أكد رئيس مجلس الهجرة فيالمغربأن الدستور يعززمطلبالتمثيل السياسي لمغاربة العالمإلا أن إجراءاته تتطلب تفكيراً وحواراً وطنياً هادئا.

الدستور المغربي يقر أن المغاربة مواطنون في الداخل كما الخارج ويعزز مطلب تمثيلهم السياسي

الدار البيضاء: يقر الدستور المغربي حضورا قويا للجالية المغربية في الخارج، ويقر لأول مرة بأن مغاربة العالم هم مواطنون أينما كانوا. أربعة فصول من الدستور الجديد تحدد طريقة العمل المستقبلية بين الدولة المغربية ومغاربة العالم. ولتسليط الضوء أكثر خصنا ادريس اليزمي رئيس مجلس الهجرة ورئيس المجلس الوطني لحقوق الانسان وأحد أعضاء اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور بحوار نتطرق من خلاله إلى عدة قضايا تتعلق بالهجرة المغربية.


ما هو الرهان الذي تحكم في مراجعة الدستور وكيف كانت مشاركة مغاربة العالم؟

بداية لابد من الاشارة إلى الاستعداد الكبير الذي عبر عنه مغاربة العالم في النقاش الذي عرفه المغرب حول الاصلاحات الدستورية. وهذا يعبر بشكل واضح عن تحول استراتيجي في مقاربتهم لقضايا الوطن. لابد أيضا من الاشارة إلى المقاربة التشاركية المتبعة حيث تم التوصل ل185 مذكرة منها 8 مذكرات من مغاربة العالم. عموما يمكن القول إن مشروع الوثيقة الدستورية يتميز ب5 مبادئ اساسية:

1ـ أهمية المرجعية الحقوقية الكونية
2ـ الاقرار بالتعدد ليس فقط في المكون اللغوي والهوية بل ايضا في المجتمع والفاعلين.
3ـ المساواة بين الرجل والمرأة تعزيزاً لديمقراطية النوع.
4ـ الحكامة الجيدة التي تحدد المسؤولية وتضمن المحاسبة.
5ـ الديمقراطية التشاركية من خلال عدد من الفصول.


الآن وقد تمت دسترة مجلس الهجرة ما هي الاستراتيجية الجديدة؟

إذا ما حاولنا تقييم عمل المجلس في السنوات الثلاث الماضية، نستطيع القول إننا ومن خلال الأنشطة التي قمنا بها،حتى وإن غابت أحيانا استراتيجية واضحة، فإنه لابد من تسجيل أربع ملاحظات.

1ـ المساهمة في تغيير الصورة النمطية التي التصقت بالجالية المغربية في الخارج.
2ـ بالامكان القول إنه لدينا الآن معرفة دقيقة بالتحولات التي عرفتها الجالية المغربية في الخارج.
3ـ تنوع الانتظارات للجالية المغربية في الخارج. لأن النقاش كان مركزا على المشاركة المختزلة في التمثيلية فقط. استطعنا من خلال العمل الذي قمنا به الوقوف على التوقعات المتعددة في المجال الديني والرياضي والأدبي الثقافي وعلى مستوى الشباب والنساء اللواتي يشكلن نصف الجالية المغربية. بالامكان القول إنه لدينا الآن معرفة دقيقة بانتظارات كل فئة.
4ـ استعداد مغاربة العالم للمساهمة في جميع ورش التنمية بمختلف مجالاتها وهو ما يشكل قيمة مضافة لنا جميعا.


مساهمة المغاربة في كل المجالس التي ستحدث كمجلس الثقافة والمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي والهيئة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز، ستمكن هذه المؤسسات من ضمان فتح قنوات كثيرة لمشاركة مغاربة العالم في كل ورش التنمية.

إن المشاركة هي اعمق من التمثيلية ويجب العمل على تقويتها في إطار تقوية الدبلوماسية الموازية والتعاون بين المؤسسات التمثيلية في بلد الأصل وبلدان الاقامة، وكذلك من خلال التوأمة بين هذه المؤسسات والمؤسسات الجامعية ومراكز البحث العلمي لتعزيز وبلورة استراتيجية وطنية في البحث العلمي من خلال الاعتماد على كفاءاتنا، ولا يخفى عليكم الصراع الكبير والقوي للدول حول الكفاءات.

ما هي العوائق التي تحول دون تطبيق المشاركة السياسية والتمثيلية؟

نفكر في هذا المشكل بعمق، ومجلس الهجرة هو المؤسسة الوحيدة التي قامت بدراسة مقارنة بين دساتير 45 دولة من بين 72 من الدساتير تمت معاينتها. وذلك من أجل تكوين نظرة عن الحقوق السياسية التي تمنحها الدول لجالياتها في العالم. من بين الدساتير التي قمنا بدراستها لم نجد سوى 10 هي التي تنص على التمثيلية في البرلمانات الوطنية في حين أن أعرق الديمقراطيات لا تسلك هذا الاتجاه. إنه أمر يطرح عدة إشكاليات منها ما يمس الجوهر وأخرى تمس الشكل.

هناك توجه عام لدى الجاليات نحو الاندماج بالاضافة إلى أن هذه تناضل من أجل حقوقها داخل بلدان الاقامة. ثم إن أغلب القوانين التي تصادق عليها البرلمانات الوطنية تهم مواطني هذه الدول بالدرجة الأولى. فحتى تلك التي لها تمثيلية برلمانية للجالية هي رمزية فقط.

