إعتبرت الناشطة السياسية السورية والإعلامية المقيمة في الولايات المتحدة الأميركية quot;مرح البقاعيquot; في حوار خاص مع ايلاف أن أنّ النظام السوري فقد شرعيته إثر سيول أول نقطة دم على يد قوات الأمن وعصاباتها المسلّحة.
المعارضة السورية quot;مرح البقاعيquot;المقيمة في أميركا |
بهية مارديني:أكدّت مرح البقاعي أن سوريا الجديدة ستكون لمن صنع ثورتها وفتح صدره عارياً أمامالرصاص.ورأتأن بعد ما كان مطلب الشارع هو الإصلاح، أصبح الشعب يريد إسقاط النظام، وغدا هذا الشعار هتافاً موحَّداً وواحداً في المدن السورية كافة.
ومن جهة أخرى طلبت من المعارضة مواصلة عملها الوطني بطريقة شفافة ونزيهة من أجل الضغط على النظام السوري ودعم مطالب الثوار في القوت عينه.
مؤكدة أن دور معارضة في الخارج هو مجرّد سنيد للمعارضة الداخليةا لتي تعتبر أكثر فعالية.
ما نراه اليوم في سوريا هو انفجار بركان خامد
ما تعليقك على المشهد السوري الحالي؟
ـ ما يحدث في سوريا منذ تاريخ 15 آذار 2011، هو ثورة شعبية حقيقية اندلعت إثر احتجاجات انتظمت في مدينة درعا بسبب انتهاكات مروّعة لحقوق الإنسان طالت أطفالاً تمّ الاعتداء على طفولتهم وزجّهم في السجن وتعذيبهم بهمجية غير مسبوقة لمجرد أنهم مارسوا طفولتهم وسجّلوا ببراءة على الجدران في شوارع مدينة درعا شعارات ردّدها ثوار مصر وتونس وتناقلها العالم عبر شاشات الفضائيات.
ما نشاهده اليوم نتيجة تقرّح سياسي عمره ما يربو على خمسة عقود في سوريا منذ أن استولى حزب البعث على السلطة عام 1963 في انقلاب عسكري شرّع وأجاز حكم الحزب الواحد والزعيم العسكري الواحد، و حكم الأسرة الواحدة.
منذ ذلك التاريخ غُيّبت الحريات و رزحت البلاد تحت وطأة قانون الطوارئ، واحتكر حزب البعث الفضاء السياسي السوري، حيث نصّ الدستور السوري في المادة 8 على أن quot;حزب البعث هو الحزب القائد للدولة والمجتمعquot;.
هذا التفريغ السياسي جاء موازياُ لعمليات التهجير المنظّمة للأدمغة السورية التي زُجّت في الملفات الأمنية تحت مسمّى quot;خارجي عن القانون ونظام الرعيل quot;الأحاديquot; القابض على السلطة.quot;
وتتابع البقاعي قائلة:quot;قام هذا النظام القمعي بعمليات إجهاض لتيارات الفكر التنويري الحرّ، إضافة لسلخ مقدرات البلد الإقتصادية، هدف هذا النظام هو القضاء على تلك الرموز الفكرية والإقتصادية التي كانت كانت عقل المحرّك السوسيولوجي في سوريا ما قبل النظام الأحادي.
غادرت تلك القوى والفعاليات الفكرية والسياسية والاقتصادية ـ مكرهةً ـ سوريا، وانتشرت في العالم، مُخلِية الساحة إلى طبقة من quot;الأليجاركية القابضةquot; مالياً وأمنياً، على زمام العباد قبل البلاد.
الخروج من الأزمة يكون بوقف فوري لعمليات الإبادة
كيف الخروج من تلك الأزمة بتصورك؟
- في البداية أود أن الفت إلى أن هناك مرحلتان للأزمة في سوريا، المرحلة المفصاية بينهما هو ما حصل يوم الخامس عشر من آذار.سوريا وشعبها قبل ذلك التاريخ هما مغايران تماماً لما بعده، والعودة إلى ما وراء هذا التاريخ مستحيلة.
