اليوم وبعد نحو عامين ونيف على استلام الحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نتانياهو السلطة، لا يبدو في الأفق أن انفراجًا سياسيًا سيتحقق قريبًا على المستوى الخارجي. لا بلدخلت إسرائيل في أزمة غير مسبوقة في تاريخها على مستوى العالم، وتدهورت علاقات تل أبيب مع العديد من دول العالم الحليفة لإسرائيل.


بنيامين نتانياهو

حسن مواسي من غزة: حين أعيد انتُخاب بنيامين نتانياهو رئيسًا للوزراء في إسرائيل للمرة الثانية، كان معروفًا عنه شخصيته ومواقفه اليمينية المتصلبة، وذلك يعود إلى السياسة التي اتبعها خلال ولايته الأولى كرئيس للوزراء (1996-1999) وتميزت بعدم التنازل أمام الفلسطينيين.

واليوم، وبعد عقد من الزمن، عاد نتانياهو مجددًا quot;مسلحًاquot; بمواقفه المتصلبة، ومعززًا بوزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان المعروف عنه صلفه وعداؤه غير المحدود للفلسطينيين والعرب. خلال العامين الماضيين، ظهر نتانياهو بموقف الضعيف وغير القادر أمام ائتلافه اليميني المتطرف، وكثيرًا ما تناولت الصحف الإسرائيلية وكبار المحللين والمتخصصين في الشأن السياسي الإسرائيلي الداخلي، ضعف نتانياهو أمام ليبرمان، وتفضيله مصالحة الشخصية على مصلحة إسرائيل.

quot;معاريفquot; تحذر من تفكك إسرائيل
صحيفة quot;معاريفquot; بدورها حذرت أمس في تحقيق شامل من المخاطر الكامنة وراء سياسة نتانياهو الداخلية الخارجية، وكتب تقول إن quot;المتتبع للسيادة الإسرائيلية من نظرة عليا، لا يخفى عليه حقيقة أن الحكم المركزي مشلول، وعملية اتخاذ القرارات متوقفة، وحتى لو تم اتخاذ قرار لا يوجد من يطبقه، ووصل الأمر إلى أن يكون العمل الحكومي عالقًا برمته.

واستشهدت بقول كان قد أدلى به مأمور شؤون الموظفين السابق شموئيل هولندر في مقابلة للصحيفة، بأن السنوات الأولى للدولة كانت قيّمة، وكان لها وجود، لكن اليوم بلا قيمة هي، ويوجد الكثير من الحواجز، وهي غير قابلة لاجتيازها. فالدولة مؤسساتها تدار بالقوة الذاتية ويسيطر عليها موظفون، بيروقراطيون، ومراجعون من وزارة المالية، ومحاسبون ومستشارون قانونيون. في هذه الأيام لا ملكًا في إسرائيل. ولا يوجد تخطيط استراتيجي ورؤيا، وعدم القدرة على التخطيط وتنفيذ المشاريع.

رئيس الوزراء شخص مشلول
وأضاف تقرير الصحيفة أن مؤسسات الدولة تعاني تعفنًا تاريخيًا، وصدأ سياسيًا متواصلاً، وأن نتانياهو يفوّت فرصة تغيير الوضع، لإنقاذ الدولة من المتاهة، فرصة كانت مرة واحدة، و لن تعود، وبدلاً من أن يقوم بالإصلاح، يواصل تمسكه بقرني المذبح المتهرئ، بهدف كسب الوقت حتى موعد الانتخابات المقبلة، حتى يعود كل شيء إلى نقطة اللاشيء. ويحارب للمحافظة على تحالف تاريخي مع حركة quot;شاسquot;، ويتخوف من كسر ميزان الرعب مع حليفه الرئيس وزير الخارجية افيغدور ليبرمان.

