خلقت القيود التي تفرضها حكومة حماس على سكان قطاع غزة حالة من الاحتقان، فبعد حظر تدخين النرجيلة وركوب الدراجات البخارية على النساء، منعت حماس الرجال من ممارسة مهنة تصفيف شعر النساء والعمل في مراكز التجميل، دونما توفير بديل تقتات منه شريحة كبيرة من العاملين في هذا المجال.


حماس تفرض قيودا على مصففي الشعر من الرجال

غزة: أقضّت المحاذير القانونية التي تفرضها حكومة حماس في قطاع غزة مضاجع السكان، وباتت شريحة كبيرة من سكان القطاع المحاصر تعاني قيوداً بالغة لم تعهدها في السابق، فبعد هيمنة حماس على القطاع، وانفصاله سياسياً وأمنيا عن الضفة الغربية، التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس quot;ابومازنquot;، استيقظ سكان القطاع اليوم تلو الاخر بحسب صحيفة يديعوت احرونوت العبرية على قانون جديد يفرض قيوداً لم تكن موجودة في السابق.

وبات تجاوز هذه القيود مخالفاً للتعليمات ما يستوجب معه العقوبة، فإلى جانب سيل جارف من تلك القيود، جاء دور مصففي الشعر من الرجال، المتخصصين في تزيين المرأة وتصفيف شعرها، لترى حكومة حماس ان هذه المهنة مخالفة للشريعة الاسلامية، ويجب على المصففين التوقف عنها تماماً، كما ان الحكومة ذاتها لم تضع بدائل أخرى يمكن ان تقتات منها تلك الفئة، ولم تعترف سوى بلغة الشرطة السرية التي لاحقت المصففين واعتقلتهم واملت عليهم اقرارات تلزمهم بعدم ممارسة تلك المهنة مجدداً.

شكوى من الوضع المتردي

الازمة التي يدور الحديث عنها رصدتها وسائل الاعلام العبرية وفي مقدمتها صحيفة يديعوت احرونوت، التي نقلت عن مصففي الشعر الغزاويين شكواهم من الوضع المتردي الذي آلوا اليه منذ فترة ليست بالقصيرة، ووفقاً لما نقلته الصحيفة العبرية عن هؤلاء، كانت حكومة حماس منذ اليوم الاول من توليها زمام الامور في القطاع قد ألمحت الى اعتزامها سن بعض القوانين التي تفرض قيوداً على سكان القطاع، بداعي وجود تجاوزات مخالفة للشريعة الاسلامية ولابد من التعاطي معها قانونياً، ووضعت الحكومة الحمساوية اشكالية تصفيف الرجال لشعر النساء على رأس قائمة المحاذير الجديدة، الامر الذي اثار حالة من الجدل وربما الاستخفاف في الشارع الغزاوي، وظنت شريحة كبيرة من سكان القطاع ان تلميحات حكومة حماس لا تعدو كونها مجرد محاولة لقياس ردود فعل الشارع على قراراتهم، غير ان الحظر القانوني الخاص بمصففي الشعر دخل الى حيز التنفيذ منذ ايام، عندما اعتقلت الشرطة السرية التابعة لحماس عدداً ليس بالقليل من ممارسي تلك المهنة.

بعد اعتقال اول مصفف لشعر النساء في قطاع غزة، جلس عدد كبير من قرنائه امام محالهم في حيرة من امرهم، فلم يعد هناك عمل ينفقون منه على اسرهم، خاصة في ظل ظروف الحصار المفروضة على القطاع، كما ان عدداً كبيراً من النساء اللاتي يمتلكن محال لتزيين وتصفيف شعر النساء يستعن برجال متخصصين في هذه المهنة، الامر الذي فرض عليهن الحظر الحمساوي حالة من الركود التام، وهددت تلك الحالة محالهن بالاغلاق.

وفي حديث مع الصحيفة العبرية قال مصفف شعر النساء quot;عدنان بركات (27 عاماً)quot; :امارس مهنة تصفيف شعر النساء منذ سنوات، ولا اعرف غيرها من المهن التي يمكن ان انفق منها على نفسي واسرتي، كما انني اشعر بدون هذه المهنة انني ميت، خاصة ان كافة محلات تزيين النساء في القطاع لا تستطيع العمل بدوني، إذ انني اقوم بالتنسيق بين كافة العاملين بهذه المهنة في القطاع، وكانت حكومة حماس قد سنت هذا القانون منذ العام الماضي، الا انه لم يطبق القانون حتى شهر شباط/ فبراير الماضي، عندئذ تم تقديم خمسة من زملائي في المهنة لجهات التحقيق، واملت عليهم الجهات المعنية تعهدات كتابية بعدم ممارسة هذه المهنة مجدداً، الا ان الشرطة السرية التابعة لحماس لم تدهم محلات تزيين النساء وتعتقل العاملين فيها من الرجال سوى من أسبوع واحد فقطquot;.

وأضاف بركات أن عدداً من زملائه لاذوا بالفرار مع اسرهم من القطاع، هرباً من الالتزام بقانون الحظر الذي فرضته حكومة حماس على مصدر دخلهم، الا انه رفض الادلاء باسماء هؤلاء او الاماكن التي يمارسون فيها مهنتهم حالياً.

