يعوّل فقهاء الحرب الإسرائيليون على quot;معارك الغواصاتquot; عند الرغبة في حسم مواجهة محتملة مع ايران، وأبدى هؤلاء شكوكاً في قدرة سلاح الجو الاسرائيلي على تحقيق النتائج المرجوة في الحرب المرتقبة، لذلك يستعد سلاح البحرية لدخول غواصة جديدة إطار خدمته، بعد موافقة طال انتظارها من برلين.


احدى الغواصات الاسرائيلية من طراز دولفين قبالة سواحل تل ابيب

تل أبيب: أضحت الغواصات النووية كلمة الفصل في الحرب المتوقعة بين اسرائيل وايران، فرغم وصايا عسكرية سابقة بالاعتماد على سلاح الجو الاسرائيلي حال اتخاذ قرار بقصف منشآت ايران النووية، الا ان تلك الاستراتيجية أصابها الوهن، بحسب فقهاء الحرب الاسرائيليين، الذين باتوا على قناعة بضرورة وضع الغواصات ذات الرؤوس النووية في صدارة الآليات التي تعتمد عليها الدولة العبرية عند خوض مواجهة مسلحة ضد ايران.

ويبدو بحسب مجلة quot;دير شبيغلquot; الالمانية، أن حكومة تل أبيب تبنت الخيار العسكري الجديد، إذ جددت خلال الآونة الاخيرة مطالبها السابقة من حكومة برلين، بالحصول على غواصة جديدة من طراز quot;دولفينquot;، تضاف الى الغواصات الخمس التي تمتلكها من الطراز نفسه، استعداداً لمواجهة عسكرية محتملة ضد الدولة الفارسية، وتستطيع الغواصة التي يدور الحديث عنها حمل رؤوس نووية، وربما كان لهذا السبب بالغ الاثر في إصرار اسرائيل على الحصول على غواصة سادسة من هذا النوع، وعلى الرغم من اعتراض حكومة برلين على تلبية الطلب، الا ان الحكومة ذاتها استجابت مؤخراً لرغبة اسرائيل الجامحة وقررت بحسب المجلة الالمانية تزويد سلاح البحرية الاسرائيلي بسادس غواصة من هذا الطراز.

وكانت اسرائيل قد طالبت ألمانيا خلال السنوات القليلة الماضية بالحصول على الغواصة رقم quot;6quot; من طراز quot;دولفينquot;، غير ان حكومة برلين عرقلت المصادقة على الصفقة، الا ان وزير الدفاع الالماني quot;توماس دي مازييرquot;، التقى الاسبوع الماضي خلال زيارة قام بها لإسرائيل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع ايهود باراك، وتعهد الضيف الالماني بحسب quot;دير شبيغلquot; بإتمام الصفقة مع الدولة العبرية، وتحويل ميزانية قدرها 135 مليون يورو لتمويل تصنيع الغواصة التي طلبتها اسرائيل.

إستعراض إمكانيات الغواصات

وفي محاولة لاستعراض امكانيات الغواصات الالمانية من طراز quot;دولفينquot;، افاد تقرير نشرته صحيفة يديعوت احرونوت العبرية، بأن الغواصة التي يدور الحديث عنها تتمتع بقدرات فائقة، تمكنها من الابحار على مدى بعيد تحت سطح الماء، ويتم تصنيعها في الترسانة البحرية في مدينة quot;كيلquot; الألمانية.

ووفقاً لتقديرات دوائر عسكرية في تل ابيب، تعتبر الغواصة دولفين من افضل الغواصات على مستوى العالم، كما انها قادرة على حمل رؤوس نووية وإطلاقها.
وكانت ألمانيا زودت إسرائيل بغواصات من هذا النوع منذ نهاية تسعينات القرن الماضي، وحصل سلاح البحرية الاسرائيلي على اول غواصتين من هذا النوع مجاناً من المانيا، واطلق على احداهما quot;دولفينquot; والثانية quot;لفيتانquot;، بينما تشير معلومات الصحيفة العبرية الى ان الغواصتين اللتين يدور الحديث عنهما حصلت عليهما اسرائيل من المانيا خلال حرب الخليج، بداعي تطوير سلاح البحرية الإسرائيلي.

أما الغواصات الثلاث التي دخلت الخدمة في سلاح البحرية الاسرائيلي في فترة لاحقة، فقد ساهمت المانيا في تمويل صناعتها بما يزيد عن ثلث التكلفة بحسب يديعوت احرونوت.