في الأسبوع الأول الذي تلا الإحتجاجات التي تبدّت بشائرها في مظاهرتين، أولاهما كانت بالقرب من الجامع الأموي، وكانت أشبه بتجمع عفوي لمجموعة من التجار والشباب الصغار الذين ناصروا صديقاً لهم كانت قوى الأمن قد انهالت عليه بالضرب المبرّح في الطريق العام.
أما المظاهرة الثانية فنظمها عدد من المثقفين أمام وزارة الداخلية مطالبين بالإفراج عن الأطفال الذين اعتقلوا في درعا، و عن بعض المعتقلين السياسيين.
عن المظاهرة الأولى تمّ إخمادها بإحتيال وquot;لفلفةquot; من وزير الداخلية الذي ظهر على المتظاهرين مهدّداً بأنه سيسمي ما يشهده quot;مظاهرةquot; ملوّحا بالنار وعظائم الأمور.أما المظاهرة الثانية فقد جُبهت بالقمع المفرط وتمّ اعتقال عدد من النشطاء.
في هذا الوقت المبكّر من الاحتجاجات السلمية كان الإصلاح مطلباً والحوار ممكناً. إلا أن الذهنية الأمنية التي تحكم النظام السوري من قاعدته إلى رأسه ارتأت، بعنجهيتها المستبدّة، اللجوء إلى القمع والاعتقال والتنكيل وتوجيه البنادق إلى صدور العزل وإرسال الدبابات والمدرعات لحصار المدن ومنع سبل الحياة عن الأهالي المدنيين والقتل وإخفاء جثث الشهداء في المقابر الجماعية واختطاف الجرحى من المشافي وسحل القتلى في الشوارع.
وصولاً إلى الحادثة التي هزت العالم وهي استشهاد الطفل quot;حمزة الخطيبquot; برصاصتين من أسلحة قوى الأمن أثناء اعتقاله، وبعد تعذيبه بأبشع الصور التي لا تشبه إلا نهج الفاشيين وتستحضر طرائق التعذيب النازي الذي تعلم فنونه الأمن السوري من آخر ضابط نازي كان يأويه النظام في فندق ميريديان دمشق، وهو أحد مساعدي هيتلر واسمه quot;ألويز برينيquot;، الذي توفي في دمشق في العام 1996.
لقد فقد النظام السوري شرعيته إثر أول نقطة دماء سالت على الأرض على يد قوات الأمن وعصاباتها المسلحة ، وبعد أن كان مطلب الشارع هو الإصلاح أصبح الشعب لا يقبل بأقل من إسقاط النظام، وغدا هذا الشعار هتافاً موحَّداً وواحداً في المدن السورية كافة.
الخروج من الأزمة لا يتم إلا عبر إيقاف فوري لعمليات الإبادة الجماعية التي تمارسها أدوات النظام ضدّ الشعب السوري الأعزل، وكذلك سحب كل عناصر الأمن وشبيحته من المدن، وتفكيك الأجهزة الأمنية والمخابراتية وتحميلها مسؤولية الجرائم التي حدثت وإحالة المسؤولين فيها إلى قضاء عادل.
أما على المستوى السياسي فأعتقد أن النظام يتهاوى ولا مكان للإصلاح لأن المشكلة في هذا النظام تكمن في بنيته الأمنية القابضة على مفاصل الحياة منذ أربعين عاماً، وليست المشكلة في هيكليّته. هنا أصبح التغيير الجذري مُلِحّاً في ظل غياب أي حل عاجل وناجع للأزمة.
نظام السوري كان هدفه تفريغ الطاقات وتسطيح الفكر
ما الأخطاء التي ارتكبها النظام ؟
ـ من الأفضل أن يكون السؤال quot;ما هي الأخطاء التي لم يرتكبها النظام؟quot; النظام السوري هو محصلة ممارسات استبدادية تنقّلت من اغتصاب السلطة بقوة السلاح، إلى بث روح الفئوية والطائفية والفرقة بين مكونات الشعب الواحد، إلى التفريغ الممنهج للطاقات والكفاءات المستقلة والوطنية ودفعها خارج البلد، إلى تسطيح العملية التربوية والتعليمية لأجيال برمتها وتقزيم المناهج الدراسية لتحمل في مضامينها أفكار حزب البعث الحاكم ولتنحصر في استظهار أقوال حافظ الأسد، حيث كانت مادة التربية القومية، التي من أحد مقرراتها الدراسية كتاب quot;أقوال الأسدquot;، مادة مرسّبة يتوقف على النجاح فيها مستقبل الطالب العلمي والحياتي أيضاً.
