بعد دراسته الاقتصاد والتنمية السياسية في جنوب غرب انكلترا، بدأ موسى إبراهيم رسالة دكتوراه في فن السينما في جامعة لندن. لكن الأقدار شاءت له أن ينتهي مطافه ناطقاً باسم نظام القذافي وشيئاً من نجم تلفزيوني في الغرب... هذه هي رحلته.


ابراهيم في أحد مؤتمراته الصحافية

يعقد الليبي موسى إبراهيم، الناطق باسم نظام العقيد القذافي، مؤتمرات صحافية يومية يخاطب خلالها الإعلام الدولي ناطقًا بالانكليزية التي يتحدثها بطلاقة.

ولأن إطلالته صارت معتادة على مشاهدي التلفزيون الغربيين، وأيضًا بفضل أسلوبه السهل وإلقائه ما يريد قوله بذكاء وأيضًا أناقته التي لا تخطئها العين، فقد صار شيئًا من نجم سلّط عليه الإعلام الغربي الكثير من الضوء.

ضمن هذا الاهتمام بهذا الشاب، الذي ينتمي الى قبيلة القذافي نفسها، خصصت له صحيفة laquo;تايمزraquo; البريطانية مقالة مطوّلة حوت تفاصيل لقاء أجرته معه مراسلتها في طرابلس، ديبورا هينز. فأشارت أولاً إلى أنه تلقى تعليمه في بريطانيا، وأنه متزوج من بريطانية من أصل ألماني، وأنه مناهض نشط للحروب. ولهذا فهي تستغرب أن يصبح ناطقًا باسسم دكتاتورية القذافي.

تضارب

تقول المراسلة إن الإدانات التي يوجهها ابراهيم، في أحاديثه العامة، الى الناتو وحكومة لندن بارتكاب جرائم ضد الإنسانية laquo;تتضارب كثيرًا مع عشقه الشخصي بريطانيا التي كانت موطنه الثاني لـ12 عامًا، والتي يتوق الى العودة اليها مع زوجته وابنه للتدريس في إحدى جامعاتهاraquo;.

اللقاءجرى في أحد فنادق طرابلس ذات الخمس نجوم، حيث ظل يعيش مع زوجته، جوليا رامولو وابنهما الرضيع الحارث، لفترة الأسابيع الستة الماضية منذ تسلمه مهامه الجديدة. وهو يقول: laquo;أعشق لندن. زرناها في ديسمبر / كانون الأول الماضي. هذه مدينة حيّة وتنضح بالثقافة. وأحرص خلال وجودي فيها على ارتياد دور السينما ومشاهدة المسرحيات الحديثة، واستمتع كثيرًا بحياتها الليلية وبالنقاش والجمعيات.. والمظاهرات ايضًاraquo;.

صحّاف ليبيا؟

بميوله السياسية الليبرالية وآرائه العصرية وحبّه ركوب الدراجة ومتابعة الانتاج العالمي من الأفلام، يبدو ابراهيم أبعد ما يمكن من أن يصبح مدافعًا عن النظام الليبي وناطقًا يحمل رسائله الى العالم من حوله، وينكر ان يكون قد ارتكب اي جرائم ضد شعبه.

وربما كان هذا في حد ذاته هو ما دفع البعض في الغرب لتشبيهه بمحمد سعيد الصحاف، الناطق باسم صدام حسين مع بدايات غزو العراق في 2003. لكن موسى ابراهيم - الذي كان يعرف باسم موسى منصور فترة بقائه في بريطانيا - أكثر التصاقًا بالواقع، ويعرف كيف يخاطب سامعيه، وهو يعرض قضية النظام باعتباره ضحية للتحيز الدولي ضده.

قصتا حب

بدأت قصة الحب بين ابراهيم (36 عامًا) وبريطانيا في العام 1997 في مدينة بورنموث، في جنوب غرب انكلترا، التي التحق فيها بمدرسة لتعلم الانكليزية. ثم انتقل الى جامعة إكسيتر القريبة، حيث حصل فيها على بكالوريوس الاقتصاد والتنمية السياسية.

وفي اكسيتر ايضًا التحق ابراهيم بعدد من الجمعيات الطلابية، وكان حريصًا على التصوير الفوتوغرافي ورياضتي ركوب الدراجات وكرة القدم. وفي اكتوبر/تشرين الأول 2000، عندما كان طالبًا في السنة الثانية، حضر اجتماعًا للاتحاد المسحي، التقى فيه بجيوليا راميلوف ذات الشعر الأحمر، التي كانت طالبة في الدراسات الدينية.

