فيما تتواصل الأزمة الطائفية في مصر، وبينما يبحث المصريون خبراء وحكومة وشعباً في الأسباب التي أدت إلى اشتعال تلك الأزمة بعد الثورة، أعربت غالبية قراء "إيلاف" عن اعتقادها بأن الأحداث الطائفية المتكررة التي تشهدها البلاد تأتي نتيجة طبيعية، لوجود انقسام طائفي متجذر ومتعمق بين المسلمين والمسيحيين.


رسم بيانيّ لنتائج إستفتاء إيلاف الأسبوعيّ

القاهرة: بلغ عدد من أيّد الرأي القائل إنّ الأحداث الطائفية المتكررة التي تشهدها مصر مردّها انقسام طائفي متجذر، 2248 قارئاً، من إجمالي 6945 قارئاً، شاركوا في الاستفتاء الذي تجريه إيلاف أسبوعيًا، بما يعادل 32.37%، بزيادة طفيفة عمّن يرون أن ضعف السلطة هي السبب وراء تلك الأحداث، والذين بلغت نسبتهم 31.99% من المصوّتين.

طرحت quot;إيلافquot; سؤالاً محدداً على القراء هو: quot;الأحداث الطائفية في مصر تعبّر عن؟quot;، ووضعت أربعة اختيارات هي: quot;انقسام داخلي متجذرـ ضعف السلطة ـ ثورة مضادة ـ مؤامرة خارجيةquot;.

شارك في التصويت 6945 قارئاً. وقال 2222 من المصوتين، أي ما نسبته 31.99%، إن تلك الأحداث جاءت نتيجة لضعف السلطة القائمة على إدارة البلاد بعد الثورة.

وتبنى 1608 قارئاً نظرية المؤامرة الخارجية، ومثلت نسبة هؤلاء 23.15% من المشاركين في التصويت، إذ اعتبروا أن هناك دولاً أو جهات أجنبية تريد النيل من استقرار مصر بعد الثورة.

واعتقد 867 من القراء، أي ما يعادل 12.48% من المصوّتين، أن الأحداث الطائفية تشي بوجود ثورة مضادة تستهدف الإجهاز على ثورة 25 يناير.

وبذلك تكون غالبية قراء quot;إيلافquot;تحمّل المسؤولية عن الأحداث الطائفية المتكررة إلى الفشل في احتواء الاحتقان الطائفي المتعمق منذ سنوات، إضافة إلى ضعف السلطة القائمة في مواجهة مثيري الفتن من الجانبين.

154 حادثاً خلال 40 عاماً

تاريخياً، بلغ عدد الأحداث الطائفية في مصر نحو 154 حادثاً، كلها وقعت خلال الأربعين عاماً الأخيرة، فلم يذكر التاريخ أية احتكاكات طائفية بين المسلمين والأقباط، إلا في العام 1972، عندما حاول بعض المتطرفين إحراق منزل كان الأقباط يعملون على بناء كنيسة على أنقاضه، وذلك في حي الخانكة التابع لمحافظة القليوبية، وهو ما عرف تاريخياً بـquot;أحداث الخانكةquot;.

وكان البابا شنودة والرئيس السادات نفسهما من أخطر أسباب اشتعال الموقف في ذلك الحين، حيث رفض الرئيس الراحل التصريح ببناء الكنيسة، ورد البابا شنودة متحدياً الرئيس، بإرسال وفد كنسي لتدشينها.

توالت الوقائع الطائفية، فقد شهدت منطقة الزاوية الحمراء في القاهرة، في العام 1981 سقوط نحو 81 قتيلاً، معظمهم من المسيحيين، وإحراق عشرات المحال التجارية والمنازل المملوكة للأقباط، بسبب محاولة إنشاء كنيسة بدون تصريح أيضاً.

وبلغت الأزمة ذروتها بين الرئيس السادات والبابا شنودة، بعزل الأخير من البطريركية في سبتمبر/أيلول من العام نفسه.

وبينما يستعد المسيحيون للاحتفال بأعياد الميلاد ليلة 31 ديسمبر/كانون الأولعام 1999، وقعت أحداث أخرى، ولكن هذه المرة بعيداً عن العاصمة، في قرية الكشح التابعة لمحافظة سوهاج في جنوب مصر، ولقي 21 شخصاً مصرعه، معظمهم من المسيحيين، وحرقت عشرات المنازل والمحال التجارية.

لكن تلك الأحداث لم تكن بسبب بناء كنيسة، وإنما نتيجة لخلافات تجارية بين مسلم مسيحي، انتهت بقتل الأخير للأول، فهبّت عائلته للثأر من المسيحي، وتحولت إلى معركة طائفية طاحنة.

معشروق شمس العام 2010، قتل ستة مسيحيين ومسلم واحد، في مدينة نجع حمادي في محافظة قنا، على يد أحد المسلمين التابعين لقيادي في الحزب الوطني الحاكم المنحلّ قضائياً، انتقامًا من أسقف المدينة، لعدم تأييده في الانتخابات النيابية، والوقوف في صف منافسه.

