محمد إبراهيم منصور خلال الحوار مع إيلاف

أكد مدير مركز الدراسات المستقبلية في مجلس الوزراء محمد إبراهيم منصور أن المشهد السياسي في مصر محفوف بالمخاطر ومقلق خاصة للذين أظهروا إخلاصاً كبيراً للثورة مشدداً على أن المشهد السياسي يحتاج حاليا إلى حركة سريعة من جانب المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومن حكومة عصام شرف وذلك بضخ دماء جديدة داخل الحكومة، كما يحتاج المشهد إلى قبضة حديدية رادعة لمواجهة القوة المعادية للثورة، وأن يعود الأمن أقوى مما كان وتعود عجلة الإنتاج أسرع بعودة الناس لأعمالهم.


أعرب مدير مركز الدراسات المستقبلية في مجلس الوزراء محمد إبراهيم منصور عن تفاؤله الكبير في أن تشهد مصر نهضة كبيرة خلال الفترة المقبلة بعد بلوغها مرحلة الإستقرار وإنتخاب حكومة ديمقراطية جديدة وإجراء الإستفتاء على الدستور الجديد، كما أعرب عن أمله في أن بلاده مقبلة على دور كبير في المنطقة تسترد به هيبتها الإقليمية التي ضاعت في ظل النظام السابق على حد قوله.

وقال في حواره مع quot;إيلافquot; إن إنتخاب نبيل العربي وزير خارجية مصر أمينا عاما للجامعة العربية هو عنصر إضافي للتفاؤل بعد أن أثبت نجاحا سريعا وملفتا للدبلوماسية المصرية بعد الثورة، متوقعا أن يكون للجامعة العربية دورٌ أكبر خلال الفترة المقبلة.

وأكد منصور أن مصر تحتاج في المرحلة المقبلة إلى رئيس quot;كاريزماquot; ورجل بمواصفات خاصة جدا لأنها تمر بمرحلة تحول جذري في التحالفات الإقليمية والدولية، وفي إعادة بناء الدورين الإقليمي والدولي لمصر.

وشدد منصور على أن التقارب المصري-الإيراني لن يكون على حساب المصالح العربية لأن دائرة الإهتمام الأولى لمصر هي المصالح العربية، وأن بلاده تضع المصالح العربية فوق أي مصالح أخرى، غير أنه أبدى إستغرابه من أن الدول الخليجية تتمتع بعلاقات متميزة مع إيران وتتبادل السفارات والسفراء والزيارات على أعلى مستوى من المسؤولين الخليجيين بينما يرفضون وينزعجون من علاقات طبيعية لمصر مع إيران وليست متميزة كعلاقاتهم معها أو علاقة إستراتيجية كعلاقة سوريا مع إيران.

وأشار منصور إلى أن تصريحات المستشار السياسي لرئيس الوزراء المصري الأخيرة بشأن أن إيران لن تكون حليفة إستراتيجية لمصر هي رسائل هدفها طمأنة وتبديد مخاوف دول الخليج من فتح صفحة جديدة في العلاقات بين مصر وإيران، غير أن منصور عاد مؤكدا ضرورة عدم التضحية بعلاقات بلاده مع إيران التي وصفها بأنها مهمة، ولافتا إلى أن بلاده خسرت كثيرا في مرحلة قطع العلاقات مع إيران وكان من الممكن تغيير أشياء لو لم تكن العلاقات مقطوعة لأنها تغير كثيرا من الموازين على حد قوله.

ودعا منصور إلى ضرورة إسترداد هيبة الدولة قبل إسترداد الأموال المنهوبة، كما دعا إلى ضرورة محاكمة مبارك بعدة تهم منها تزوير الإنتخابات، وفقدان مصر دورها الإقليمي، وإهماله في قضية مياه النيل، وعن دوره في قضية بيع الغاز الطبيعي لإسرائيل، ومشددا على ضرورة محاكمة النظام السابق من الرأس إلى القاعدة.

وطالب الحكومة الحالية بالتحرر من قيود النظام السابق والقواعد التي سنها نظام مبارك في إتخاذ القرار بالنسبة لاختيار المحافظين حيث إختيار كوتات للأقباط والقضاة وأساتذة الجامعة وضباط الجيش والشرطة والتكنوقراط، وداعيا إلى عودة معيار الكفاءة في الإختيار الذي افتقدناه طويلا في ظل النظام السابق.

وثمّن موقف المجلس الأعلى للقوات المسلحة حول رفضه عرض دولة قطر بدعم مصر إقتصاديا مقابل تدخل قوات مصرية في أحداث ليبيا وإزاحة النظام الحاكم عن السلطة ، وقال إن المسألة الليبية شأن داخلي وأن مصر أعلنت رفضها للتدخل بشكل عام في ليبيا وخاصة التدخل الأجنبي والناتو.

وحذر من مغبة إقتراض مصر من الصندوق والبنك الدوليين نظرا لشروطهما التعسفية، وداعيا إلى ضرورة صيانة الكرامة الوطنية لمصر في حال الإقتراض وأن تكون بأفضل الشروط مع البحث عن بدائل أخرى.

ووصف خطوة تغيير الدستور أولا قبل إجراء الإنتخابات البرلمانية بأنها خطوة لها وجاهتها ومنطقيتها وأنها بمثابة وضع الحصان أمام العربة وليس العكس. وبيّن منصور أن هناك إمكانية لبناء العلاقات المصرية -الافريقية في حوض النيل على أساس من التفاهم المشترك والمصالح المشتركة وتعظيمها، متهما رأس النظام السابق مبارك بإهمال قضية مياه حوض النيل لانشغاله بقضايا شخصية ولإهداره رصيد مصروتراثها في علاقاتها الأفريقية. وقد تناول الحوار الذي جرى في مكتبه عدة قضايا وإشكاليات محلية وعربية وإقليمية ودولية وإليكم ماجاء به.

الثورة عمل مستقبلي

**بم تصفون ماحدث في 25 يناير في مصر؟ هل هي ثورة شعبية أم إنقلاب عسكري أبيض؟

-الثورة في حد ذاتها عمل مستقبلي، والثورة هي بداية تشكيل لمستقبل جديد لأنها تحمل وعودًا وهذه الوعود مستقبلية ولن تتم اليوم ولكنها سوف تتم في الغد وليس بالضرورة أن يستفيد منها الجيل الحاضر ولكن بالتأكيد سوف تستفيد بها الأجيال القادمة لأنه من المهم أن تحافظ هذه الثورة على أهدافها السياسية وتسعى تماما إلى تحقيقها، وماحدث في 25 يناير نطلق عليه في الدراسات المستقبلية quot;حدث غير متوقع ولكن إذا حدث فإن آثاره وتداعياته ونتائجه تكون عظيمة التأثير ليس على اللحظة الراهنة ولكن على المستقبل.