اليوم، يكثر الحديث عن ضرورة تغيير نظام الحكم، إذ إن رئيس الوزراء شخص مشلول، وقد ثبت ذلك في حرب تموز/يوليو 2006 على لبنان، وأكبر دليل أيهود أولمرت الذي أثبت ذلك مرتين، فإنه لم يحتج قرارًا للخروج لشنّ الحرب، وببساطة خرج. إما في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، وإدارة الشؤون السرية فإنه مستقل وصاحب سيادة أكثر من معظم زعماء الغرب، إلا أن المشكلة تكمن في الإدارة اليومية للدولة.

ومع اتخاذ القرارات اللازمة لبناء مستقبلنا، يبقى الإسرائيليون عالقين لكون إدارة شؤون الدولة بالطريقة الحالية غير قابلة، وتنزلق بسرعة إلى الفوضى. والديمقراطية الإسرائيلية كالحوت الضخم المعقد، ينجرف نحو الشاطئ.

الصيغة الديمقراطية الإسرائيلية مصيبة
وأردفت تقول طريقة الحكم عندنا القائمة على أساس الديمقراطية البرلمانية فكرة ناجعة وجيدة، لكن صيغتنا الإسرائيلية هي مصيبة متدحرجة، فمنذ اليوم الأول الذي يلي انتخابات الكنيست تتفكك إلى عناصر أولية، أحزاب قطاعية تتعاظم وتحظى بنفوذ اكبر، الكل يبتز ويهدد، فيما يقوم رئيس الوزراء بالمناورة، ويقف غير قادر أن يضع على الطاولة أجندة مرتبة أو أن يتخذ قرارًا بسيطًا من دون أن يجد نفسه مهددًا بسقوط حكومته.

ولو تصورنا أن ولاية رئيس الحكومة تكون ممتدة على أربع سنوات متواصلة بدون هذه المشاكسات، ولو لم يكن هذا الكم الهائل من الأحزاب في الكنيست، هل كان سيكون بوسع رئيس الوزراء أن يحدد أهدافًا وان يسعى إليها من دون أن يخاف من اليمين، ويرتعد من اليسار ويغمز، في الوقت نفسه، في كل الاتجاهات؟ تتساءل الصحيفة.

شلحت: إسرائيل تفتقر لزعماء تمتاز ببعد النظر
وقال محلل الشؤون الإسرائيلية أنطوان شلحت لـquot;إيلافquot;: quot;يمكننا القول إن إسرائيل موجودة الآن في خضم أزمة شديدة من الناحية السياسية، وهي مرتبطة بعوامل خارجية وداخلية، وبالنسبة إلى العوامل الخارجية، نلاحظ في الآونة الأخيرة أن هناك حملة نقد دولية غير مسبوقة، ولم يكن لها مثيل في السابق لسياسات الحكومة الإسرائيلية، وممارساتها الميدانية إزاء الفلسطينيين، وخصوصًا استعمال القوة العسكرية وأعمال الاستيطان الكولونيالي في الضفة الغربية المحتلة.

وأضاف شلحت إن quot;هذه الحملة تسير بخط متصاعد منذ الحرب الإسرائيلية على غزة في شتاء 2009، وتأثرت إلى حد كبير بالجمود السياسي المسيطر على العملية السياسية، الذي يعتبره العالم في معظمه أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تتحمل المسؤولية الكاملة عنهquot;.

في ما يتعلق بالأسباب الداخلية، فمن الملاحظ أن الحكومة الحالية هي الحكومة الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، في وقت تشير فيه دلائل كثيرة إلى أن الذي يدير دفه السياسة في الحكومة الحالية هو وزير الخارجية افيغدور ليبرمان، وهذا الأمر يعود إلى افتقار إسرائيل في الوقت الحالي زعامة سياسية تتميز ببعد النظر، وتأخذ زمام المبادرة، ومثل هذه الصفات تنطبق كثيرًا على رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتانياهو، الذي مضى على استلامه ولايته الثانية أكثر من عامين بدون أي خطوة سياسية، من شانها أن تسفر عن انفراج في الأزمة السياسية.

وخلص القول إلى أنه ونتيجة هذه السياسة والحالة المسيطرة هي حالة سياسية اللاسلم واللاحرب، والتي تحمل شحنات خطرة للغاية.