثر تحرراً في هذا الجزء من العالم؟ وإذا كان هناك أناس يتوقون إلى الأيام التي كان يتولى فيها صدام حسين مقاليد الحكم في البلاد، فأنا لست منهمquot;.

وعن رأيه في ما يتردد عن أن حميد كرزاي، الذي زرعته إدارة بوش في أفغانستان، ولا يزال في الحكم حتى الآن، يُنظَر إلى حكومته من جانب كثيرين على أنها حكومة فاسدة، وأنها واحدة من أكبر المعوقات التي تحول دون حدوث تقدم في البلاد، قال رامسفيلد إنه لا يوجد لديه أي مؤشر يدل على أن كرزاي فاسد شخصياً.

وشدد على أن الفساد موجود في كل الحكومات تقريباً حول العالم، وأن أعضاء الكونغرس الأميركي أيضاً يُسجَنون بسبب تورطهم في قضايا فساد. وتابع quot;وأرى أنه خطأ فادح من جانب مسؤولي الإدارة الحالية أن يلفوا ويدورا حول كرزاي ويقوموا بتشويه سمعتهquot;.

وعما إن كانت الصور التي نشرتها المجلة أخيراً لذلك الفريق الذي يعرف بـ quot;فريق القتلquot; التابع للجيش الأميركي، حيث يظهر فيها، وهو يقتل مدنيين أفغان من دون أي سبب، قد ذكَّرته بالانتهاكات التي كانت يتعرض لها المساجون من قِبل الجنود الأميركيين في سجن أبو غريب في العراق، قال رامسفيلد إنه لا توجد مقارنة، مبرراً ذلك بأن أحداً لم يُقتَل في أبو غريب.

وتابع: quot;في أبو غريب، كانت هناك حفنة من الأشخاص الذين تورطوا في سلوكيات مقززة ومسيئة ومثيرة للاشمئزاز، وكذلك اعمال غير مسؤولة. وقد تمت محاكمتهم ومعاقبتهم. وقد أضرّت تلك الواقعة بالجيش الأميركي، وصبّت إلى حد ما في مصلحة أعدائنا. كما إن المدنيين الذين لاقوا حتفهم في تلك الواقعة الأخيرة في أفغانستان لم يكونوا محتجزين في أحد السجون، وهو ما يجعل الموقف مختلف تماماً. وإذا كان أبو غريب مؤذياً لواشنطن، فتلك الواقعة مؤذية جداً لهاquot;.

وفي ختام حديثه، قال رامسفيلد: quot;ليس هناك من شخص يمتلك ولو قدر بسيط من الحس (ويشغل منصباً حكومياً قيادياً) إلا وينتابه مشاعر ندم وأسف على ثمة شيء. وقد احتجت إلى أربعة أعوام كي أعدّ كتاباً مكوناً من 800 صفحة يسرد تفاصيل متعلقة بعملي، وقد وصفت فيه قدراً كبيراً من مشاعر الأسف والندمquot;.