ومازال الحادث منظوراً أمام القضاء. وفي بداية العام الحالي 2011، وقع تفجير أمام كنيسة القديسيين في الإسكندرية، خلف نحو 23 قتيلاً و79 مصاباً.

لم يمض سوى شهر واحد، حتى وقع حادث هدم كنيسة في قرية صول مركز أطفيح،في بداية شهر مارس/آذار الماضي، بسبب علاقة بين امرأة مسلمة ورجل مسيحي،ليكون أول حادث طائفي بعد نجاح الثورة في الإطاحة بالنظام السابق. ولم يمض سوى شهر واحد مرة أخرى، حتى وقع حادث إمبابة الذي راح ضحيته 13 قتيلاً و240 مصاباً.

مفاجأة لكنها متوقعة
تأتي نتيجة الاستفتاء مفاجئة للكثير من المراقبين للشأن المصري، لاسيما أولئك الذين يصرّون على دفن رؤوسهم في الرمال، ويتبنون نظرية المؤامرة، سواء ممن يوصفون بـquot;فلول النظام السابقquot;، أومن يوصفون بـquot;أصحاب الأجندات الخارجيةquot;.

وإن كان هناك من بدأ يرفع رأسه من الرمال أخيراً، وينظر من حوله، حيث جاءت النتيجة متسقة إلى حد بعيد مع ما انتهى إليه تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها المجلس القومي لحقوق الإنسان للبحث في أحداث إمبابة الأخيرة، التي راح ضحيتها 13 قتيلاً و240 مصاباً.

وقالت اللجنة في تقريرها عن الأحداث التي اندلعت على خلفية احتجاز امرأة اعتنقت الإسلام داخل كنيسة في المنطقة الشعبية المكدسة بالسكان، quot;بالرغم من حالة الاندماج التى خلقتها الثورة بين المصريين من مسلمين ومسيحيين، إلا انه لا يمكن إنكار أن هناك مناخاً طائفياً متراكماً على مدار أربعة عقود، مازالت أثاره وتفاعلاته مستمرة حتى اليوم.

وانتقدت اللجنة معالجة الدولة للملف الطائفي طوال تلك العقود الأربعة، وقالت: quot;تمت معالجة هذا الملف من جانب السلطات العامة خلال هذه العقود باعتباره ملفاً أمنياً عرفياً، ولم يتم استخدام الوسائل السياسية ولا الاجتماعية ولا القانونية في نزع جذوره، والتوصل إلى حلول حقيقية له. وعلى هذه الخلفية وهذا التراكم، اندلعت أحداث إمبابة، ومن قبلها أطفيح وقنا وابو قرقاص، بما يؤكد الحاجة إلى معالجة هذا الملف بمنهج مختلف عما أتبعه النظام السابق، والذي أدى إلى هذه الكوارثquot;.

الطائفية بالنفوس

لا يمكن إنكار وجود رواسب طائفية في نفوس بعض المصريين، لكن ليس جميعهم، بسبب الشحن من الجانبين، ومحاولة البعض إظهار دينه على أنه الأفضل، هذا وفقاً لرأي القمص عبد المسيح بسيط كاهن كنيسة مسطرد، الذي أضاف لـquot;إيلافquot; أن هذه الرواسب تحتاج علاجًا من الجذور من خلال تعديل المناهج الدراسية وإصلاح الخطاب الديني والثقافي، بما يتماشى مع روح المحبة والود والإخاء التي ظهرت أثناء ثورة 25 يناير.

وأوضح بسيط أنه لا يمكن إنكار خطورة الأسباب الأخرى، مثل الفقر والتردي الاقتصادي، التي تساهم في إثارة الغضب، لأقل الأمور، إضافة إلى وجود نوع من التربص بمصر، سواء داخلياً أو خارجياً، لمحاولة تدمير الثورة، من خلال النفاد من ثغرة الطائفية.

ولفت بسيط إلى أن ضعف الأمن ورخاوةقبضة السلطة وعدم تنفيذ القانون ضد الجناة في القضايا أو الأحداث السابقة أدت إلى تمادي البعض في الشحن الطائفي والتعدي على الكنائس، مشدداً على ضرورة التعامل بحسم مع الجناة في أية أحداث ذات طبيعة طائفية، وتنفيذ القانون والبعد على أساليب الجلسات العرفية، لأن الأمر لم يعد يحتمل، على حد قوله.

لا مؤامرات خارجية

يقف الناشط القبطي صفوت جرجس رئيس المركز المصري لحقوق الإنسان في صف من يقولون إن الأحداث الطائفية الأخيرة، جاءت نتيجة وجود احتقان طائفي في مصر منذ أربعين عاماً، ويرفض القول بوجود أصابع أو جهات خارجية تقف وراءها.