ويمكن أن نطلق على ماحدث في 25 يناير بـquot;الحدث الشاردquot;، ومثلما وقعت أحداث 11سبتمبر عام 2001 في أميركا وهو حدث غير متوقع على الإطلاق أحدث دويا هائلا ما زالت آثاره وتداعياته حتى اليوم، وأيضا ينطبق ذلك على حدث quot;مبادرة السلام المصرية -الإسرائيلية quot; ولم يكن أحد يتوقع أن رئيس أكبر دولة عربية سيزور في يوم ما إسرائيل ولكن عندما تمت الزيارة أحدثت آثارا ونتائج كبيرة ولكن هذه أمثلة لأحداث شاردة ولكن عندما تقع فإنها تترك آثاراعلى المستقبل، وهذا ماحدث بالفعل مع الأحداث التي ذكرتها آنفا.

واعتبر أن ماحدث في 25 يناير نموذج مثالي للحدث الشارد الذي سوف يترك آثارا مهمة على المستقبل، ولعلك لاحظت تداعيات ثورة 25 يناير في مصر أنها خطرة حتى على المستوى العربي حيث إندلاع الاحداث في اليمن وليبيا وسوريا والجزائر، وأن الثورة المصرية لم تقف عند حدود مصر بل تعدتها إلى دول عربية أخرى والمنطقة العربية كلها تغلي وبركان ثورة يعتمل وكل يوم ينفجر في مكان معين وتقريبا حاملا الأفكار والشعارات نفسها، وهذه الأحداث تقدم دليلا جديدا على وحدة الأمة العربية حيث كنا نقول ونردد quot;أمة عربية واحدة quot;وكانوا يضحكون علينا وكان الرئيس السابق يسخر من هذه المسألة ويقول quot;الوحدة العربية موضة قديمةquot; ولكن الأمة العربية مؤهلة الآن ليصاغ مستقبلها حاليا وسيكون خيار الوحدة هو خيار الشعوب وليس خيار الحكام كما كان في الماضي.

واقع مختلف

**لماذا لم يحدث في اليمن وليبيا وسوريا ما حدث في مصر وإنتقال السلطة سلميا؟

-الواقع يختلف من بلد لآخر فما حدث في تونس تقريبا مع إختلاف طفيف في السيناريو تكرر في مصر، وقد يكون الإختلاف في عدد الأيام التي استمرت فيها الثورة في مصر حيث كانت نتائجها أسرع من تونس التي إستغرقت ثلاثة أسابيع كانت كافية في البلدين أن تسقط نظامًا مستبدا وظالما وقمعيا، والشيء نفسهحدث في بلاد أخرى لكن مع اختلافات صاحبت مسألة انهيار الأنظمة في تلك الدول أن بعضهاأنظمة قبلية مثل اليمن وبالتالي كانت هناك قبائل مع تلك النظم وأخرى ضد وترتب على ذلك أنها أطالت عمر النظام لكنها لم تساعده وإنما أجلت سقوطه. وأيضا في ليبيا حيث يوجد فيها واقع قبلي حيث عرقل عملية الإنتقال السلمي للسلطة وبسرعة شديدة لكن هناك متغير آخر وهو أن الثورة والثوار لجأوا إلى حمل السلاح على عكس الثورة في مصر وتونس لم تلجأ إلى السلاح وكانت سلمية لذلك إكتسبت تعاطفا كبيرا من المجتمع الدولي ومن المنظمات الدولية وحدث تقريبا ما يشبه الإلتفاف العالمي حول هذه الثورة لأنها رفعت شعارات سلمية ولم تلجأ إلى السلاح حتى عندما أطلقت quot;قوى الغدرquot; والمتمثلة في وزير الداخلية السابق حبيب العادلي على الثوار، الرصاص الحي لم تلجأ إلى الرد عليهم بالسلاح وقبل الثوارأن يدفعوا ثمنا غاليا بدلا من أن يدخلوا في صدام مسلح قد يطيل المسألة لأن القوتين غير متكافئتين وبالتالي ظلوا يحافظون على سلمية الثورة وحصدت التعاطف الدولي ما سهل مهمتها، لكن لجوء بعض الثوار في بعض الأقطار إلى السلاح صعب مهامها.

** بعد مرور أكثر من مائة يوم على الثورة المصرية. ماهي قراءتكم للمشهد السياسي في مصر حاليا؟

-المشهد السياسي في مصر محفوف بمخاطر كثيرة ومقلق خاصة من الذين أظهروا إخلاصا كبيرا للثورة، ومشهد يوم 2 فبراير والذي عرف بـquot;موقعة الجملquot; كانت هناك محاولات لإجهاض الثورة ووأدها في مهدها، وقد تكون هذه المحاولات خابت ولم تحقق نتائجها ولكن القوى الإجتماعية والإقتصادية التي صنعها نظام مبارك السابق ما زالت موجودة وتقاوم، ومازالت في كل يوم تختلق وسائل جديدة لإجهاض الثورة وهذه المسألة مصدر القلق الموجود الآن في مصر ومصدر عدم الإستقرار الذي نعيشه هذه الأيام حيث نظام سابق فاجر يلعب بكل الأوراق وأخطرها ورقة الفتنة الطائفية، والسؤال أين كانت هذه الوحدة بين المسلمين والمسيحيين في عهد الرئيس السابق كانت الفتنة موجودة حيث كان يلعب النظام السابق بهذه الورقة وهذه الصورة الرائعة أمام العالم تريد الثورة المضادة تلطيخها للأسف الشديد والمرتبطة بنظام مبارك والقوى الإجتماعية التي صنعها والتي مازالت تتكشف يوميا فضائحها المالية التي تملأ الصحف وهذا غيض من فيض، وهذا هو المشهد الآن الحقيقة ولذلك فهو محتاج إلى حركة سريعة من جانب المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومن الحكومة ويحتاج إلى ضخ دماء جديدة داخل الحكومة كما يحتاج إلى قبضة حديدية رادعة لمواجهة القوى المعادية للثورة، والمشهد في حاجة إلى عودة الأمن أقوى مما كان وأن يعود الناس إلى أماكن عملهم ويرجعون إلى العمل مرة أخرى لأننا نحتاج إلى ذلك قبل أي وقت.

