تحاول جماعة الإخوان المسلمين في مصر السير بشكل حثيث نحو الديمقراطية، في خطوة تهدف بشكل أساسي إلى تقديم دليل على أن هذه الجماعة لا تتعارض مع الديمقراطية الحديثة، وأنها مستعدة لتطبيقها وفقًا لأفضل النماذج المتاحة.

أعضاء في مجلس شورى الإخوان خلال التصويت على فصل أحد الأعضاء

بعد سقوط صدام حسين عام 2003، فوجئ كثير من المعلقين الغربيين بالسهولة التي تكيفت من خلالها الحركات الدينية في العراق مع الديمقراطية الخاصة بالتعددية الحزبية.

وسارعت الجماعات الشيعية تحديداً إلى تنظيم صفوفها في صورة أحزاب سياسية، وأنشأوا منظمات شعبية في أنحاء البلاد كافة، وكوَّنوا ائتلافات سياسية قبل الانتخابات.

وفي وقت لطالما كانت تسود فيه افتراضات عن أن تلك الجماعات تتعارض أيديولوجياً مع الديمقراطية، إلا أنها أظهرت قدرتها على التكيف بكل براعة.

في المقابل، تم تصنيف الأحزاب الليبرالية العراقية على أنها أحزاب خاصة بالهواة. وبدا أن قادة هذه الأحزاب لا يفهمون طريقة عمل الديمقراطية، رغم قضائهم عقوداً في المنفى بالديمقراطيات الغربية: فأشخاص مثل إياد علاوي وأحمد الجلبي يمتلكون جواً من الاستحقاق، ويفترضون أن الناس سيصوّتون لهم لمجرد أنهم عصريون وتقدميون.

وقالت مجلة التايم الأميركية في سياق حديث لها في هذا الخصوص إنهم لم يكترثوا بإنشاء بنية تحتية لأي من الأحزاب الوطنية، ولم يهتموا بالقيام بحملات انتخابية. وتابعت المجلة بقولها إن ثمة شيء متشابه للغاية يحدث الآن في مصر. حيث أوضحت أن من بين كل الجماعات السياسية التي ظهرت منذ سقوط نظام مبارك، يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين هي من لديها أفضل فهم للطريقة التي تعمل بها الديمقراطية.

وأشارت المجلة في هذا الشأن إلى أن الجماعة الإسلامية ربما اتخذت مقعداً خلفياً لحركة الشباب الليبرالية التي نجحت في الإطاحة بالنظام السابق، لكنها أضاعت مقداراً ضئيلاً من الوقت أثناء التحضر لحقبة ما بعد مبارك.

ورغم عدم الإعلان في مصر حتى الآن عن موعد خاص بإجراء الانتخابات البرلمانية (المتوقع إجراؤها في الخريف المقبل)، إلا أن الجماعة بدأت بالفعل تحضيراتها لتلك الانتخابات في القاهرة والريف. ويبدو في المقابل أن حركة الشباب غير قادرة على الخروج من الوضع الاحتجاجي.

وقد اتضحت الفجوة بينهما خلال الاستفتاء الذي أقيم على التعديلات الدستورية منتصف شهر آذار/ مارس الماضي، حين حشدت الجماعة حملة كبرى للتصويت بـ quot;نعمquot; لضمان حدوث أي إصلاحات ذات مغزى بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة. كما لفتت المجلة الأميركية إلى أن الليبراليين كانوا منقسمين، غير متأكدين من أي السيناريوهات يخافون أكثر: دستور تشرف على صياغته لجنة معينة من قِبل الجيش قبل الانتخابات، أو دستور يصيغه برلمان تهيمن عليه جماعة الإخوان بعد ذلك.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، ولم تُغلق الفجوة. فمنذ إجراء الاستفتاء، وكثير من الليبراليين يسعون إلى تقويض النتيجة النهائية، بمحاولتهم إجراء إصلاحات قبل الانتخابات. وأوضحت التايم أن الليبراليين يرتكزون في هذا الجانب على بطلهم العظيم، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والحائز من قبل جائزة نوبل، محمد البرادعي، الذي سبق له أن أكد أن الدستور لا يمكنه انتظار ممثلي الشعب المنتخبين.

وهو ما وافق عليه قادة الحركات الشبابية، وبدؤوا يهددون من جديد بالنزول إلى ميدان التحرير. وقللوا كذلك من أهمية الاستفتاء، من منطلق أن الإخوان ضللوا المصريين بتصويرهم للاستفتاء على أنه تصويت على أساس الدين، وهو ما نفاه الإسلاميون.

أمام هذا كله، وجّه نقاد اتهاماتهم لليبراليين بأنهم يحاولون كسب الوقت، إذ إن تأجيل الانتخابات سوف يمنحهم مزيداً من الوقت لترتيب بيتهم السياسي واللحاق ndash; كما يأملون ndash; بركب جماعة الإخوان، التي حرصت على الظهور هي الأخرى بصورة مسؤولة وتصالحية، عبر ذلك التصريح الذي أكد من خلاله القيادي البارز في الجماعة، عصام العريان، على ضرورة صياغة الدستور الجديد من جانب كل المصريين.