وقال لـquot;إيلافquot; إنه منذ العام 1971، وحتى الآن، لم يثبت تورط أية جهات خارجية فيكل الوقائع الطائفية التي شهدتها مصر، وأضاف أن تكرار تلك الأحداث جاء نتيجة لتغييب القانون طوال تلك العقود، وإتباع سياسية الجلسات العرفية، مؤكداً أن تلك السياسيةأدت إلى المساواة ما بين الجاني والضحية، الأمر الذي ساهم في شعور الأقباط بالاضطهاد، ومنح المتطرفين شرعية الاستمرار في أفعالهم، سواء من حرق الكنائس أو قتل المسحيين.

ونوه بأن غياب القانون أضعف الدولة، وقلل من هيبتها، وساعد على انتشار مشاعر رفض وكراهية تجاهالآخر، والتشدد من الجانبين، والتحصن بالدين في ظل غياب حصن الدولة.

ولفت جرجس إلى أن الضرورة تقتضي البعد عن نظرية المؤامرة، التي يروّج لها البعض، سواء المثقفين أو الإعلاميين أو السياسيين، لأنها تعتبر تضليلاً الرأي العام، وتجعل من الجناة ضحايا يمكن التسامح معهم، مشدداً على أنه لا سبيل للقضاء على الفتنة الطائفية سوى بإتباع القانون، وتطبيقه بكل قوة وحزم مع المتورطين في الحادث الأخير.

ودعا إلى البدء في العمل على وضع خطط مدروسة، يشترك فيها الإعلام والثقافة والكنيسة والأزهر والمجتمع المدني، من أجل اقتلاع ما خلفته الأربعين عاماً الماضية في النفوس من مشاعر الكراهية ورفض الآخر.

لكن جرجس لا ينكر أن هناك عناصر داخلية، سواء من أتباع النظام السابق أو البلطجية وبعض دعاة التطرف تعمل على استثمار المناخ الطائفي وإشعال الموقف بين الجانبين من أجل تحقيق مصالح شخصية، والإجهاز على ثورة 25 يناير.

احتقان واضح

لم يعد مقبولاً الاستمرار في عدم الاعتراف بوجود احتقان شديد تحت الجلد، لأن الأحداث التي وقعت بعد الثورة اندلعت لأسباب بسيطة، كان من الممكن تفاديها، لو لم تكن النفوس تغلي... إنه رأي الدكتور عمار على حسن رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية، الذيقال لـquot;إيلافquot; إن الاحتقان الطائفي بلغ مبلغاً خطراً، نتيجة لتعامل النظام السابق معه بطريقة خاطئة، واعتباره ملفاً أمنياً، وليس سياسياً اجتماعيًا، وبالتالي كان يعالج بالاعتقالات والتعذيب، والتعامل مع كل حادث على حدة، وإجبار المتخاصمين أو أطراف الصراع على التصالح، في حين أن النفوس تغلي من الغضب، كلاهما يكره الآخر، وينتظر الفرصة للانقضاض عليه، آخذاً بالثأر.

وأضاف حسن أن الأزمة الأساسية تمكن في ضياع هيبة الدولة، مشدداً على ضرورة التعامل بحسم مع المحرضين على الفتنة من الجانبين، وعدم التساهل معهم، مهما علت مكانتهم، داعياً إلى محاكمة الجناة سريعاً، باستخدام قانون البلطجة الذي رفع العقوبات إلى الإعدام.

مؤامرة لا احتقان

فيما يرفض الناشط السياسي المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض السابق، الفرضية التي تشير إلى أن أحداث إمبابة الأخيرة تدلّ على احتقان متجذر بين المسلمين والأقباط، معتبراً أنها تحمل ملامح مؤامرة تستهدف الثورة، وأضاف أن أصابع فلول النظام السابق الذين يريدون إشعال البلاد بحرائق الفتنة الطائفية واضحة، من أجل انشغال المصريين بالمشاكل الفرعية عن بناء البلاد وتنمية مواردها وإقرار الديمقراطية والحرية.

وانتقد الخضيري التيار السلفي بشدة، وقال إن أعضاءه ليس لديهم الحق في الحديث باسم الإسلام أو المسلمين في مصر، وأضاف أن أحدًا من المسلمين لم يطلب منهم التفتيش عن المسيحيات اللاتي يقال إنهن أسلمن في الكنائس، معتبراً أن اعتناق إمراةالإسلام أو ارتداد شخص عنه لن ينفعه أو يضره.

واتهم السلفيين بشغل المجتمع بقضايا فرعية سيئة تضره أكثر مما تنفعه. ودعا إلى معاقبة العابثين بأمن مصر ومن يحاولون إشعال الفتنة الطائفية بأقسى عقوبة قانونية، ونوه بأن قانون العقوبات يضم من المواد كل ما هو كفيل بردع من يحاولون العبث بأمن البلاد وسلامة والمجتمع.

وحسب وجهة نظر الخضيري، فإنه لا سبيل للقضاء على التيارات المتطرفة، ومن ثم محاصرة الفتنة الطائفية، إلا من خلال تقوية مؤسسة الأزهر، بصفتها المؤسسة التي تمثل الإسلام المعتدل، مشدداً على أهمية أن يكون منصب شيخ الأزهر بالانتخاب من بين سائر علماء الإسلام من شتى أرجاء العالم.