ويقول: laquo;بدأنا نتحدث عن الخلق والشعر والسياسة. وكان واضحًا منذ الوهلة الأولى أننا نجتمع على حب الخالق والشعر وعلى النفور من الحقائق السياسية السائدةraquo;.. وهذه هي قصة الحب الثاني.

وبعد اكسيتر انتقل ابراهيم، مع جوليا الى لندن، حيث حصل في كلية الدراسات الافريقية والشرقية SOAS على الماجستير في الفلسفة والتصوّف. وفي هذه الفترة اعتنقت جوليا الإسلام بدون أن تخطره. وبعد تجمع سياسي نظمته laquo;التحالف ضد الحربraquo; في لندن، وشارك فيه الاثنان، طلب يدها للزواج، وكان هذا في فبراير/ شباط 2003. ورغم موافقتها، فقد اعترضت اسرته على زواجه من غربية، لكنها باركته بعد خمس سنوات كاملة laquo;لأنها التقت بجوليا وأحبتهاraquo; على حد قوله.

موسى ابراهيم.. صار نجمًا في الغرب

وفي 2003 - سعيًا منه إلى بدء صناعة سينمائية لدى عودته الى ليبيا - بدأ ابراهيم رسالة دكتوراه (لم يكملها بعد) في الفن السابع في جامعة لندن، وكانت جوليا تدرّس الانكليزية. وعاشا في حي نورث فينشلي اللندني لخمس سنوات قبل انتقالهما الى طرابلس، حيث أسس مركزًا للإعلام، قبل أن يُطلب منهأخيرًا مرافقة الصحافييين الأجانب. وهكذا صار متحدثًا باسم النظام.

لجوليا رأي أيضاً

حاليًا يعيش ابراهيم وزوجته مع ابنهما (9 أشهر) في ذلك الفندق الفخم، فتبدو الأسرة وكأنها في رحلة سياحية، وليست في عاصمة بلاد تعيش حالة حرب.

ومثل ابراهيم، تبدو جوليا، التي ظلت تعيش في طرابلس منذ زواجهما في 2008 غاضبة إزاء التدخل الدولي في الشؤون الليبية. ولذا كتبت في مدونتها الشخصية على الإنترنت: laquo;برغم كل هذه الفوضى التي تجد البلاد نفسها غارقة فيها، فإن الليبيين يتوحدون ضد عدو مشترك.. وحتى اولئك الذين كانوا متأرجحين في ما مضى يقفون الآن صفًا واحدًا خلف العلم الأخضرraquo;. وهذا رغم أنها كتبت في فبراير/شباط الماضي: laquo;احترامي للمصريين تزايد بشكل هائل. فها هم ينهضون عاليًا بعد ثلاثين عامًا من القمع والفقرraquo;.

لكنها ترد على اولئك الذين يتهمونها بأن نظام القذافي laquo;اشترى ولاءهاraquo; بالقول إن ثمة فرقًا شاسعًا بين ما حدث في مصر وما يحدث في ليبيا. وتوضح هذا بقولها: laquo;الفرق هو أن مصر شهدت ثورة الجماهير العزّل، بينما الأحداث الليبية من تدبير أقلية مسلحةraquo;.

تهديد بالقتل

يقول ابراهيم إنه منذ توليه مهمة التحدث باسم النظام وبعدما عرفت آراء زوجته على الإنترنت، تلقيا العديد من رسائل التهديد بالقتل، وهذه حقيقة تقلقهما كثيرًا. ويضيف قوله إنه ظل يؤمن بضرورة التغيير السياسي والاقتصادي والثقافي في ليبيا. لكن هذا التغيير laquo;يجب أن يأتي بالتدريج، وعبر الحوار السلمي. لا أمانع في ان تنتهج البلاد الديمقراطية خلال عملية انتقالية تدوم 20 عامًا مثلاًraquo;.

ويدافع ابراهيم عن قصف الجيش الليبي مدنًا مثل مصراته قائلاً إنما هو laquo;رد على مقاتلين أجانب بقيادة القاعدةraquo;. ويضيف قوله: laquo;الواجب الأخلاقي يحتم عليّ القيام بما أقوم به. لسنا بحاجة الى ضربات جوية، لأن المدنيين هم الذين يدفعون الثمن بأرواحهمraquo;.