تعقيدات أمنية بالغة

في اطار هذه القيود الصارمة بحث المنشغلون بمهنة تصفيف شعر وتزيين النساء عن مخرج من عثرتهم، الا ان ظروف الحصار حالت دون ذلك، ولم ينجح في الافلات منها سوى عدد قليل ممن عملوا في المهنة ذاتها في الضفة الغربية، رغم الاجراءات بالغة التعقيد المفروضة على الانتقال من القطاع الى الضفة، ووفقاً لتقرير الصحيفة العبرية حاول اربعة من اصحاب صالونات التجميل وتصفيف شعر النساء في قطاع غزة الانتقال خلال الاونة الاخيرة الى الضفة الغربية، للمشاركة في مؤتمر جمعيات المنشغلين بمهنة تصفيف شعر النساء في طولكرم، الا انه حتى هذا الانتقال واجه تعقيدات امنية بالغة، إذ انه مرهون بالحصول على موافقات امنية من قبل لجان وقيادة التنسيق والارتباط في قطاع غزة، نظراً لظروف سياسية وامنية، الا ان اصحاب الصالونات الاربعة لم يتوقفوا عن المحاولة، حينما تقدموا بطلب آخر للمشاركة في المؤتمر ذاته الذي عقد قبل ايام. وبعد المشاركة في المؤتمر اعرب الغزاويون عن حاجتهم الماسة للاطلاع على الخطوط الجديدة في عالم التجميل وتصفيف الشعر، معتبرين ان هذه المهنة تعتبر صناعة لا تقل في اهميتها عن اية صناعة اخرى.

ونقلت الصحيفة العبرية عن الغزاوي quot;عماد مغربيquot; احد اصحاب معاهد تعليم تصفيف الشعر في قطاع غزة قوله: quot;في الماضي مارست مهنة تصفيف الشعر والتجميل في تل ابيب، عندئذ كنت مطلعاً على كافة خطوط الموضة العالمية، وكانت المرة الاخيرة التي خرجت فيها من القطاع للاطلاع على جديد الموضة في عام 2004، وفي ظل الوضع الراهن اليوم في القطاع نواجه صعوبة بالغة في التعرف إلى الجديد، لاسيما اننا لا نستطيع المشاركة في المهرجانات الدوليةquot;.

وأضاف مغربي أن تلميذاتهيحاولنبشتى الطرق للحصول على دورات متخصصة في تصفيف الشعر والتجميل خارج القطاع خاصة في مصر والاردن ولكن بلا جدوى.

أما مصففة الشعر وخبيرة التجميل الغزاوية quot;فادية باباquot;، التي تعمل منذ ما يربو على 25 عاماً في هذا المجال، فقالت في تصريح لصحيفة يديعوت احرونوت: quot;المشاركة في مهرجانات مثل مهرجان طولكرم بالغة الاهمية، فنحن نتعلم في هذه المهرجانات اساليب جديدة في عالم التجميل وتصفيف الشعرquot;.

وأكدت فدوى انه على الرغم من القيود المفروضة على القطاع الا ان صالونات التجميل وتصفيف الشعر موجودة في كل مكان، كما انها تمتلئ كل يوم عن بكرة ابيها بالزبائن، الامر الذي يعكس حقيقة رغبة نساء القطاع في التجميل وتصفيف شعرهن او صباغته حسب خطوط الموضة.

اعتراض منظمات حقوق الانسان

واوضح عماد مغربي في مداخلة مباغتة مع الصحيفة العبرية ان كافة النساء في القطاع لا يجمعن على ضرورة ارتداء الحجاب، وحتى اذا كانت النسبة الكبيرة من نساء القطاع يحافظن على ارتداء الحجاب، فإن تلك النسبة تهتم بزينتها وشعرها الانيق في منزلها، ما يجعلها في حاجة الى زيارة صالونات ومراكز التجميل الفينة تلو الاخرى، حتى تبدو جميلة سواء في المنزل او في المناسبات المختلفة.

واعرب مصففو الشعر وخبراء التجميل الغزاويين انهم يحاولون اقامة مهرجان دولي في مدينة رام الله خلال الاشهر القليلة المقبلة، يرافقهم في ذلك قرنائهم الذين يمارسون التخصص ذاته في الضفة الغربية، وذلك لتشجيع الشعب الفلسطيني سواء في القطاع او الضفة على الاهتمام بآخر صيحات الموضة في تصفيف الشعر والتجميل.

وكانت حماس قد واجهت في الماضي اعتراضاً من منظمات حقوق الانسان، عندما حاولت حظر عمل الرجال في صالونات تزيين وتصفيف شعر النساء، وبعد هدوء موجة الاعتراض عاودت حكومة حماس فرض حظرها معتمدة في ذلك على الشرطة السرية التي تتجول في كافة شوارع القطاع.

وينضم هذا الحظر بحسب الصحيفة العبرية الى سلسلة من المحاذير التي تفرضها حكومة حماس على الفلسطينيين من سكان قطاع غزة، ومن تلك المحاذير منع النساء من تدخين النرجيلة او ركوب الدراجات البخارية خلف الرجال، كما ان وزارة الداخلية الحمساوية صادرت العام الجاري كتابين لكاتبين احدهما مصري والاخر سوري ومنعت تداولهما في اسواق الكتاب في القطاع بداعي ان محتواهما مخالف للشريعة الاسلامية، الامر الذي اثار حالة من السخط لدى شريحة ليست بالقليلة من كبار المفكرين والادباء، واكد هؤلاء ان حماس تناهض ابسط حقوق الانسان وتخرق حقوق حرية التعبير والمعرفة، وفي محاولة من الحكومة الحمساوية لامتصاص ردود الفعل الغاضبة، سمحت بفتح دور السينما في القطاع وهي سابقة هي الاولى من نوعها منذ اندلاع انتفاضة الاقصى الاولى.