الكشح وملفات الأزمات الوطنية

**هل حدث بينكم وبين النظام السابق صدام أو نشب خلاف حول طرحكم بعض الملفات أو القضايا من خلال طبيعة عملكم في مركز الدراسات المستقبلية في جامعة أسيوط وأيضا بعد توليكم رئاسة مركز الدراسات في مجلس الوزراء؟

- بالفعل إختلفت مع النظام السابق كثيرا في المرحلتين عندما كنت مديرا لمركز دراسات المستقبل في جامعة أسيوط منذ عام 1996 وحتى 2005، والمرحلة الثانية عندما توليت رئاسة مركز الدراسات المستقبلية في مجلس الوزراء منذ عام 2006 وحتى الآن.

في المرحلة الأولى في جامعة أسيوط كانت العزلة الجغرافية حمتنا بعض الشيء من صدامات مركزية لكن الأجهزة الأمنية في أسيوط -آنذاك- كانت تتدخل بين الحين والآخر في بعض الموضوعات مثل أحداث الكشح حيث وقعت جريمة كبيرة وكان وراءها أجهزة الأمن حيث قتل عشرين مواطنا قبطيا في القرية، وعلى أثرها دعوت إلى ندوة كبيرة في المركز في جامعة أسيوط بعنوان quot;وطن بلا طائفية quot;ووجهت الدعوة إلى مجموعة من المفكرين الوطنيين كان من بينهم د.ميلاد حنا الذي طرح رأيه بقوة وقال quot;إذا ظلت أمن الدولة تمارس هذه الممارسات نفسها فلن تكون هذه الكشح الثانية عام 2000 بل ستكون هناك كشح ثالثة وعاشرة quot;، وقد حدث ماتوقعه د.ميلاد حنا وهو ما شاهدناه في أحداث إطفيح وإمبابة، وبعد انتهاء الندوة إستدعاني رئيس الجامعة -آنذاك- وقال لي أنت بالطريقة دي هتقفل الجامعة ومن الممكن نستغني نهائيا عن المركز quot;فقلت له: ياريت إما أن نعمل في مناخ ليس حرية مطلقة وإنما يكون هامش حرية لأنه لن يتقدم البحث العلمي في وجود قيود على الحرية وعلى كل حال هذه إستقالتي quot;وقد أغلقت المركز في جامعة أسيوط بعد ذلك حوالى ستة أشهر ثم بدأ يتصل بي مرة أخرى وتمت المصالحة بيننا وإستأنفت العمل في المركز، والحقيقة أنني كنت متصورا أن الرؤى التي طرحت في ندوة الكشح تضم أفكارا جديدة وهدفها الأساسي هو رفع مستوى وعي الناس ولفت نظر النظام إلى أخطائه هنا أو هناك ولكن تصريحات د.حنا كانت ساخنة فأثارت حفيظتهم، أما هنا في مركز الدراسات المستقبلية في مجلس الوزراء كانت القيود أشد من أسيوط حيث كنت أقوم بمشروع ولكن صدرت تعليمات بتوقف العمل فيه.

** إلتقيتم الرئيس الأريتري آسياسي أفورقي في أسمرة من قبل على هامش مشاركتكم بعيد الإستقلال. فماذا تناول اللقاء؟ وماهي أبرز القضايا التي تم طرحها؟

- تلقيت دعوة من الحكومة الأريترية للمشاركة في احتفالاتهم بعيد الإستقلال، وقد طلب الرئيس الأريتري آسياسي أفورقي مقابلتي وأخبرني بذلك وزير الإعلام هناك وحدد لي موعدا في آخر يوم لزيارتي وكان من المفترض أن تكون نصف ساعة فامتدت إلى ساعة ونصف الساعة، وقوبلت بحفاوة بالغة من الرئيس وقد طرح في حديثه معي عدة ملفات على صعيد العلاقات بين بلاده ومصر ومنها ملفات مياه النيل، وجنوب السودان، واللغة العربية في أريتريا وكان يحتاج إلى دعم فني لنشرها حيث كان قد طلب ذلك من حكومة النظام السابق لكن لم تتم الإستجابة إلى طلبه، ورغم ذلك أبدى إستعداده وبلاده لدعم مصر في ملف المياه في مواجهة مشروع بناء سد الألفية العظيم في أثيوبيا وإقترح عدة مقترحات، كما تحدث أفورقي عن القواسم المشتركة بين بلاده ومصر ، كما كشف أفورقي عن أنه تحدث مع أحد المسؤولين في مصر عن ضرورة الإهتمام بأفريقيا وأن ينظروا للجنوب بمزيد من الإهتمام أكثر كما ينظرون للشمال فرد عليه المسؤول المصري في النظام السابق -الذي لم يكشف عنه أفورقي- أن ذلك كلام إنتهى ولا نستطيع الإستغناء عن الشمال، وعندما عدت لمصر كتبت تقريرا بخلاصة زيارتي إلى أريتريا ومقابلتي مع الرئيس وبعد مرور خمسة عشر يوما سألت أحد المختصين الذي كان سيصل بتقريري هذا فقال لي نسيت تقديمه وهذا يوضح مدى الإهمال الذي كان يتم في النظام السابق لأشياء مهمة للغاية وحساسة، وبعد هذا الموقف نشرت مقابلتي مع أفورقي في مقالة في جريدة quot;الأهرامquot; في شهر يوليو الماضي بعنوانquot;مقابلة مع الرئيس آسياسي أفورقيquot; حيث ذكرت بعض ما جاء في المقابلة ومن أبرزها أنه كان ضد إنفصال الجنوب السوداني، كما قدمت صورة في كيفية تعامله مع التنوع الديني في بلده حيث يبلغ تعداد المسلمين إلى المسيحيين نسبة 50% لكل منهما في أريتريا وفي الحكومة الإريترية يوجد 16وزيرا من بينهم 8 وزراء مسلمين وقد وجهت رسالة من هذا المنطلق في كيفية تعامله مع التنوع الديني في بلده، كما يحتضن في أريتريا 8 حركات تحرير تعمل ضد النظام الحاكم الحالي في أثيوبيا وبذكاء يلمح بإمكانية توظيفهم لتحقيق مصالح مشتركة.