ووفقاً لما نقلته الصحيفة العبرية عن دوائر عسكرية وصفتها بالغربية، تعتبر الغواصات الالمانية التي تمتلكها اسرائيل quot;قوة الضربة الاسرائيلية الثانيةquot;، ويخفف الحصول عليها شبق اسرائيل بامتلاك القوة النووية حال تعرضها لهجوم يهدف إلى تدميرها.

كما تهدف هذه القوة الى توجيه رسائل اسرائيلية رادعة لايران او اية جهة معادية لاسرائيل في المستقبل، إذ يستطيع هذا النوع من الغواصات الابحار لمسافة 4.500أميال بحرية تحت سطح الماء بسرعة تزيد عن 20 عقدة بحرية، وتحمل الغواصات ذاتها عدداً من الجنود، فضلاً عن انها مزودة بوسائل تسليح ومعدات استخباراتية الكترونية.

طاقم العمل داخل الغواصة الاسرائيلية المانية الصنع دولفين

يرتبط الحديث عن تزود اسرائيل بالغواصات النووية بحرب وشيكة قد تخوضها الدولة العبرية ضد ايران، وزاد من هذا الاعتقاد ما تناقلته وسائل اعلام غربية حول اعتزام شن هذا الهجوم في شهر أيلول/ سبتمبر المقبل، قبل توجه الفلسطينيين الى الجمعية العامة للامم المتحدة لاعلان قيام دولتهم المستقلة، وبحسب تقرير نشرته صحيفة هاآرتس العبرية، ساد الاعتقاد لدى الدوائر السياسية والعسكرية داخل وخارج اسرائيل بأن تحذيرات رئيس الموساد الاسرائيلي السابق quot;مئير داغانquot; من توجيه ضربة عسكرية اسرائيلية لمنشآت ايران النووية، يعود الى خلاف بين داغان ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه ايهود باراك، الا أنه في سياق متصل يعتقد فريق آخر داخل اسرائيل وفقاً للصحيفة ذاتها ان الامور في هذا المضمار تسير بمنظور مغاير، ومن بين أقطاب هذا الفريق قائد سلاح البحرية الاسرائيلي الاسبق الجنرال quot;ابراهام بوتسرquot;.

رغبة في الهجوم على إيران

يرى بوتسر بحسب حوار مع صحيفة هاآرتس انه اذا كانت لدى نتانياهو ووزير دفاعه رغبة في الهجوم المسلح على ايران، واذا كان الرجلان يمتلكان خطة مازالت حبيسة الادراج لقصف منشآت ايران النووية، فإنها ستكون معتمدة في استراتيجيتها على سلاح الجو الإسرائيلي.

وأبدى الجنرال بوتسر تخوفه من امكانية نجاح سلاح الجو الاسرائيلي في اقناع المستوى السياسي بنجاعة السلاح في أداء المهمة المزمعة على اكمل وجه وتحقيق النتائج المرجوة منها، معتبراً ان هذا التوجه سيحمل اخطاراً فادحة على اسرائيل.

وقاد بوتسر سلاح البحرية الاسرائيلي في الفترة ما بين 1968 وحتى 1972، وكان في تلك الفترة عضواً في قيادة الاركان الاسرائيلية العامة، ومنذ تقاعده بحسب معلومات الموسوعة العبرية شغل مناصب ادارية، واصبح عضواً في مجلس السلام والامن الاسرائيلي، الذي اسسه رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية الاسبق الجنرال quot;اهارون ياريفquot;، ويقول الجنرال بوتسر في حديثه للصحيفة العبرية: quot;جنرالات اسرائيل المسؤولون عن صناعة القرار العسكري، يرغبون في ادارة الحرب المتوقعة وفقاً لقوانين حروب الماضي، ويعتمدون في نظرياتهم العسكرية على سلاح الجو، ولعل ذلك هو ما حدث خلال حرب حزيران/ يونيو عام 1967، إذ دمّر سلاح الجو الاسرائيلي في غضون ساعات قليلة اسلحة الجو المصرية والسورية والاردنية، وامتلك سلاح الجو الاسرائيلي حينئذ السيطرة على سماء تلك الدول، الأمر الذي أعطى للقوات البرية فرصة التقدم في أعماق أراضي العدو.

ويعتقد جنرالات إسرائيل ndash; زيفاً ndash; انهم سيستطيعون ادارة الحرب المقبلة بالمنظور نفسه والاستراتيجية العسكرية القديمة، واقنعوا بذلك المستوى السياسي، الا ان ذلك يعد خطأً فادحاًquot;.