وتضيف:quot; لا أنسى البعثات الدراسية في الجامعة التي كانت من حق المتفوّقين ـ وكنت واحدة منهم ـ ولكن تمّ استقصائي لمصلحة طلاب كانوا من أعضاء اتحاد الطلبة من الحزبيين الذين كتبوا تقريراً كيدياً ضدي قالوا فيه أني: برجوازية لا مبالية.quot;
لقد نقل هذا النظام سوريا العظيمة عقوداً زمنية إلى الوراء، وهو لم يكتف بالإستبداد والقمع والنهب، بل انتهى به الأمر إلى تحويل سوريا ما بعد الثورة إلى جمهورية مآتم تشيّع كل يوم عشرات من أحرارها.
السيناريو السوري يشبه قصة quot;ليلى والذئبquot;
ما رأيك برواية جماعات مسلحة؟
ـ تذكّرني هذه البدعة الإعلامية السورية برواية quot;ليلى والذئبquot;، حيث ليلى (الشعب) في تلك الحالة، أرادت أن تنتهج الطريق القصير (المطالبة السلمية) للوصول إلى هدفها (الحرية)، بينما الذئب (النظام) يحاول تغيير وجهه القبيح وإخفاء أنيابه وأظافره القاتلة (الفرقة الرابعة وشبيحتها) ويحاول أن يحرف ليلى عن طريقها لتذهب في طريق طويل وشائك (القتل اليومي المتعمد) حتى يتمكّن منها في النهاية وينقضّ عليها انقضاض الوحش الكاسر (طبعاً هذه ليست النهاية المتوقعة في حالة الذئب المستأسد وليلى السورية).
مؤتمرات المعارضة هي مؤشر إيجابي
وعن مؤتمرات المعارضة التي جرت مؤخراً؟
-إن انعقاد مؤتمريّ quot;أنطاليا وبروكسلquot;، وإن لم يضمّا جميع أطياف المجتمع السوري في الخارج، يبقى مؤشراً إيجابياً، ورسالة إعلامية إلى المجتمع الدولي أن هناك حراكا سياسيا سوري في الخارج هو رديف ومؤازر للثورة في الداخل. انعقاد هذه المؤتمرات وتمكّن مجموعة من المعارضين السوريين الموجودين في الخارج قسراً بسبب النظام، ومعظمهم قد نفي ، وقدرتهم على الاجتماع في مكان واحد والتحاور هو مؤشر إيجابي لجهة الحضورالسياسي السوري، لأن هناك تخوّفاً مستمراً من المجتمع الدولي يُعزى إلى عدم وجود هيئات سياسية سورية على الأرض يمكن أن تملأ الفراغ الذي سيحدثه سقوط النظام في سوريا.
ويبقى دور هذه المؤتمرات ينحصر في دعم الداخل وإيصال رسالة الثوار إعلامياًوحقوقياً إلى العالم.
سوريا هي لمن صنع الثورة فيه
ما رسالتك للمعارضين في هذه اللحظة الحرجة وما ذا تطلبين منهم؟
ـ أنا لا أطالب إلا بالعمل الوطني الشفاف والنزيه والمتواصل من أجل الضغط على النظام السوري من جهة، ودعم مطالب الثوار من جهة أخرى. لادور لمعارضة الخارج سوى أن تكون ظهيراً للداخل السوري الثوري. ونحن نشهد اليوم إلى جانب كل عمل ميداني في سوريا عملاً تنظيمياُ يتم بين القائمين على المظاهرات.
وإن الأسابيع الأخيرة شهدت تأسيس تنسيقيات الثورة السورية في المدن كافة، والتي تتشكّل من مجموعات شباب الثورة الذين قاموا في كل مدينة بانتخاب قياداتهم السياسية والميدانية، وكذلك شخصياتهم الإعلامية، لتكون رديفاً سياسياً في مرحلة انتقال سوريا إلى النظام الديمقراطي المدني المنشود. سوريا الجديدة هي لمن صنع ثورتها وفتح صدره عارياً للرصاص.
التعليقات