آفاق ومتغيرات جديدة للمستقبل

**هل قام المركز بتأريخ فترة الثورة وإجراء دراسات حولها؟ وهل توقفتم عن الدراسة الخاصة حول رؤيتكم لمصر في عام 2050 نظرا لأحداث الثورة أم هناك تواصل؟

-بالفعل نحن نعمل الآن في دراسة حول الثورة، وكنا قد أجرينا دراسة حول رؤية مصر حتى عام 2030 والآن نحدد الرؤية على ضوء أحداث الثورة حيث يتم تشكيل جديد للمستقبل، والثورة فتحت لنا آفاقا جديدة وأطلقت أفكارا من عنان القيود والضغوط التي نواجهها مع النظام السابق، وهناك فريق عمل يقوم حاليا بإجراء دراسة حول كيفية إعادة صياغة الرؤية لمصر على ضوء أحداث ثورة 25 يناير، فمثلا كنا من قبل نتحرج من الخوض في طرح قضية الوحدة العربية والمصير المشترك كفكرة مستقبلية، وأن الوحدة العربية ستحدث وهي أصلا إقرار لحقيقة منذ مئات السنين، وقد أشرت إلى هذه القضية في مقابلة كان يحضرها وزير المالية السابق يوسف بطرس غالي أمام رئيس الحكومة السابق، وقال لي غالي باللفظ : يعني إيه أهمية أن يكون لنا علاقات مع العرب، وقد إستفزني ورددت عليه ردا قاسيا وقد فض الإشتباك بيننا د.نظيف، ولذلك فإن هناك قضايا معينة نعيد إدماجها في رؤيتنا لمصر عام 2030 لأننا لا نتصور أن يكون لمصر مستقبل بعيد عن المجال الحيوي الطبيعي لها وهو العرب والفكر، أما بالنسبة إلى الدراسة حول رؤيتنا لمصر في عام 2050 فهي متواصلة ولم تتوقف وطرأت بالتأكيد متغيرات ومعطيات جديدة بعد قيام ثورة 25 يناير حيث فتحنا ملف الإندماج الوطني مرة أخرى وكل الملفات المغلقة والمسكوت عنها فتحت بشكل موسع، فضلا عن قضايا الديمقراطية والتحول الديمقراطي والتعديلات الدستورية وغيرها من الأمور.

إزالة مشاعر الخوف

** بوصفكم خبيرا سياسيا ما هي أبرز إنجازات ثورة 25 يناير حتى الآن؟

-أول شيء وما شعرت به كمواطن هو نزع الخوف من الناس وجزء كبير مما يحدث الآن في الساحة المصرية وفي الجامعات والمؤسسات المختلفة وفي الشارع المصري ماهو إلا تعبير عن أن الخوف الذي كان يكبح جماح الناس إنتهى وزال، وبالتالي الشعب يريد التعبير عن نفسه بأي شيء وبأي طريقة كانت، وأرى أن أول وأهم مكسب لهذه الثورة هو إزالة مشاعر الخوف عن الشعب المصري وهذه مكاسب لا يعادلها أي شيء، فضلا عن أن هذه الثورة أظهرت معدن هذا الشعب ووحدته ودعك مما ترى الآن من بقع سوداء على السطح تعلم مصدرها ومن أين أتت ومن يحركها؟ لكن في الحقيقة هي أظهرت وحدة الشعب المصري والمشاعر الحقيقية تجاه هذا الوطن، إضافة إلى ذلك أعادت تجديد الثقة بالقوات المسلحة وأثبتت إخلاص القوات المسلحة لتاريخها ولتراثها الوطني ولم تتناقض أو تتعارض معه وهذه مسألة كانت في حاجة إلى حدث كبير يعيد هذه القضية مرة أخرى للناس وهي تجديد الثقة بالقوات المسلحة وتأصيل الدور الوطني الذي تقوم به وربطه بحلقات التاريخ كجزء وهذه حلقة جديدة من حلقات التاريخ الوطني للجيش المصري.

مشروع التوريث وزواج السلطة بالمال

** في منظوركم ما هي أبرز الإخفاقات التي وقع فيها النظام السابق؟ هل مشروع التوريث كان الإخفاق الأبرز ومحاولة تنفيذه؟

-النظام السابق كله إخفاقات، وفعلا أخطر شيء والقشة التي قصمت ظهر النظام السابق هو مشروع التوريث لأنه خيانة لفكرة الجمهورية التي ضحى في السابق من أجلها ملايين المصريين، فقد كافح المصريون هذا العمر الذي مضى من أجل قيام دولة جمهورية فكيف تأتي لتورثها؟، ولذلك هم أنفسهم أصحاب المشروع كانوا يتوقعون حدوث إنفجار كبير يوم أرادوا أن يعلنوا عن جمال مبارك وريثا شرعيا لأبيه وكانوا يتصورون أن ذلك سيحدث وأعدوا سيناريوهات لإحتمالات هذه الأزمة وكان من بينها ماحدث في 2 فبراير، وكانوا يعلمون أن شيئا خطرا سيحدث وأن المصريين لن يقبلوا بمشروع التوريث وأن الشعب المصري عن بكرة أبيه سيواجه هذا المشروع، فخيانة مبادئ الجمهورية من الصعب أن يتقبلها الشعب المصري بل كان من الممكن أن يقبل أي شيء آخر أو يتحمل أزمة إقتصادية لكن لا يتحمل خيانة الجمهورية، ولا سيما أن جمال مبارك لم يكن أنبه الشباب المصري ولا يمتلك موهبة تفوق مواهب الآخرين بل ما كان يتميز به عن بقية الشعب المصري أنه إبن رئيس الجمهورية وهذا لا يؤهله، فضلا عن سيطرة الرأسمال على الحكم وهذا يندرج تحت مشروع التوريث لأنه لا بد من أن تكون هناك قوى إجتماعية تساند هذا المشروع ومن هنا كان إعتمادهم على رجال الأعمال وظهرت الفكرة الجهنمية وهي زواج السلطة بالمال في ذلك الوقت وهي التي أودت فعلا بالنظام السابق.

الثورة أسقطت النظام ولكن

**أكد الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل أن الثورة المصرية وصلت إلى مشارف الهدف ولكنها لم تحقق النصر. ما تعليقكم؟ وهل ميزة أو عيب أن الثورة المصرية ليس لها قائد أو زعيم؟