إن العمل التشريعي مصدره البرلمان وهناك دورتان تستغرقان نحو تسعة اشهر، إذن هل تمنح هذه الصفة لصاحبها صفة المهاجر؟ فيمكن له أن يستقر في المغرب ويتقدم للبرلمان بالطريقة التي يريد؟ وهذا يسمح به دستور 96.

دون أن ننسى أنه لنا جالية موزعة في العالم بأسره، فماهي القواعد العادلة التي ستفعل بها هذه القضية؟ كيف سنضمن المساواة في الحملة الانتخابية؟ وكيف نضمن حقوق الطعن القضائي؟ أي قضاء مخول له بالنظر في هذه الطعون؟ هل قضاء بلد الأصل أم قضاء بلدان الاقامة؟

ثم ماذا سيكون موقفنا إذا ما قررت دولة ما منع الحملة الانتخابية؟ وماذا عن الدول التي تمنع تأسيس جمعيات فما لك بتنظيم انتخابات على أراضيها لأجانب وهي لا تنظم انتخابات حتى لمواطنيها؟

ليس الأمر بالسهولة المتخيلة، فالصعوبة لا تشمل فقط المغرب كبلد أصل بل أيضا بلدان الاستقبال. هناك دول ديمقراطية عريقة ولم تجعل من هذه القضية أولوية.

من حيث المبدأ، الدستور يعزز هذا المطلب، ولكن إجراءاته تتطلب تفكيرا عميقا، ولا يوجد حوار وطني هادئ حتى الآن.

إن المسار العام للهجرة المغربية يميل إلى الاندماج داخل بلدان الاقامة، وهناك اهتمام للحفاظ على الهوية. ثم ماذا عن الذين يحملون أكثر من جنسية واحدة؟ لا نريد أن تتحول المسألة إلى سوق ممتازة يختار فيه المرء ما يناسبه. إنها مصالح مشتركة بين دول يجب التفكير فيها بعمق. فمشروع الدستور يعترف ولأول مرة بان مغاربة العالم مواطنو بلد الأصل ومواطنو بلدان الاستقبال، وهذا شيء أساسي لذلك يجب أن نكون حذرين في نوعية الرسائل التي نريد توجيهها لدول الاقامة.


ما هي في نظرك الميكانيزمات الكفيلة بتعبئة مغاربة العالم في مشاريع التنمية المستدامة؟

أولا هناك مبادئ عامة وهناك ميكانيزمات. الاعتراف بالتغييرات التي عرفتها الجالية المغربية في الخارج وفي مقدمتها التعدد حيث هناك العمال والمتقاعدون والصحافيون والمثقفون والباحثون والشباب والنساء، ساهم في تنوّع الهجرة المغربية وفي اختلاف تجارب الاندماج تبعا لاختلاف بلدان الاقامة. ولابد من الأخذفي الاعتبار أيضا تعدد الأجيال ما يفرض علينا التعامل بواقعية مع التوقعات المختلفة. بالاضافة إلى أنه لابد من تتبع كل قطاع من أجل تسهيل المعرفة المتبادلة بين مغاربة العالم ونظرائهم في المغرب وذلك من أجل تبادل الأفكار وتطوير استراتيجية وطنية في هذا المجال.

هناك أيضا مجال أساسي هو الانطلاق من انتظارات الهجرة والفاعلين فيها وليس من تصوراتنا. وهذا هو التحدي الأساسي، أي كيف ننطلق من كل ميدان وقطاع وجهة. فعندما ترى مثلا كيف أن الجهة الشرقية حاولت تعبئة كل كفاءاتها ومواطنيها في المهجر من أجل رسم استراتيجية للعمل خاصة بهذه الجهة، تخلص إلى أن هذا العمل يشكل قيمة مضافة ويسهل عملية التنمية.

أين وصل مشروع الأرشيف وحفظ الذاكرة؟

لقد انطلق العمل بحيث إن مجلس الهجرة بالتعاون مع المجلس الوطني لحقوق الانسان وعدد من الفاعلين سيتم تنظيم يومي 16 و17 من يوليو أول لقاء دولي علمي في الحسيمة حول متحف الريف. فالمقر موجود والامكانيات تم توفيرها من طرف الاتحاد الأوروبي في إطار مشروع خاص بالذاكرة والتاريخ. وطبعا لا يمكن الحديث عن منطقة الريف دون الأخذ في الاعتبار تجربة الهجرة التي عرفتها هذه المنطقة منذ القرن 19 إلى الجزائر والغابون. ربما قلة من يعلم أن شبكة السكك الحديدية التي شيدتها فرنسا في الغابون كانت بمساهمة كبيرة من سكان الريف الذين استجلبتهم فرنسا من الجزائر.

هذا بالاضافة إلى تدشين مؤسسة أرشيف المغرب وبدأ التفكير بالتنسيق مع المكتبة الوطنية في إحداث قسم خاص بتاريخ مغاربة العالم. يمكن لنا القول إنه لدينا رصيد جراء الأنشطة التي قمنا بها والتي وفرت لنا مادة غنية من صور وبيانات حول الهجرة المغربية. يوجد أيضا عمل تنسيقي مكننا من جمع 550 أغنية حول الهجرة ونعمل على اصدار أنطولوجيا في الموضوع مع قرص مدمج. وتم تأسيس لجنة علمية من الباحثين على أساس التفكير في إحداث متحف رقمي في انتظار أن يتحول إلى متحف واقعي بالاستفادة من تجارب رائدة في هذا المجال.