ويضيف الجنرال الاسرائيلي المتقاعد: quot;في حرب يوم الغفران عام 1973، كانت اسرائيل على قناعة دامغة بأن سلاح الجو الاسرائيلي سيدمر اية قوة مصرية تجترئ على عبور قناة السويس، غير ان ذلك لم يحدث، ولم تعمل اسرائيل على تمهيد الارض امام عملية برية كانت ضرورية لمنع زحف المصريين، والنتيجة كما اعترف بذلك في حينه quot;عيزر فايتسمانquot;، ان quot;الصاروخ كسر جناح الطائرةquot;، ورغم ذلك كانت اسرائيل على علم بأن المصريين عام 1970 نصبوا صواريخ ارض ndash; جو على طول الجبهة الغربية للقناة، وينبغي على اسرائيل ازاء ذلك تغيير قواعد اللعبة العسكرية في المستقبل، الا ان اسرائيل واصلت تجاهلها لمخاطر الصواريخquot;.

اتفاق مخزٍ مع حزب الله

بوتسر شن هجوماً لاذعاً للمرة الاولى على سلاح الجو الاسرائيلي في اعقاب المقال الذي نشره قائد سلاح الجو الاسرائيلي الاسبق الجنرال quot;ديفيد عبريquot; في دورية quot;seIsrael Defequot;، وهو المقال الذي حرره الصحافي الاسرائيلي quot;عامير رفافورتquot;، وفي المقال دعا عبري الى ضرورة تعزيز قدرات سلاح الجو الاسرائيلي، معتبراً ان ذلك سيضمن لإسرائيل تفوقها الجوي على كافة الجبهات الجوية والبرية وكذلك البحرية، واضاف في مقاله: quot;مرتان في حروب اسرائيل علمونا ضرورة تعزيز كفاءة سلاح الجو لنضمن حسم المعارك سريعاًquot;.

غير ان بوتسر يرد على ذلك بقوله: quot;المرة الاولى التي يتحدث عنها عبري كانت في حرب يوم الغفران عام 73، بينما كانت المرة الثانية في حرب لبنان عام 2006، وفي الحرب الاخيرة اعتقدنا ان سلاح الجو سيقضي على حزب الله نهائياً، وتجاهلنا مع هذا الاعتقاد تعبئة الاحتياط ولم ندخل قوات برية سريعاً الى الجنوب اللبناني، وكانت النتيجة ان مستوطني الجليل لم يغادروا الملاجئ التي كانوا يتحصنون بها، الا بعد التوقيع على الاتفاق quot;المخزيquot;، الذي تم التوصل اليه عبر الوسطاء، اما لماذا هذا الاتفاق مخزٍ؟ فيعود السبب في ذلك الى انه كان سبباً رئيساً في منح حزب الله الفرصة الكاملة لإعادة تسلحه مجدداً ومضاعفة قواه العسكريةquot;.

رغم اعتراف قائد سلاح البحرية الاسرائيلي الاسبق quot;ابراهام بوتسرquot; في حديثه مع الصحيفة العبرية بضعف كفاءة سلاح البحرية الاسرائيلي حالياً، الا انه يصر على ضرورة تعزيز قدرات هذا السلاح وتطويرها، واعتباره جناح اسرائيل الاستراتيجي الاول، وعمادها الرئيس في خوض مواجهة مسلحة مع اية جبهة في المنطقة خاصة الجبهة الإيرانية.

وانضم إلى بوتسر عدد ليس بالقليل من الجنرالات المتقاعدين في الجيش الاسرائيلي، إذ طالبوا بحسب صحيفة هاآرتس العبرية بتزويد سلاح البحرية الاسرائيلي بأكبر عدد ممكن من الغواصات ذات القوة النووية الرادعة.

ويعتقد بوتسر ورفاقه انه ينبغي ان تمتلك اسرائيل اسطولاً من الغواصات لا يقل عن ثماني أو تسع غواصات، خاصة ان سلاح الجو الاسرائيلي وفقاً لاعتقاده لن يكون قادراً على قصف منشآت ايران النووية بشكل جيد، يضمن القضاء على قدرات إيران النووية لسنوات طويلة.

وفي المقابل ينبغي أن تعتمد اسرائيل على quot;قوة الردع الاستراتيجيquot;، إذ ان قوة الردع الاميركية على سبيل المثال ومعظم الدول العظمى، منذ بداية الحرب الباردة وحتى اليوم تكمن في الغواصات.