- أعتقد أن هذه حقيقة ونحن نتداولها في إجتماعاتنا كمثقفين مصريين، وبالفعل نجحت الثورة في أن تسقط النظام السابق وتزيل أكبر عقبة في طريقها لكنها لم تنتصر لأنها لم تبن بعد النظام الجديد وحتى الآن لا تعرف كيف تكون؟ وماهي القوى الجديدة التي ستقوم بذلك؟ الآن بعض قوى الثورة حائرة هناك مأزق لا شك فيه لأن الثورة ليس لها تنظيم كامل، والحقيقة أن عدم وجود زعيم أو قائد لها هي ميزة وعيب في الوقت نفسه، فهي ميزة لأن الجماهير لم يكن لها قيادة تحركها وكانت تتحرك بعفوية ومنطلقة بقوة شديدة جدا وربما لو كانت هناك قيادة من الممكن أن تضع حسابات قد يكون بعضها صائبا وآخر خاطئا وبالتالي تعوق حركة الثورة نظرا للحسابات، لكن الثورة المصرية كان الزخم الشعبي يحركها وفي الوقت نفسه كان لا بد من أن تتسلمها قيادة ثورية أو تنظيم ثوري إلى جانب قوى الثورة حتى تتفاوض مع القوات المسلحة أو الحكومة وهذا ما وضع المجتمع المصري في حيرة إلى من تسند الوزارة الجديدة بعد سقوط النظام السابق وهل تسند إلى وزارة معظمها محسوب على النظام السابق؟ وإنتهت إلى إختيار رجل ثائر كان موجودا بميدان التحرير في قلب إحدى التظاهرات رغم أنه كان وزيرا سابقا في النظام السابق وقالوا إن هذا وقع عليه الإختيار ليقود الحكومة الجديدة رغم أن الوزارة يشوبها الكثير من الملاحظات منها أن عددا كبيرا من أعضائها كانت قيادات ضالعة في النظام السابق وهذا جعل المجتمع في حيرة الآن، والقوات المسلحة تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه وخاصة الحفاظ على الشرعية، ووحدة البلاد، وتحاول أن تفض أخطارا تظهر بين الحين والآخر يقودها عناصر النظام القديم وهذا سر الحيرة وعدم وصول الثورة إلى أهدافها كاملة.

الإخوان الثلث والأقباط 10% والعصبيات

** في حوار أجريته مع الوزير الأسبق د.حلمي الحديدي أكد لي أنه في حال إجراء الإنتخابات البرلمانية فإن القوى التي ستفوز فيها هي الإخوان المسلمون، وحزب الأحرار المصريين، وبعض فلول الحزب الوطني. ما رؤيتكم لهذا التصور؟

- في ما يتعلق بالإخوان المسلمين فلا شك في ذلك ولا أحد يختلف عليها لأنه سيحدث تكتل داخل البرلمان ليس قليلا ولن يقل عن ثلث مقاعد البرلمان القادم للإخوان يعني في حدود نسبة 25%من المقاعد، أما بالنسبة إلى مسألة حزب quot;الأحرار المصريينquot; من الممكن حصوله على نسبة 10% من المقاعد لأن الحزب قد ينال كتلة صوتية مهمة من الأقباط، وأيضا أنصار النظام السابق أو فلوله هي جزء منها ليس فلول النظام السابق بقدر العصبيات التي كان يعتمد عليها النظام السابق، لأن كل ما يعنيهم هو تواجدهم في البرلمان لأنه يعكس الوجاهة الإجتماعية والنفوذ العائلي والقبلي وليس واردا بالنسبة لهم الحزب لأنه لم يكن هناك حزب وطني بل تجمع منتفعين وإدارة حكومية إضافية، ولو تمت الإنتخابات المقبلة بالنظام الفردي سيحصلون على نسبة لا بأس بها، وقد تتقاسم الأحزاب الجديدة والقوى الثورية النفوذ السياسي المهم في بعض الدوائر، أما بالنسبة للأحزاب القديمة لم يكن لها دور على الإطلاق في الثورة بل تحركت بعد قيام الثورة كما لو كانت تحتفل بالثورة، ولم يكن للأحزاب القديمة فضل كبير في الإعداد أو القيام بالثورة حتى لا يزايد أحد على المصريين، وإنما الذي قاد الثورة هي الحركات الجديدة والشباب الجديد وبعض الجماعات التي تصنف طبقا لمنهج الأحداث القديمة مثل حركة 6 أبريل وحركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير، هذه التجمعات تشكيلات سياسية وإجتماعية فوق حزبية، وهذه الظواهر جديدة في العالم وتقريبا تجعل الأحزاب القديمة تتلاشى وتنحسر.

إسترداد هيبة الدولة أولا ثم الأموال المنهوبة

**وماذا عن دعوة الكاتب محمد حسنين هيكل وبعض القوى السياسية إلى ضرورة محاكمة رأس النظام السابق مبارك سياسيا أمام البرلمان بجانب محاكمته الجنائية؟

- لقد طرحت هذا الطرح قبل هيكل لأن القضية الآن ليست كيفية إسترداد الأموال المغتصبة والمنهوبة ولكن القضية هي كيفية إسترداد هيبة الدولة الآن التي عاث بها مبارك فسادا، ولذلك من الضروري من محاكمة مبارك على تزويره الإنتخابات وعلى فقداننا دورنا الإقليمي وما تعرضنا له من خسائر على الصعيد الإقليمي، ويحاكم على العبث بقضايا مهمة مثل قضية مياه النيل وأيضا قضية بيع الغاز الطبيعي لإسرائيل، وهناك قضايا كثيرة أولى بالمحاكمة من الأموال المنهوبة ولا أقلل من أهميتها وضرورة محاكمة النظام السابق من الرأس إلى القاعدة، ولكنّ المحاكمة السياسية لابد أن تكون لها أولوية قبل هذه المسألة، لأنه فعلا أن تخسر مصر هيبتها ودورها وأهميتها الإقليمية في غاية الخطورة.

عودة الإنتاج والأمن والسياحة وتطبيق الضريبة التصاعدية

**كشف تقرير صادر عن معهد التخطيط القومي في مصر أن خسائر الإقتصاد المصري بلغت نحو 700 مليار جنيه منذ إندلاع ثورة25 يناير وحتى وقت صدوره في مطلع مايو الجاري. في تصوركم كيف يمكن لمصر تعويض هذه الخسائر؟ وما هي الوصفة الإقتصادية المطلوبة لهذه المرحلة لمصر؟

- أولا هو أن يعود الناس إلى أعمالهم وأن تدور عجلة الإنتاج مرة أخرى وبأسرع مما كانت حتى إذا كنا في مرحلة سابقة نستطيع المحافظة على معدل النمو عاليا فالآن لابد أن يكون معدل التنمية الذي كان مستهدفا في الفترة الماضية نحققه بل نزيد عليه، ويجب مواصلة الجهود في إسترداد الثروات المنهوبة وهي كثيرة، وهناك مقترحات في هذا الشأن وأعجبني إحداها قرأته في quot;نيويورك تايمزquot; في العدد الصادر يوم 4 مارس الماضي وهو إنشاء صندوق أخضر يتم تمويله من أموال الفساد الأسود للنظام السابق، ويستهدف هذا الصندوق تمويل مشروعات الأمن الغذائي والزراعي من أجل الفقراء الذين أضيروا كثيرا، ونحن نحتاج إلى جهود مكثفة وسريعة لإنقاذ الموقف حيث كنا مقبلين على أزمة كبيرة داخلية حيث هناك نقص في مخزون القمح وبعض المواد التموينية فضلا عن مشكلة في السولار، ولابد من تجاوز كل هذه الأزمات، فضلا عن ضرورة ترتيبات جديدة لعودة السياحة المصرية والتي تتوقف عودتها على عنصر مهم جدا وهو إستتباب الأمن وإجراءات أمنية أكثر تشددا في الداخل وهذا ينعكس تماما على عودة الإستثمارات والسياحة في مصر بمعدلاتها السابقة، ومصر تحتاج الحقيقة إلى إعادة النظر في الهيكل الضريبي الحالي الذي وضعه يوسف بطرس غالي كان منحازا بشدة إلى الأغنياء، وكيف تساوي بين الأغنياء والفقراء في الضريبة؟ وهل مستوى دخل الغني مثل الفقير؟ والمطلوب إذن نظام ضريبي عادل يحقق العدالة الإجتماعية قائما على الضريبة التصاعدية وهي معمول بها في أرقى دول العالم.

