أطفال سوريا يشاركون في الثورة

حتى مطلع العام بدت سوريا بمنأى عن الثورة مثلها مثل العربية السعودية ودول خليجية اخرى. وغالبية المحتجين رغم استلهامهم ثورتي تونس ومصر لم يهدفوا الى اسقاط النظام في البداية. وكانت التظاهرة الأولى في وسط دمشق ردا على قسوة الشرطة وقد انتهت بسلام. ولكن عندما احتجت درعا في الجنوب على اعتقال تلاميذ مدارس رد النظام بسفك الدماء.

وحينذاك نزلت حشود غاضبة الى الشوارع لتواجَه بمزيد من العنف مؤديا الى تظاهرات أكبر. وهكذا بدأت حلقة شيطانية مفرغة. وتهاوت الواجهات القومية ومظاهر الشطارة في ادارة البلد لتكشف عن وجه النظام الحقيقي ببشاعته وضراوة أساليبه ، كما يلاحظ المعلق روبن ياسين كساب في صحيفة الغارديان.


والأنكى من ذلك ان الرئيس بشار الأسد كان يتحدث عن الاصلاح وانهاء حالة الطوارئ والغاء محاكم أمن الدولة المقيتة فيما كانت المجزرة تتصاعد. وما كان ليجد وسيلة اشد فاعلية من ذلك لتدمير مصداقيته. وتبددت شرعية النظام بسيل من الحكايات المرعبة عن تعذيب اطفال حتى الموت وقتل نساء رميا بالرصاص وقصف مناطق سكنية.

ويكتب كساب ان غباء الدولة الاستثنائي يشير الى حالة ذعر أو انشقاق في الحلقة الداخلية للنظام التي قد لا يكون الأسد إلا أسما أو رمزا بلا نفوذ فيها. ويتساءل السوريون أي فرع من العائلة ، آل الأسد أم آل مخلوف (أخوال الرئيس) هو الذي يشكل هيكل السلطة الحقيقي. واياً يكن الفرع الأقوى فان القادة السوريين يستطيعون الركون الى دعم الحرس الجمهوري والقيادات العليا في المؤسسة العسكرية. ولكن الانشقاقات بين الضباط الصغار وذوي الرتب المتوسطة ستتزايد مع مساعي النظام لسحق المحافظات المنتفضة.

في غضون ذلك تدعو لجان التنسيق الشعبية الى استقالة الرئيس فورا وتشكيل مجلس مدني عسكري مشترك لإدارة البلد خلال فترة انتقالية مدتها ستة اشهر وصولا الى ديمقراطية تعددية. واصدرت هذه اللجان المحلية بيانا قالت فيه ان سوريا الجديدة ستكون جمهورية ودولة مدنية لكل السوريين وليس لفرد أو عائلة أو حزب.

ولو بدأت الفترة الانتقالية اليوم فانها يمكن ان تتكلل بالنجاح ولكن احتمالات تنازل النظام بطريقة سلمية متحضرة أقرب الى الصفر وهذا يعني اتساع الفوضى ، كما يرى المعلق كساب.

ويبدو النزاع الطائفي مستبعدا حتى الآن رغم تاريخ سوريا الصعب في احيان كثيرة وتكتيكات النظام في الحكم على قاعدة quot;فرق تسدquot;. ولكن شعارات الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية التي يرفعها المتظاهرون تشير الى مستوى جديد من النضج والذكاء بين السوريين رغم ان هذه الخصائص ستوضع على المحك مع استمرار البطش.

وتبدو احتمالات التدخل الغربي ضئيلة. فان حلف شمالي الأطلسي منشغل بكل قدراته في ليبيا والإقدام على مغامرة في سوريا يتطلب استعدادا لخوض حرب اقليمية محتملة لن تكون موضع ترحيب من السوريين اصلا. فالتدخل في العراق أشعل حربا اهلية.

اما التدخل التركي فهو قضية أخرى. وإزاء النهوض العربي الذي يجتاح المنطقة فان سياسة تركيا في ألا تكون لها مشاكل مع الجيران على وشك ان تنقلب رأسا على عقب. وفي يوم الخميس دعا رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان مجددا الأسد الى وقف القمع والبدء بالاصلاح. وقبل يوم على ذلك أبدى اردوغان استعداده للعمل مع بريطانيا على استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يدين النظام السوري. ولكن ما يجري على الأرض هو المهم. وإذا اتسع عدد اللاجئين في تركيا بانضمام اعداد كبيرة الى الـ 8500 سوري الذين نزحوا حتى الآن الى تركيا فان اردوغان قد يأمر بتنفيذ عملية احتلال محدود للأراضي السورية بهدف اقامة quot;ملاذ آمنquot; للهاربين من آلة النظام القمعية. ويكتب المعلق كساب ان عجز النظام عن السيطرة على رقعة من الوطن يمكن ان يقلب الموازين ويُسفر عن ظهور بنغازي سورية ، أي قاعدة لانطلاق المقامة المنظمة منها.

وإذا كان العدو الأول للديمقراطيين السوريين هو النظام والعدو الثاني هو شبح العنف الطائفي فان الثالث هو قوى خارجية تسعى لاستغلال الأحداث. وقد لا يكون الاقتصاد السوري بعيدا عن الانهيار ولعل رشوة أي حكم قادم ستكون سهلة في المستقبل.

ويمكن للأموال الخارجية ان تقوم بدور مهم في سوريا الجديدة ايضا، وكذلك جمع متعدد الألوان من المغتربين السوريين ـ عم الرئيس رفعت الأسد مخطط مجزرة حماة عام 1982 ونائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام وجماعة الأخوان المسلمين السورية. وهناك أيضا لفيف من الليبراليين السوريين المقيمين في الولايات المتحدة حيث يقدم بعضهم خدمات للمحافظين الجدد ، بحسب كساب.

ويتابع كساب ان بالامكان تصور صفقة من دولة ما مع ضباط سوريين سنة والأخوان المسلمين ، تتمخض عن اقامة نظام quot;اسلامي معتدلquot; ، ديمقراطي جزئيا ، ينفذ برامج اجتماعية باهتة وانفتاحا اقتصاديا بلا ضوابط ، مع التزام الصمت تجاه الجولان المحتل. وقد تدعم اسرائيل والغرب ضمنا مثل هذه المصحلة لأن قيام نظام ديمقراطي حقيقي في سوريا بجانب نظام ديمقراطي حقيقي في مصر سيكون أكبر تحد يمكن تصوره لاستمرار اسرائيل في اضطهاد الفلسطينيين. ولكن من المستبعد ان يرضى السوريون بمثل هذه الصفقة بعدما كل قدموه من تضحيات جسيمة ، حسب المعلق كساب.