يبدو أن مستقبل الإعلام البريطاني سوف يتغير كثيراً بعد سلسلة الفضائح الضخمة التي تورطت فيها صحيفة quot;نيوز أوف ذي وورلدquot; الأسبوعية في التجسس على quot;هواتف ضحاياquot; الأمر الذي ساهم في اهتزاز ثقة المواطنين والمقيمين في المملكة المتحدة في وسائل الإعلام البريطانية.


الفضيحة قد تغير خارطة الإعلام البريطاني

كان- فرنسا: ما يؤكد أن الإعلام البريطاني في طريقه نحو التغيير ما ذكره رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أمس من ضرورة تغيير طبيعة العلاقة الحالية بين السياسيين ووسائل الإعلام في المستقبل، لافتاً إلى أن فضيحة صحيفة quot;نيوز أوف ذي وورلدquot; كشفت الكثير من التجاوزات في الحقل الإعلامي وأنها quot;دعوة للاستيقاظquot;.

وقال كاميرون إنه سيتم توسيع التحقيق حول هذا الموضوع، كما سيفتح مركزين لتلقي استفسارات الجمهور، وكذلك البحث في إخلاقيات الإعلام وإمكانية وضع معايير جديدة يتطلب إتباعها وعدم خرقها أو تجاوزها. مشيراً إلى أنه لابد من تغيير الطريقة التي تسير بها بعض الصحف البريطانية، لأن ما آلت إليه الأمور حاليًا فرض حتمية التغيير. مبينا أن لجنة شكاوى الصحافة (الجهة المسؤولة عن تنظيم العمل الصحفي) قد فشلت وسيتم استبدالها بإطار تنظيمي آخر جديد بحيث يكون مستقلا عن رجال السياسة و أي تدخلات أخرى.

ووعد كاميرون بأن المستقبل سيشهد مزيدًا من الشفافية في حقل الإعلام، هذا وسيجتمع كاميرون في الأسابيع القليلة المقبلة مع مجموعة من السياسيين البريطانيين البارزين وكبار الشخصيات لتحديد اختصاصات لجنة التحقيق الجديدة حول أخلاقيات الإعلام.

وتثور التساؤلات حالياً حول إمكانية تورط روبرت موردوخ الرئيس التنفيذي لنيوز كورب في هذه القضية والزج به في التحقيقات حيث يطالب الكثير من ضحايا الجريدة الشهيرة بمحاكمته بصفته مالك الصحيفة التابعة لمؤسسته في بريطانيا. وتوجه موردوخ إلى لندن quot;السبتquot; لمعالجة تداعيات أزمة التصنت على الهواتف تلك المتهمة فيها الصحيفة. ووصل موردوخ (80 عامًا) بعد يومين من قراره المفاجئ إغلاق صحيفة نيوز أوف ذي وورلد أكثر صحف يوم الأحد الشعبية مبيعاً في بريطانيا.

وقال جيمس موردوخ وريث إمبراطور الإعلام روبرت موردوخ مؤخراً أن رحلة جريدة (نيوز أوف ذي وورلد)، قد انتهت نتيجة quot;الإجراءات المتخذة في السنوات الماضية، من قبل بعض الأفراد .. رغم أن الصحيفة كانت غرفة أخبار جيدة، إلا أنها اخترقت الثقة بأن أخبار العالم لها علاقة بالناس.. لذا قرّرنا إغلاق الصحيفة ووقف النشر هذا الأحد، بسبب ذلك حقاquot;.

وكانت اخر الفضائح التي عجلت بإغلاق جريدة (نيوز أوف ذي وورلد) ما قام به احد محققي الصحيفة عندما توصل إلى الرسائل الهاتفية للفتاة المراهقة ميلي دولر التي اختطفت في عام 2002 وأخفى تلك المعلومات عن الشرطة بينما كانت بريطانيا تتحرّك عبر كافة الجهات من أجل العثور عليها. والغريب أن محقق الصحيفة توصل إلى معلومات الفتاة بسهولة، كما أنه لم يكتف بالتجسس على رسائلها فحسب، بل مسح كثيرًا من الرسائل مدمرا أدلة مهمة وجاعلاً أسرة الفتاة تعتقد أنها مازالت على قيد الحياة ورهن الاختطاف.

ولصحيفة نيوز أوف ذي وورلد الأسبوعية ممارسات وصفت بأنها غير أخلاقية عدة معروفة سابقًا، حيث تجسست الصحيفة على محادثات هاتفية لأقارب ضحايا قتلوا في العراق وأفغانستان. أما الفضيحة الأولى، فطالت أشخاصا من العائلة المالكة عام 2007، وأدت في حينه إلى اعتقال صحفي ومحقق دفعا وحدهما الثمن. والمثير للجدل انه رغم كل الأدلة المتوفرة والشكاوى، فإن الشرطة لم تُعد فتح التحقيق، حتى هذا الأسبوع، لماذا؟ لأن كل الفضائح القديمة أضيف إليها الكشف عن ممارسات فساد ورشاوى طالت عددا من عناصر الشرطة.

وتحدث بول ماكمولان، صحفي سابق في صحيفة quot;نيوز أوف ذي وورلدquot; عن بعض هذه الممارسات قائلاً: quot;كما أذكر مائتا جنيه كانت كافية مثلاً لأعرف من الذي زار أحد المشاهير، بينما قصة جيدة من بضع صفحات مثلاً كانت كلفتها ستكون بين خمسة وعشرة آلاف جنيهquot;.

وما يكشفه هذا الصحافي السابق، يؤكده المدير الأسبق في وحدة مكافحة الفساد في الشرطة ستيف روبرتس الذي قال quot;كان هناك بعض الحالات التي طالت شخصيات بارزة أو مشاهير، أو بعض ضحايا الجرائم الذين تم كشف أسمائهم بسرعة في اليوم التالي من وقوع الجريمة في الصحف، وهذا لا يمكن أن يكون مصدره إلا واحدا مناquot;.

هذا ويتوقع الكثيرون أن يهتز عرش الصحافة البريطانية بقوة خلال الأسابيع المقبلة بعد الكشف عن المزيد من فضائح تلك الصحيفة. وآخرها إعلان كنيسة بريطانيا سحب 350 ألف سهم تمثل استثمارات بقيمة 4 مليارات جنيه إسترليني، في حين يقف الشارع البريطاني منقسماً بين مؤيد ومعارض لقرار الإغلاق، وما ينتج عنه من تسريح عدد ضخم من موظفي ومحرري الصحيفة.

وتجدر الإشارة إلى أن جريدة quot;نيوز أوف ذي وورلدquot; تعد إحدى أعرق مؤسسات الصحافة البريطانية، ويبلغ عمرها 168 عامُا، وطبع منها ما يناهز مليوني وثمانمائة ألف نسخة. ولكن بالرغم من أن الصحيفة كانت تعدّ أسطورة إعلامية إلا أن تاريخها حافل بالتحقيقات والفضائح التي دمر بعضها سمعة نجوم وسياسيين.