صيانة الكرامة الوطنية قبل القروض

**تقدمت مصر رسميا بطلب قرض من صندوق النقد الدولي يقدر بـ12مليار دولار لمواجهة العجز في ميزانيتها حيث تقوم الحكومة بالسحب من إحتياطي الدولة، ويرى المراقبون أن هذا اللجوء لصندوق النقد حتى لا تفرض بعض الدول شروطها على مصر. ماتعليقكم؟

- سمعت بهذه الواقعة وأعلم تماما ان صندوق النقد الدولي يقرض بشروط تعسفية وكذلك البنك الدولي فكلا المؤسستين لهما شروطهما ويفرضان ضغوطهما الشديدة مثل الخصخصة والتكيف الهيكلي وخفض الإنفاق العام، ناهيك عن الشروط السياسية في أن تتجه مصر إلى الديمقراطية على غرار النموذج الأميركي فضلا عن تعميق العلاقات مع إسرائيل لكي يقدم تسهيلات إئتمانية أكثر، ونحن كثيرا ما بعنا كرامتنا وشرفنا السياسي مقابل هذه القروض التي علينا أن نقف عشرات المرات أمام أي خطوة للإقتراض، وإذا ما إقترضنا فليكن بأفضل الشروط مع صيانة كرامتنا الوطنية وهي شرط أساسي في ذلك، كما علينا بالبحث في السوق الدولية وهي مفتوحة حيث هناك متعاطفون مع الثورة المصرية ونفتح معهم خطا ونحصل على تسهيلات كبيرة دون أي شروط تذكر، وهناك دول يمكن التعاون في هذا الصدد وذلك بتنشيط العلاقات مع تركيا وإيران وماليزيا وهذه دول من الممكن أن تقدم تسهيلات كبيرة جدا لمصر من دون شروط فضلا عن الصناديق العربية ونجعل البدائل الأخرى كخط دفاع أخير، لكن هناك مئة خطوة أمامك قبل أن تصل إلى الخطوة التي تهدر كرامتك وهذه مسألة سهلة.

لا نقبل شروط قطر... وليبيا شأن داخلي

**تردد أن دولة قطر أعلنت عن دعمها لمصر إقتصاديا لكن مقابل دخول قوات مصرية مسلحة إلى ليبيا بهدف إزاحة نظام القذافي عن السلطة. كيف تقرأون ذلك؟

-لا نقبل هذه الشروط، وأحسن المجلس العسكري صنعا برفضه هذا العرض لأننا ضد التدخل في شؤون الآخرين، والشأن الليبي شأن داخلي وأعتقد أن هناك رسالة وصلت إلى القيادة الليبية بأننا حتى نرفض التدخل الأجنبي من قبل الناتو، لأن هذه مسألة أن شعبا يطالب بحقوق معينة وهي متروكة مع النظام الليبي ولا شك ان هذه المواقف تترك آثارا على صعيد المستقبل، وبالتالي إذا كان التغيير يتم سلميا نحن نؤيده ومشاعر المصريين مع الشعب الليبي لكن دون تدخل منا أو إراقة دماء.

عبث وعداء ومنطق إستعلائي

** يتوقع الخبراء أن تواجه مصر أزمة مائية عام 2015 بعدما أعلنت أثيوبيا بناء سد الألفية العظيم. ماهو تصوركم لهذه الأزمة؟ وماذا عن دور المركز ودراسته لهذه القضية؟ ولماذا أهمل النظام السابق أفريقيا وملف المياه الذي يهدد الزراعة والإقتصاد المصري؟

- إهمال النظام المصري لقضية مياه حوض النيل لأنه كان مشغولا بقضايا أخرى شخصية ولم تكن القضايا الإستراتيجية والمهمة محل إهتمامه ولم يلتفت إلى الملفات الكبيرة جدا مثل الملف الأفريقي والملف العربي، وتركت هذه الملفات بل وأهملت ليعبث بها الصغار وأهدرنا تاريخنا حتى تاريخ مواقف مصر المشرفة مع الحركات التحررية الأفريقية وتركنا إسرائيل لتدير شؤون المياه والزراعة في أفريقيا حيث هناك وجود إسرائيلي كبير وقوى أخرى منها الصين وأميركا وغيرها من الدول حيث يزرعون وينتجون كما يريدون، بينما كان النظام السابق يلهو ويتخذ مواقف معادية ويتعامل مع الملفات والدول بمنطق إستعلائي للآسف الشديد، ولذلك كان الأفارقة يترحمون على عهد وزمن عبدالناصر والعلاقات المصرية -الأفريقية في الماضي، ولمصر تراث ورصيد كبير جدا في أفريقيا أهدره مبارك ونظامه وعلينا أن نعيد بناء هذا الرصيد مرة أخرى وأن نبني عليه أيضا وأن نقيم علاقات من نوع جديد قائمة على الندية وليست على الإستعلاء الفوقي، ونحن لسنا أكبر من هذه الدول الأفريقية ونتعامل معهم بمنطق المصلحة المشتركة، وقد سمعت من بعض المسؤولين الأفارقة كثيرا ومنهم مستشار رئيس جمهورية بوروندي -وهي إحدى دول حوض النيل - وذلك في شهر ديسمبر الماضي - قبل إندلاع الثورة بشهر- حيث زارنا هنا بالمركز وشكا من تعامل النظام مع الأفارقة حيث وصف هذا التعامل أشبه بتعامل الإستعمار الأوروبي مع شيوخ القبائل الأفريقية في القرن التاسع عشر، حيث كان يتصور النظام السابق أن حفنة من الخرز الملون قادرة على شراء الأفارقة ونسي أن هؤلاء تعلموا وأن الأجهزة الحاكمة في تلك الدول من بينها عناصر تلقت تعليمها في أرقى الجامعات الأوروبية والأميركية وأنهم على درجة عالية من الثقافة والوعي التام وان النظام السابق كان يتعامل معهم على أنهم ما زالوا قبائل أفريقية تدق الطبول وهذه مسألة خطرة للغاية، ولكن سذاجة النظام السابق وقصر نظره وإنشغاله بمغانم قصيرة الأجل لزمرته وليس لبلده كل هذه الحقيقة أدى إلى إهمال الملف الأفريقي، وحتى كان من الممكن ان تساند دولا أفريقية أخرى من داخل القارة وليس دول حوض النيل حيث لا يوجد بلد أفريقي لا يوجد فيها صورة للرئيس عبدالناصر وميدان باسمه تخليدا لذكراه، وماذا صنع النظام السابق لكي يحافظ على هذا التراث العظيم؟ بالطبع أهدره للأسف الشديد، ولذلك رحبت دول حوض النيل بالثورة.

** هل تتوقعون إنفراج أزمة مصر مع أثيوبيا حول حصة مصر من المياه والإتفاقية الإطارية بزيارة رئيس الوزراء د.عصام شرف الأخيرة لها؟

-مع زيارة رئيس الوزراء الأخيرة لأثيوبيا جاءت التصريحات الصادرة عن المسؤولين الأثيوبيين إيجابية وحميمية وودودة وتطلع لمستقبل جديد لهذه الدول، وأعتقد أن هذه قاعدة مهمة لبناء العلاقات المصرية -الأفريقية في حوض النيل على هذا الأساس وهو التفاهم المشترك والمصالح المشتركة وتعظيم المصالح المشتركة بين دول الحوض ومصر، وبالتالي يمكن معالجة كافة القضايا الخلافية من هذا المنطلق، وأرى أنها فرصة تاريخية لإعادة التفاوض الآن حول الإتفاقية الإطارية وأيضا حول مسألة الإخطار المسبق بمشروعات مائية والتعاون في إقامة مشروعات مائية جديدة ستفيد منها الجميع، ويمكن من خلال المشروعات المشتركة بدلا من 55.5 مليار متر مكعب من المياه قد تصل إلى 70 مليار متر مكعب لأن دول حوض النيل يوجد بها موارد مائية كثيرة جدا وتهدر في المحيط حيث لا تستفيد دول حوض النيل العشر من مياه النيل إلا بنسبة 4% فقط من مياه النيل والباقي يهدر ولماذا لا تعمل دول حوض النيل على توفير مياه من نسبة الـ96% المهدرة عن طريق مشروعات مشتركة لكل دول الحوض؟ وهذه فرصة تاريخية للإستفادة من سيناريو التعاون بين دول حوض النيل حيث كان في السابق سيناريو صراع الآن وضعناه جانبا بعد الثورة في مصر وعلينا أن نعض بالنواجذ على سيناريو التعاون المشترك وتعظيم المنافع المشتركة بين هذه الدول.

دفعة من الشعب والحكومة والتحرر من قيود النظام السابق

**الإقتصاد والأمن مهمتان يركز المجلس العسكري جهوده على تحقيقهما وإرسائهما. هل استطاعت الحكومة الحالية في إجتياز الإختبار الصعب حتى الآن؟

- تحتاج إلى دفعة من الشعب ومن الحكومة نفسها مع نظرة من جانبها أكثر إتساعا للقضايا الوطنية الحادثة، ويجب أن تتحرر الحكومة الحالية من قيود النظام السابق أو من القواعد التي سنها النظام القديم، وقد ظهرت هذه القواعد التي سنها النظام القديم في إتخاذ القرار في إختيار حركة المحافظين الأخيرة وواضح تماما أن الحكومة الحالية كانت أسيرة لتقاليد النظام القديم في إختيار كوتة للأقباط وأخرى لأساتذة الجامعات والقضاء، وغيرها لضباط الجيش والشرطة وأيضا كوتة للتكنوقراط، وبالمقاييس نفسها والثقافة والتقاليد التي وضعها النظام القديم ولم يكن ينقص تشكيل حركة المحافظين الأخيرة إلا توقيع حسني مبارك لأنها الطريقة نفسها التي كان يتعامل بها في اختيار المحافظين، وإستبعد أهم معيار من معايير الإختيار وهو الكفاءة كما لو كان مكافأة نهاية خدمة لبعض اللواءات وأساتذة الجامعات والمستشارين، لكن لا بد من أن نعود إلى المعيار الذي افتقدناه طويلا في ظل النظام السابق وهو معيار الكفاءة.

تحفظات كثيرة

**وما رأيكم في الإقتراح الخاص بانتخاب المحافظين؟

-هذا الإقتراح عليه تحفظات لأن واقعنا مختلف عن الغرب في انتخاب المحافظين ولو تم ذلك سيجر ذلك العصبيات والقبليات وسوف يأتي المحافظ منتخبا ليخدم عائلته أو قبيلته أو عصبيته أو المنطقة التي جاء منها، ولذلك أرى إرجاء هذه الخطوة وعندما تذوب العصبيات والقبليات في إطار المواطنة ونشعر أن المحافظ يخدم المواطنين جميعا لا قبيلته ولا عائلته يمكن التفكير في إنتخاب المحافظين عندئذ.

تواضع المجلس العسكري

**دعا الكاتب الصحافي صلاح منتصر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في أعقاب أحداث إمبابة إلى أن يحكم ولا يدير بدلا من أن يدير ولا يحكم. ما تعليقكم؟

- المجلس العسكري تواضعا منه صاغ هذا المصطلح وهو يدير ولا يحكم ولكن في الحقيقة أن المجلس العسكري يحكم ويدير وما زال يقوم بمهامه خير قيام، والمجلس يحكم بمعنى أنه مخول في اختيار المحافظين لابد أن يصدق عليه ويؤدون حلف اليمين أمام المشير، وهو الذي يصدر توجيهاته في قضايا محلية وخارجية مختلفة، وإستهدف المجلس من هذه المقولة بث الإحساس فعلا بأنه لا توجد هيمنة عسكرية على مقاليد الأمور وهو تصريح ذكي من جانب القوات المسلحة.

ظاهرة طبيعية

**بعد إطلاق حرية تأسيس الأحزاب يتوقع المراقبون أن يصل عدد الأحزاب إلى المئة حزب أو أقل.فهل يمكن أن تساهم هذه الأحزاب في الدفع بالعملية الديمقراطية في مصر؟

- هذه ظاهرة طبيعية في كل الثورات التي قامت في العالم حيث بدأت بعدد كبير من الأحزاب وعلى سبيل المثال أسبانيا بعد الحرب الأهلية كان يوجد فيها نحو 140حزبا ظل هذا العدد يتناقص حتى وصل عددها الآن إلى سبعة أحزاب، وفي البداية علينا ان ندع الناس تختار ماتريد وتشكل تنظيماتها التي تريدها وسرعان ماسوف يحدث من إندماجات بين عدد منها وأيضا إنشقاقات حتى تتبلور الصورة النهائية في الوجهات الرئيسة المختلفة، وستكون هناك أحزاب لن يكون لديها القدرة على النمو وأخرى سوف تموت بعد حين وغيرها سوف تقطع منتصف الطريق وتنتهي، وفي المقابل هناك أحزاب سوف تستمر وفي النهاية نريد الحزب الذي يستمر لأنه يمتلك مقومات البقاء والنمو فلست خائفا من ظاهرة الأحزاب الكثيرة بل بالعكس هي ظاهرة طبيعية في كل مناخ ديمقراطي جديد ومناخ الحريات لأن من حق الناس أن تختار ماتشاء لأنه يهمني الصورة النهائية التي سيؤول إليها هذا المخاض الحزبي الواسع الكبير أنها سوف تنتهي إلى عدد قليل من الأحزاب تعبر عن التيارات والتوجهات الأساسية الموجودة.

فتح الملفات المحظورة

**هل يمكن القول إنه بدأت مرحلة جديدة من التعاون بين مركز الدراسات المستقبلية ومجلس الوزراء بعد ثورة 25 يناير؟

-نعم كل الدراسات التي كانت محظورة قبل الثورة أرسلناها إلى السيد رئيس الوزراء د.عصام شرف، كما قدمت مجموعة للسيد نائب رئيس الوزراء د.يحي الجمل الذي أبدى إمتعاضه الشديد عن موقف النظام السابق من بعض الملفات.

المصالح العربية فوق أي مصالح أخرى

**بعد إعلان الحكومة المصرية ترحيبها بعودة العلاقات مع إيران يرى مراقبون أن هذا التحول في السياسة الخارجية المصرية أثار مخاوف دول مجلس التعاون الخليجي الأمر الذي إنعكس من جانبهم على خطط مساعدة مصر في هذه الفترة الهامة. ما منظوركم لهذا التقارب ونتائجه وإنعكاساته على دول الخليج؟

- التقارب المصري - الإيراني لن يكون على حساب المصالح العربية، ونحن نعرف دوائر الإهتمام وأولوياتها ودائرة الإهتمام الأولى لمصر هي المصالح العربية، ونحن نضع المصالح العربية فوق أي مصالح أخرى، وإذا لم تكن مصر متأكدة من أنها سوف توطد علاقتها مع إيران في خدمة القضايا العربية فلا أعتقد أنها سوف تقدم على هذه الخطوة، ولاشك أن هناك تناقضات بين العرب وإيران لكنها تناقضات ثانوية لا ترقى إلى مستوى التناقضات بين العرب وإسرائيل، وبالتالي لا يوجد تناقض في الحقيقة بين المصريين بشكل خاص والعرب بشكل عام. إذن هذا الملف لا ينبغي أن يزعج الإخوة في الخليج لأنه لن يكون على حسابهم، ونحن مع كل القضايا الخلافية بين العرب وإيران فنحن مع قضية إسترداد الجزر الإماراتية الثلاث ولم يصدر تصريح من مصر يتعارض مع ذلك بالعكس، ونحن مع حق البحرينيين في الإستقلال والسيادة على جزيرتهم ونرفض أي مطالب حتى لو كانت على سبيل الدعابة أو المزاح من بعض المسؤولين الإيرانيين عن أن هناك حقوقا لهم في جزيرة البحرين، وهذه كلها أمور مرفوضة وتبقى السيادة في البحرين والإمارات للعرب وللأنظمة العربية الموجودة فيها، وبالتالي أي قضية خلافية يمكن حلها من خلال العلاقات بين مصر وإيران، والأمر الثاني هو أنه سوف يكون أمرا مثيرا للإستعجاب وهو أن يكون لكل دول الخليج علاقات متميزة مع إيران على مستوى السفارات والسفراء وتبادل زيارات على أعلى مستوى حتى من قبل الحكام الخليجيين ويرفضون أن تكون هناك علاقات طبيعية بين مصر وإيران، ونحن نريد ان تكون لنا علاقات طبيعية مع إيران ولن نقول علاقات متميزة، وفي المقابل توجد علاقات متميزة بين بعض دول الخليج ومع إيران وهناك سفارات هنا وهناك، وهناك زيارات على أعلى مستوى وقام أحمدي نجاد بزيارة بعض دول منطقة الخليج عدة مرات، والعلاقات والإتصالات قائمة على قدم وساق، فضلا عن حجم التبادل التجاري الكبير بينهم.

رسائل طمأنة

** أعلن المستشار السياسي لرئيس الوزراء د.عصام شرف أن إيران لن تكون حليفنا الإستراتيجي خلال الفترة المقبلة.هل هذه رسالة طمأنة وتبديد مخاوف للخليج في أعقاب زيارته للخليج؟

-هذه رسائل عابرة للمراحل قصيرة الأجل هدفها طمأنة دول الخليج وأنه لن تكون هناك علاقات خاصة أو إستراتيجية كما هي موجودة حاليا بين سوريا وإيران، وعندما شعرت مصر بانزعاج دول الخليج والذي عبر عنه بتصريحات وخلال زيارة رئيس الوزراء لدول الخليج حيث تلمس ذلك وكان لا بد من رسالة توضيح لدول الخليج، وأعتقد أنه لا يجب أن نضحي بعلاقاتنا مع إيران لأن علاقات مصر مع إيران مهمة، كما أرى أن مصر خسرت كثيرا في مرحلة قطع العلاقات مع إيران وكان من الممكن أن تغير أشياء كثيرة لو لم تكن العلاقات مقطوعة لأنها تغير كثيرًا من الموازين الموجودة في المنطقة.

الشعب يريد رئيسا له كاريزما

**هناك عدد من الشخصيات تطرح نفسها على الساحة لخوض إنتخابات الرئاسة ومن خلال رؤيتكم السياسية ماهي المقاييس والمعايير الواجب توافرها في رئيس الجمهورية المقبل لمصر؟

- مسألة الشروط التي من الممكن ان تتوفر في رئيس مصر القادم مسألة مهمة للغاية، وأعتقد أن الشروط لن يضعها أحد إلا إذا كانت الشروط العامة التي يحددها الدستور والتي تنطبق على الكل، أما المواصفات فلي رأي